قرار الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بالرد على المتمردين الحوثيين بعد أسابيع من الهجمات على السفن التجارية في البحر الأحمر لم يُفعّل سوى تصعيد الفوضى في صناعة الشحن، وهو ما يؤكد تهديد أزمة سلسلة التوريد المستمرة بينما تعبر السفن عبر الطريق التجارية الحيوية.
ففي يوم الأربعاء، تعرّضت سفينة شحنٍ تجارية ثالثة خلال ثلاثة أيام لهجومٍ بواسطة طائرةٍ مُسيّرة.
و يعترف كبار المسؤولين في صناعة الشحن بشكلٍ سرّي بأن العديد من أفراد الطاقم يشعرون الآن بالخوف من فكرة العبور.
بعد وقتٍ قصير من شنِّ الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ضرباتٍ جوية على أهداف الحوثيين في اليمن، مما يُشكل ذلك تصعيداً على النهج الدفاعي المعروف باسم "عملية حارس الازدهار"، قام البحارة الغربيون بنصح السفن بالابتعاد. واتبع أصحاب ومُشغلو ما لا يقل عن 2300 سفينة تجارية هذا التوجيه علناً، كما قامت بعض شركات التأمين بتقييد التغطية.
و النتيجة كانت انخفاضاً حاداً في شُحنات المرور عبر الممر المائي الذي يتعامل عادة مع حوالي 12% من التجارة البحرية العالمية. و تم أيضاً تحويل تدفقات النفط والغاز والحبوب والسلع المصنعة بشكل متزايد. حتى السفينة المحملة بالحيوانات الحية بدت وكأنها قد تحوّلت عن المسار المعتاد، مما يثير ذلك مخاوف بشأن رفاهية الحيوانات.
"إنهُ وقتٌ غير مؤكد جداً، وأعتقد أننا جميعاً في انتظار رؤية التأثير العام لعملية حارس الازدهار المستمرة وأيضاً نتائج الضربات الأخيرة،" وفقاً لجون ستوبرت، كبير المديرين للتجارة والبيئة في الغرفة الدولية للشحن، التي تمثل أصحاب حوالي 80% من أسطول الشحن العالمي.
و أضاف: "التأثير المُحتمل لهذه الهجمات مروّع بالنسبة لطواقم السفن."
كما ارتفعت تكاليف التأمين للسفن التي يجتاز طواقمها ممر باب المندب بنسبة عشرة أضعاف، بما في ذلك زيادة كبيرة منذ بدء الضربات الجوية. مما جعل ذلك بعض شركات التأمين تسعى حتى لاستبعاد السفن الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية من التغطية، وبالتالي بدأت أسعار نقل الحاويات والنفط بالارتفاع أيضاً.
و أدت طواقم السُفن المُتوترة، وحالة السلامة المحفوفة بالمخاطر، وطُرق المُرور المتعطلة، وتأخير التسليمات، وأسواق الشحن العرضية المتقلبة، إلى إعادة الحديث حول ضغوط التضخم وارتفاع تكلفة النفط، وكذلك إلى تحذيراتٍ من تعقيد سلاسل التوريد التي يمكن أن تؤذي الاقتصاد العالمي.
و صرّح (فينسنت كليرك)، الرئيس التنفيذي لشركة النقل العملاقة أيه بي مولر-ميرسك، هذا الأسبوع، قائلاً: "بالنسبة لنا، سيعني ذلك زمن عبورٍ أطول واحتمال تعطل سلاسل التوريد لعدة أشهر على الأقل".
كما صرّح أيضاً المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي (جون كيربي)، الثلاثاء، أنه "من السابق جداً قول: ما تأثير الضربات؟ ولكنه أشار إلى أنها تأتي بـ "تأثيرٍ جيد" فيما يتعلق بتعطيل وتراجع قدرة الحوثيين على تنفيذ العمليات العسكرية الهجومية.
و قال مسؤول أمريكي، الخميس، إن تأثير الصراع على سلاسل التوريد وأسعار الطاقة في الولايات المتحدة محدود، مشيراً بذلك إلى أن الطريق التجاري أكثر أهمية لآسيا وأوروبا.
و تُشير بيانات تتبع السفن التي جمعتها وكالة بلومبرغ إلى أن معظم شحنات النفط الخام من الشرق الأوسط إلى الساحل الخليجي الأمريكي تمر برأس الرجاء الصالح الأفريقي، وتمر التسليمات إلى الساحل الغربي عبر سنغافورة والمحيط الهادئ الشمالي.
•الوضع المعقد:
في أضيق نقطة لمضيق باب المندب في الطرف الجنوبي للبحر الأحمر -وهي نقطة تمرير لا مفر منها لأي ناقلة تستخدم قناة السويس للانتقال بين آسيا أو الشرق الأوسط وأوروبا- تبلغ المسافة حوالي 20 ميلاً من اليمن إلى جيبوتي.
و قال (ديرك سيبيلز)، كبير المحللين في شركة ريسك إنتليجنس، وهي شركة دنماركية للاستخبارات الأمنية: "إن ما يحدث أمرٌ معقد للغاية بالنسبة للجميع، حيث أن المشكلة الرئيسية تتمحور في مستوى عدم اليقين، والذي يُعتبر دائماً أمراً معقداً لأغراض التخطيط".
