[ تعليق الصورة: صورة جوية لحضرموت من هانا بورتر ]
في أواخر أكتوبر/تشرين الأول، جهز سكان المناطق الحدودية الساحلية بين سلطنة عُمان واليمن أنفسهم لوصول الإعصار المداري تيج إلى اليابسة. تباينت التوقعات بشأن الأضرار التي ستنجم عنه، ولم يكن سوى شيء واحد واضح: وهو أن عُمان كانت مستعدة لمواجهة العاصفة، وأن اليمن لم يكن كذلك. في الأيام التي سبقت الإعصار، قامت عُمان بإخلاء السكان المقيمين في مساره، وأقامت الملاجئ لحالات الطوارئ، وأعلنت عطلة رسمية لمدة يومين للتقليل من آثاره. ومع ضعف قدرة الدولة على اتخاذ تدابير مماثلة، عانى اليمنيون الذين يعيشون في محافظة المهرة في الشرق من خسائر كبيرة. ونزح حوالي 10000 من السكان المحليين بعد أن دمرت الفيضانات الطرق وجرفت المحاصيل والماشية. يعد هذا الإعصار مثالاً حديثًا على كيف يمكن أن يتسبب غياب الدولة الفاعلة في تفاقم الكوارث البيئية في اليمن، ما يؤدي إلى تعقيد الأزمة الإنسانية الناجمة عن سنوات من الصراع.
تُصنف اليمن باستمرار بكونها من بين الدول الأكثر عرضة لآثار التغيرات المناخية العالمية، بما في ذلك العواصف المدارية والفيضانات، إضافة للجفاف وتفشي الأمراض المفاجئ. ويمكن أن يُعزى جزء كبير من نقاط الضعف هذه إلى الصراعات المستمرة في البلاد وضعف الاقتصاد. على مدى العقد الماضي، برزت حلقة مفرغة تفاقمت فيها الأضرار الناجمة عن الظواهر المناخية الشديدة نظرًا للافتقار إلى القدرات الحكومية والخدمات العامة. تعمل الكوارث الطبيعية الكبيرة على التقليل من وفرة الموارد، بما في ذلك الغذاء والمياه النظيفة والأراضي الصالحة للزراعة، ما من شأنه أن يؤدي إلى المزيد من عدم الاستقرار والصراع.
تتعرض الزراعة والبيئة الطبيعية في اليمن للتهديد بسبب تدهور الاقتصاد وانهيار مؤسسات الدولة، وهو ما يمكن أن يُعزى للحكومات المتنافسة، وعدم وجود سلطة مركزية. تعاني الوزارات والمكاتب الحكومية المكلفة بإدارة الأراضي والموارد المائية من نقص الموظفين أو من عدم التشغيل. وقد مرت سنوات على البنية التحتية الرئيسية، مثل أنظمة الري والسدود والطرق، دون إجراء الصيانة الضرورية للصمود في وجه الأمطار الموسمية. وتم كذلك إهمال شبكات الصرف الصحي، ما يساهم في انتشار الأمراض وتلوث الموارد المائية، ولا سيما أثناء الفيضانات. كما أدى الافتقار إلى التنظيم الفعال أو الإشراف الحكومي إلى تلوث المياه والتربة في مناطق مثل حضرموت، حيث يتم استخراج النفط.
لقد عملت سنوات الصراع على تدمير اقتصاد اليمن، الذي هو في الأصل من أضعف الاقتصادات في المنطقة قبل سيطرة الحوثيين على صنعاء، والتدخل الذي قادته السعودية في اليمن عام 2015. وقد تسبب انخفاض قيمة الريال اليمني في ارتفاع أسعار السلع الأساسية. وهو ما تسبب بدوره في انخفاض القوة الشرائية لمعظم اليمنيين، بمن في ذلك المزارعين وغيرهم من العاملين في مجال الزراعة. وأصبحت المعدات الزراعية والأسمدة والمبيدات الحشرية والبذور والماشية باهظة الثمن لدرجة لا تطاق. ولم يعد الديزل – وهو ضروري لزراعة المحاصيل وريها وحصادها وبيعها – في متناول اليد، ما تسبب في اجبار العديد من المزارعين إما على بيع أجزاء من حقولهم للحصول على دخل سريع أو التخلي عنها تمامًا، والبحث عن أشكال أخرى من العمل، أحيانًا كمقاتلين على الخطوط الأمامية في صراعات اليمن المتعددة. عندما يتم بيع الأراضي الزراعية، فغالبًا ما يتم تحويلها إلى عقارات سكنية، وهي العملية التي من شأنها أن تقلل من توفر المنتجات المحلية، وتؤدي إلى تصحر النظم البيئية للتربة التي عادة ما تساعد في الحماية من الفيضانات.
