مع ازدياد التهديدات الحوثية في البحر الأحمر، تتحرك السفن الحربية الأميركية لمواجهة الهجمات المتتالية التي أربكت خطوطا حيوية للشحن البحري.
ودفعت الضربات الحوثية وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" للإعلان عن تشكيل تحالف يضم العديد من الدول لضمان الأمن في البحر الأحمر.
وبوجود التحالف ستضع عدة دول سفنها قرب البحر الأحمر للرد على الهجمات وحماية السفن والناقلات التجارية، كنوع من الردع، ولكن هذا لم يثن الحوثيين عن الاستمرار في استهداف السفن العاملة بالقرب من اليمن.
وتهاجم جماعة الحوثي المدعومة من إيران سفنا تجارية منذ أكتوبر في حملة تقول إنها للتضامن مع الفلسطينيين في قطاع غزة الذي تواصل إسرائيل شن الهجمات عليه.
لماذا يستهدف الحوثيون السفن في البحر الأحمر؟
تأتي هجمات الحوثيين لدعم حماس في حربها ضد إسرائيل بقطاع غزة، وقالت الجماعة إنها ستستهدف جميع السفن المتجهة إلى إسرائيل بغض النظر عن جنسيتها، وحذروا جميع شركات الشحن العالمية من التعامل مع الموانئ الإسرائيلية.
وعطلت الهجمات تدفق التجارة العالمية، وقالت شركات شحن وشركات نفط إنها ستتجنب قناة السويس مما يزيد من تكاليف الشحن ويطيل مسافة الرحلات، لأن السفن تختار في المقابل الدوران حول القارة الأفريقية.
حتى الآن شنت جماعة الحوثي في اليمن المدعومة من إيران ما لا يقل عن 100 هجوم صاروخي وعشرات الطائرات المسيرة تجاه السفن في البحر الأحمر، وتكرر تهديداتها في استهداف أي سفينة إسرائيلية أو متجهة إلى إسرائيل، بحسب تقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي".
كيف تواجه واشنطن الهجمات الحوثية؟
أعلنت القيادة المركزية الأميركية، أن الطائرات المسيرة والصواريخ الـ17 التي أطلقها الحوثيون، الثلاثاء، تم إسقاطها باسلحة تحملها المدمرة "يو أس أس لابون"، وطائرات مقاتلة من أف-أيه-18 حلقت من حاملة الطائرات "يو أس أس أيزنهاور".
ولم تكشف البحرية الأميركية تفاصيل الأسلحة المستخدمة في صد هجمات الحوثيين، لكن محللين قالوا إن المدمرة الأميركية لديها مجموعة من أنظمة الأسلحة تحت تصرفها، بحسب تقرير نشرته شبكة "سي أن أن".
وقال الخبراء إن هذه الأسلحة تشمل "صواريخ أرض جو، وقذائف من المدفع الرئيسي الموجود على متن المدمرة، وأنظمة أسلحة قريبا"، مشيرين إلى أن السفن الأميركية الموجودة في البحر الأحمر تمتلك "قدرات حرب إلكترونية يمكنها قطع الروابط بين الطائرات المسيرة ووحدات التحكم الخاصة بها على الشاطئ".
وأضافوا أنه "مهما كانت الأنظمة التي يستخدمها قادة المدمرات الأميركية، فإنهم يواجهو قرارات بشأن التكلفة والمخزون والفعالية"..
جون برادفور، باحث متخصص في الشؤون الدولية في مجلس العلاقات الخارجية، قال إن "الطائرات المسيرات أبطأ يمكن ضربها بالصواريخ الأرخص"، لكن "يجب اعتراض الصواريخ الأسراع بصواريخ اعتراضية أكثر تطورا".
وتمتلك واشنطن ما لا يقل عن ثلاث مدمرات متمركزة في البحر الأحمر بحسب تحليل فورين بوليسي، فيما تشارك عدة دول بسفن حربية في عملية "حارس الازدهار" بقيادة الولايات المتحدة.