وأضاف سيبيلز أن الحوثيين كانوا -قبل الضربات الجوية- يستهدفون أهدافاً مُتعلقة بإسرائيل، ولكنهم أعلنوا بعد تلك الضربات أنهم سيستهدفون أيضاً السُفن الأمريكية والبريطانية، و منذ يوم الجمعة تعرّضت سفينتان للضرب من بين الثلاث السُفن المملوكة للولايات المتحدة.
و تؤثر هذه الاضطرابات على المواد الخام والسلع الاستهلاكية على طول سلسلة التوريد. وقد تم تعطيل إمدادات النفط من بعض البلدان مثل العراق والسعودية بسبب الفوضى، حيث تم تحويل ما لا يقل عن 6 ملايين برميل من النفط الخام من العراق، التي تُعتبر أكبر مورد في الشرق الأوسط لأوروبا عبر باب المندب.
كما أن معظم السفن تتجنب قناة السويس وتسلك الطريق البحري الطويل حول القارة الأفريقية، وبالتالي تزداد الطلبية على وقود السفن في المواقع الأفريقية والشرق الأوسط.
و في سوق الغاز، توقف أيضاً معظم الموردين عن استخدام قناة السويس، التي يجب على أي سفينة أن تمر بها أيضاً إذا كانت تسلك البحر الأحمر للانتقال بين أوروبا وآسيا.
و قام ما لا يقل عن خمس ناقلات الغاز الطبيعي المسال -بعضها تابع لمشاريع تصدير في روسيا- بالتوجه بعيداً عن طريق باب المندب هذا الأسبوع وتتجه نحو المحيط الأطلسي، ومن بينها اثنتين تقومان بنقلِ الغاز لعُملاء آسيويين.
و وفقاً لبيانات التتبع، قامت قطر بإعادة توجيه أربع شحنات من الغاز الطبيعي المسال هذا الأسبوع المتجهة إلى البحر الأحمر، واختارت بدلاً من ذلك الذهاب إلى أوروبا عبر الطريق الأطول حول رأس الرجاء الصالح في جنوب أفريقيا.
كما قامت جميع شركات الشحن اليابانية الرائدة بإيقاف العبور من باب المندب في الوقت الحالي. وأعلنت شركات أخرى، بما في ذلك تورم وستينا بالك و هافينا، أنها ستتجنب المرور من المنطقة. ويأتي ذلك بالإضافة إلى العديد من شركات الحاويات وأصحاب السفن الأخرى التي سبق أن قامت بتحويل المئات من السفن قبل الضربات الجوية.
•نقل الحبوب إلى الصين:
حتى الأسبوع الماضي، لم تشهد سُفن الجامبو التي تحمل سلعاً مثل الحبوب والفحم والمعادن تأثيراً كبيراً، وعلى الرغم من ذلك تتجنب الآن العديد من تلك السفن أيضاً هذا المسار، حيث تم تحويل السفن التي تحمل حوالي 1.6 مليون طن من الحبوب والمتجهة إلى قناة السويس إلى طرق أخرى في الأسابيع الثلاثة الماضية، وفقاً لمحلل شركة كابلر، (إيشان بهانو). وسيكون معظم تلك الحبوب متجهة في طريقها جنوباً إلى السوق الصينية وجنوب شرق آسيا.
و وفقاً لـ (فاسيليس مويس)، المدير الإداري المشترك لشركة دوريك شيب بروكرز إس إيه المتخصصة في شحن السلع السائبة ومقرها اليونان، قال: "لدينا المزيد والمزيد من أصحاب السفن الذين لن يقبلوا الأعمال الجديدة عبر البحر الأحمر الآن".
و لكن عدم تجاوب السفن مع البحر الأحمر ليس أمراً عالمياً، حيث يقول مويس إن حوالي ربع أصحاب السفن الذين يتعامل معهم لا يزالون على استعداد لقبول الأعمال التي تمر عبر البحر الأحمر، ولكن فقط في حال حصلوا على أجور مرتفعة بشكلٍ كبير.
و بالنسبة لبعض المُلّاك، يبدو أن الروابط مع الصين وروسيا تقوم بمساعدة أسطولهم على تأمينِ مرور آمن، حتى أن بعض السفن قامت ببث روابطها مع الصين وذلك في مُحاولةٍ واضحة لتجنب استهدافها. و قد يقوم آخرون بتقييم أن الخطر يستحق المغامرة.
و وفقاً لبيانات تتبع السفن التي جمعتها وكالة بلومبرغ، قد يعبر ما يصل إلى 114 سفينة، بما في ذلك ناقلات النفط وسفن الحمولة الجامبو وسفن الحاويات، عبر البحر الأحمر بين يومي الجمعة والاثنين. وهذا يُعد انخفاضاً بما يُقارب 272 سفينة خلال نفس الفترة قبل شهر.
"يجب أن تُستثمر سلاسل التوريد لتصبح أكثر مرونة وذلك من أجل التعامل مع هذا النوع من التعطلات"، وفقاً لـ (سول كافونيك)، محلل الطاقة في مؤسسة البحث MST Marquee.
و أضاف: "حتى في حالة تلاشي الصراع في الشرق الأوسط في القريب، ستحتاج الحكومات والشركات إلى إعادة النظر في خُططهم اللوجستية وسلاسل التوريد كي تُصبح في حالة مقاومة لحدوث مثل هذه الحوادث في المستقبل."