هل تتذكر عندما كانت الأخبار تدور حول "إيفر غيفن"؟ لقد جنحت سفينة الحاويات الضخمة في قناة السويس وأغلقت ممر الشحن الحيوي في البحر الأحمر لمدة ستة أيام. وكانت كلفة التأخير الناتج عن ذلك والذي عانت منه السفن الأخرى التي تنقل البضائع 9 مليارات دولار في اليوم الواحد.
منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2023، أدت عشرات الهجمات الحوثية على السفن في البحر الأحمر وخليج عدن القريب إلى رفع التكاليف على الشركات والمستهلكين مرة أخرى. وأجبرت هجمات الحوثيين شركات النقل على إعادة توجيه السفن حول الطرف الجنوبي لأفريقيا. (بحلول أواخر كانون الثاني/يناير، بعد شهرين من هجمات الحوثيين، انخفضت سفن الحاويات التي تعبر قناة السويس بنسبة 67%).
ويؤدي المسار الأطول بكثير إلى تأخير تسليم المواد الغذائية والملابس والأدوية والمساعدات الإنسانية. ويضيف المسار الأطول مليون دولار إلى تكاليف الوقود لسفينة متجهة إلى شمال أوروبا عبر طريق رأس الرجاء الصالح، حسبما ذكرت رويترز. ويتم تمرير التكاليف عموماً إلى المستخدمين النهائيين أو المستهلكين. كما أن طرق الشحن الطويلة تزيد من الانبعاثات أيضاً، الأمر الذي قد يؤدي بدوره إلى الإضرار بمناخ الأرض.
قال إيان رالبي، وهو مؤلف أميركي يقدم المشورة للحكومات وللصناعة بشأن المسائل البحرية: "إننا كثيراً ما نقلل من شأن تأثير المجال البحري على الحياة على الأرض أو نتجاهله تماماً. إذا لم يتدفق الشحن، فلن تجد أنت [المستهلك] البضائع التي اعتدت على شرائها من أي متجر تقريباً"، أو ستدفع مقابلها أسعارا أعلى.
أغلقت شركات سوزوكي موتور كوربوريشن، وتسلا إنكوربوريتد، وفولفو كار إيه بي، مصانعها مؤقتا أو أوقفت عمليات التصنيع في أوروبا لأنها لم تحصل على قطع الغيار التي تحتاجها في الوقت المناسب، حسبما ذكرت وكالة أسوشيتد برس. وأبلغت شركة مان أند ماشين الأميركية المنتجة للمعدات الطبية عن تأخيرات في استلام قطع الغيار من آسيا.
ينتقد جان هوفمان، رئيس الشؤون اللوجستية لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، هجمات الحوثيين في البحر الأحمر لأنها أدت إلى رفع أسعار الغذاء والطاقة العالمية في وقت أدت فيه حرب روسيا ضد أوكرانيا بالفعل إلى خفض صادرات الحبوب من أوروبا وفي ظل انخفاض مستويات المياه بسبب الجفاف والذي يؤخر الشحن عبر قناة بنما، وهي قناة حيوية أخرى.
وقال هوفمان مشيرا إلى الضغوط التراكمية على سلاسل التوريد العالمية: "إن الدول النامية معرضة بشكل خاص لهذه الاضطرابات".
يقول ديفيد سيمشي ليفي، المتخصص في الخدمات اللوجستية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، إن المستهلكين قد لا يرون أرففا فارغة بسبب الاضطرابات الأخيرة، والتي يصفها بأنها "قصيرة المدى". وذلك لأن الشركات عززت سلاسل التوريد بعد حادثة "إيفر غيفن"، وقام تجار التجزئة بتخزين السلع كرد فعل على الطلب المتزايد بعد جائحة كوفيد19.
ومع ذلك، حسبما قال ريان بيترسن، من شركة فليكسبورت لإدارة سلاسل التوريد، لوكالة أسوشيتد برس، فإنه إذا استمرت هجمات الحوثيين على الشحن لمدة عام، فقد تؤدي إلى زيادة تضخم البضائع بنسبة تصل إلى 2% على مستوى العالم. وقال بيترسن في كانون الثاني/يناير: "إن ما يحدث الآن هو فوضى قصيرة المدى، والفوضى تؤدي إلى زيادة التكاليف".
وقال رالبي إنه في حين أن سفن الحاويات تحمل البضائع التي تعتمد عليها الصناعة والمستهلكون، فإن آثار إعادة التوجيه – مثل تراكم السفن المنتظرة في الموانئ – قد تستغرق أسابيع لتظهر. وحذر من أن "جميع أنواع الأسواق المختلفة تتأثر، لكن مدى ذلك ليس واضحا بعد".
وإدراكاً لأهمية الحقوق والحريات الملاحية، اعتمد مجلس الأمن الدولي القرار رقم (2722) في 10 كانون الثاني/يناير والذي يؤكد على وجوب استمرار مرور السفن التجارية عبر البحر الأحمر دون عوائق.
ويشير رالبي إلى أن الشحن بالقرب من البحر الأحمر شهد أيضاً ارتفاعاً طفيفاً في أعمال القرصنة في أواخر عام 2023 وأوائل عام 2024. ومن المرجح أن يشعر بمزيج الضغوط التي تؤدي إلى تغيير المسار وارتفاع التكاليف والتأخير بشكل أشد هم أولئك الذين يملكون الأقل. وقال رالبي، الذي يشير إلى الأزمات المستمرة في السودان وإثيوبيا وإريتريا، إن "المساعدات الإنسانية والمعونات الغذائية والإمدادات الطبية وإمدادات المياه المتجهة إلى مواقع محددة قد لا تصل إلى هناك في الوقت المناسب".
وقال: "إذا حدث فجأة تأخير لمدة أسبوعين في الأشياء التي تشتد الحاجة إليها، فهذا أمر صعب على الناس".