وأطلقت الولايات المتحدة عملية "حارس الازدهار" مؤخرا، قائلة إن أكثر من 12 دولة وافقت على المشاركة في جهد سيشمل دوريات مشتركة في مياه البحر الأحمر بالقرب من اليمن.
قالت وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون"، مؤخرا، إن أكثر من 20 دولة في المجمل وافقت على المشاركة في التحالف الجديد الذي تقوده الولايات المتحدة.
ومع ذلك، فإن العدد الإجمالي الجديد يشير إلى أن ثمانية على الأقل من الدول التي قررت الانضمام لتلك الجهود ترفض الكشف عن مشاركتها علنا، في إشارة إلى الحساسيات السياسية للعملية مع تصاعد التوترات الإقليمية.
وقال الميجور جنرال باتريك رايدر: "لقد وافقت الآن أكثر من 20 دولة على المشاركة" موضحا أن اليونان وأستراليا أعلنتا الانضمام.
وأضاف "سنسمح بمشاركة دول أخرى، الأمر متروك لها للحديث عن انضمامها"، وقال رايدر إن كل دولة ستساهم بما تستطيع واصفا العملية بأنها "تحالف الراغبين".
وأضاف في مؤتمر صحفي "في بعض الحالات سيشمل ذلك سفنا. وفي حالات أخرى قد يشمل أفرادا أو أنواعا أخرى من الدعم".
"حارس الازدهار".. الصواريخ المستخدمة:
ويوضح تقرير شبكة "سي أن أن" الأسلحة والذخائر التي تستخدمها المدمرات الأميركية في البحر الأحمر والتي من أبرزها:
- منظومة "الصاروخ القياسي 6": وهو سلاح متطور يمكنه اسقاط صواريخ باليستية في الغلاف الجوي، وصواريخ أخرى تطلق في مسارات منخفضة، والتي تستهدف السفن ضمن مدى 370 كلم، وتبلغ تكلفته 4 ملايين دولار بحسب ما نقلت الشبكة عن "سي أس أي أس".
- منظومة "الصاروخ القياسي 2": تستخدمه المدمرات الأميركية، للأهداف ذات المدى الذي يتراوح بين 185 و370 كلم، وتبلغ تكلفته 2.5 مليون دولار.
- منظومة الصاروخ "ESSM": وهو مخصص لضرب صواريخ كروز المضادة للسفن والتهديدات ذات السرعات المنخفضة مثل الطائرات المسيرة أو المروحيات على مدى يصل إلى 50 كلم، وتبلغ تكلفته مليون دولار.
استئناف حركة الشحن: عاودت سفن شركة "سي أم آ سي جي أم" الفرنسية عبور البحر الأحمر، بينما تعتزم "ميرسك" الدنماركية القيام بالخطوة ذاتها، وفق ما أعلنت شركتا الشحن الأربعاء.
وقالت الشركة الفرنسية إن "بعض السفن عبرت البحر الأحمر"، وإنها تعتزم "أن نزيد بشكل تدريجي عبور سفننا عبر قناة السويس"، وذلك في رسالة الى زبائنها تلقت وكالة فرانس برس نسخة منها.
ولم تكشف الشركة عن مزيد من التفاصيل "لأسباب أمنية".
من جهتها، أكدت "ميرسك" في بيان أنها تعتزم "استئناف الملاحة في البحر الأحمر في اتجاه الشرق كما الغرب"، مشيرة الى أن السفن ستعاود استخدام هذا الممر البحري "في أسرع وقت ممكن".
واعتبرت "ميرسك" أن تشكيل هذا التحالف الذي اطلق عليه اسم "حارس الازدهار"، هو "نبأ جيد لكامل قطاع" النقل البحري يتيح استئناف حركة الملاحة، الا أنها شددت على أن "الخطر الإجمالي في هذه المنطقة لم يلغ بعد"، بحسب وكالة فرانس برس.
بدورها، أكدت الشركة الفرنسية أنها "تتابع الوضع بشكل دائم ونبقى على استعداد لإعادة تقييم خططنا اذا تطلب الأمر".