وجدت الأبحاث الحديثة التي أجرتها مجموعة أرك (ARK Group) أن اليمنيين يدركون تمامًا هذه التحديات. وفي أحد الأمثلة الصارخة، أفاد نصف الذين تم استطلاع آراؤهم في المناطق الريفية في محافظة لحج الجنوبية بأن التصحر كان إما مشكلة كبيرة أو واحدًا من أكبر التهديدات التي تواجه المجتمع؛ ورأى العديد منهم أن الدولة لا تمتلك القدرة ولا تبذل أي جهد لمعالجة التصحر. غالبًا ما تتبع فترات الجفاف فيضانات عارمة، ما يؤدي إلى تدمير حدود الملكية بين الحقول الزراعية، وتفضي إلى نزاعات بين مُلّاك الأراضي.
يقول اليمنيون الذين تم استطلاع آرائهم في عدد من المناطق الجنوبية في اليمن إن الصراعات على الأرض والمياه تتحول بشكل متزايد إلى أعمال عنف. ويشهد اليمن – وهو من أكثر البلدان ندرة في المياه في العالم- تصاعدًا في النزاعات، حيث أدت التغيرات المناخية وسوء إدارة الموارد إلى استنفاد مستويات المياه الجوفية والتوزيع غير العادل للمياه. وقد ازدادت صعوبة حل هذه النزاعات بسبب غياب الأمن، وعدم الاحتفاظ بالسجلات بشكل مناسب، ونظام المحاكم المثقل بالأعباء. قال مهندس زراعي من عدن في إحدى المقابلات، “هناك صراعات متكررة على الأراضي… ومن بين الأسباب عدم وجود دولة قادرة على تحقيق العدالة وتقديم الدعم للضحايا، وعدم وجود سلطات محلية للتدخل في النزاعات. ويكمن الحل في توفير الاستقرار والأمن والدولة لتمكين السلطات الزراعية المحلية.”
وتتسبب هذه التحديات في تقويض العلاقات المتوترة أصلاً بين اليمنيين ومسؤوليهم المحليين. وقد أفضى الحكم غير الفعال إلى الافتقار للعمل المنظم والدعم والخدمات الأساسية. يشعر الكثير من اليمنيين أنهم مضطرون لتدبير أمورهم بأنفسهم لدرء مجموعة من التهديدات البيئية والأمنية. وهذا يعني أحيانًا اللجوء لحمل السلاح للدفاع عن أراضيهم من محاولات الاستيلاء عليها من قبل الميليشيات أو الأفراد. كما تنشأ نزاعات على الملكية بين القبائل؛ وإذا لم يتم حل هذه المشاكل على وجه السرعة، فإن النزاعات البسيطة قد تؤدي إلى دورة من العنف الانتقامي.
من الممكن للمحاولات التي تبذلها الجهات المانحة والمنظمات الدولية لمعالجة القضايا المناخية والبيئية أن تؤدي إلى خطر تفاقم التوترات المحلية واستنفاد الموارد الموجودة إذا لم يتم تنفيذها بطريقة مستدامة تراعي الصراع. على سبيل المثال، أدى التوزيع والاستخدام غير المنظم للمضخات التي تعمل بالطاقة الشمسية – والتي تهدف إلى الحد من اعتماد المزارعين اليمنيين على الديزل- إلى الإفراط الشديد في استخراج المياه الجوفية في بعض المحافظات اليمنية، وتفاقم انعدام المساواة بين المزارع الكبيرة والصغيرة. من الممكن للجهود المبذولة لتوفير الدعم المستهدف لمجتمعات محددة أن تؤدي إلى تصورات حول محاباة الجهات المانحة؛ ويلاحظ هذا بشكل خاص في التدخلات الرامية لدعم النازحين داخليًا، حيث غالبًا ما يعبر السكان المحليون عن إحباطهم لأن لديهم القدر نفسه من الاحتياجات كما للنازحين، ولكنهم لا يتلقون الدعم نفسه.
يتفق الكثير من خبراء المناخ والزراعة في اليمن على أنه من الممكن السيطرة على الكوارث البيئية في البلاد لولا الصراعات المستمرة وعجز الدولة. في الواقع، يمكن أن تتحول التهديدات التي تشكلها الفيضانات الموسمية في اليمن إلى حل جزئي لتضاؤل إمدادات المياه إذا تم الاستثمار في السيطرة على مياه الفيضانات وتحويلها. ومن الممكن التغلب على الصعوبات التي يواجهها المزارعون من خلال الدعم الذي تقدمه الدولة، بما في ذلك تقديم الإعانات للإمدادات الزراعية، والتدريب على ممارسات الزراعة المستدامة. وعلاوة على ذلك، فإن وجود نظام قضائي وجهاز أمني يعملان بفاعلية من شأنه أن يساعد في حل نزاعات الملكية والحد من الصراعات. ولكن التقدم على هذه الجبهات يتطلب التزامًا مستدامًا من كل من القيادة اليمنية والمجتمع الدولي على حدٍ سواء. وإلى أن يتحقق ذلك، من المرجح أن تتفاقم نقاط الضعف البيئية في اليمن.