وكانت شركات نقل عالمية كبرى منها "ميرسك" و"سي أم آ سي جي أم" أعلنت اعتبارا من منتصف ديسمبر، تعليق المرور عبر البحر الأحمر بعد عمليات شنها الحوثيون في اليمن استهدفت سفنا قالوا إنها مرتبطة بإسرائيل أو تبحر من موانئها وإليها.
وحولت العديد من السفن مسارها إلى رأس الرجاء الصالح، في أقصى جنوب أفريقيا، وهو طريق طويل ومكلف.
ومع مرور 12 في المئة من التجارة العالمية عبره، بحسب غرفة الشحن البحري الدولية، يعتبر البحر الأحمر بمثابة "طريق سريع" يربط البحر الأبيض المتوسط بالمحيط الهندي عبر قناة السويس، وبالتالي أوروبا بآسيا.
وتمر عبر قناة السويس حوالى 20 ألف سفينة سنويا، وتعتبر حيوية للتجارة العالمية.
تحالفات بحرية قائمة في المنطقة:
تشارك بالفعل قوات بحرية من عدة دول في العمليات الدولية لحماية ممرات الشحن في المنطقة وتتضمن حماية السفن من القراصنة الذين عطلوا الشحن قبالة سواحل الصومال عدة سنوات، بحسب تقرير لوكالة رويترز.
وتشمل تلك المهام ما يلي:
- عملية أتلانتا التي أطلقتها القوة البحرية التابعة للاتحاد الأوروبي في الصومال وتعمل قبالة القرن الأفريقي وفي غرب المحيط
الهندي لدعم قرارات الأمم المتحدة لحماية البحار من القرصنة. ومقرها في إسبانيا.
- عملية أجينور وهي بقيادة أوروبية تستهدف ضمان حرية الملاحة في مضيق هرمز، وهو ممر ملاحي رئيسي لصادرات النفط من دول الخليج.
- القوات البحرية المشتركة (سي. إم. إف) هي شراكة بحرية متعددة الجنسيات تتولى الولايات المتحدة قيادتها من البحرين التي تستضيف مقر الأسطول الخامس الأميركي. وتضم القوات البحرية المشتركة 39 عضوا، تتضمن دولا أعضاء في حلف شمال الأطلسي ودولا أوروبية وأخرى من المنطقة وغيرها. وإحدى مهامها هي فرقة العمل المشتركة 153 (سي.تي.إف 153) التي تعمل في البحر الأحمر.
باب المندب وأهميته: مضيق باب المندب هو مدخل البحر الأحمر من الجنوب ويقع بين اليمن في شبه الجزيرة العربية وجيبوتي وإريتريا على الساحل الأفريقي.
ويعد المضيق أحد أهم المسارات المائية في العالم لشحنات السلع العالمية المنقولة بحرا، وخاصة النفط الخام والوقود من الخليج المتجه إلى البحر المتوسط عبر قناة السويس أو خط أنابيب سوميد على الساحل المصري على البحر الأحمر، بالإضافة إلى السلع المتجهة إلى آسيا، بما في ذلك النفط الروسي.
شهد المضيق الحصار البحري الذي فرضته مصر على إسرائيل في حرب أكتوبر عام 1973.
ويبلغ عرض باب المندب 29 كلم في أضيق نقاطه، مما يجعل حركة الناقلات صعبة ومقتصرة على قناتين للشحنات المتجهة للبحر الأحمر والخارجة منه، تفصل بينهما جزيرة بريم.
عبر المضيق نحو 7.80 مليون برميل يوميا من شحنات النفط الخام والوقود في أول 11 شهرا من عام 2023، ارتفاعا من 6.60 مليون برميل يوميا طوال 2022، وفقا لشركة تحليلات النفط فورتيكسا. ورصدت فورتيكسا عبور 27 ناقلة محملة بالخام أو الوقود يوميا في المتوسط في عام 2023، ارتفاعا من 20 في العام الماضي.
وتقول إدارة معلومات الطاقة إن 12 بالمئة من إجمالي النفط المنقول بحرا في النصف الأول من 2023 وكذلك ثمانية بالمئة من تجارة الغاز الطبيعي المسال مرت من باب المندب وخط أنابيب سوميد وقناة السويس.