تتزايد عمليات جماعة الحوثيين ضد المصالح الإسرائيلية في المنطقة، بعد تبنيها عدة هجمات على الأراضي الفلسطينية المحتلة بالصواريخ والطيران المسيّر، بالتزامن مع بدء عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قبل أن تمتد هذه الهجمات إلى احتجاز السفينة التجارية "غالاكسي ليدر"، التي تعود لرجل أعمال إسرائيلي هو أبراهام رامي أونغار، بالقرب من جزيرة كمران، ما يعدّه مراقبون تهديداً للملاحة الدولية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب.
وكانت القوات المسلحة التابعة للحوثيين، قد أعلنت الأحد الماضي، أن قواتها البحرية نفذت عملية عسكرية في البحر الأحمر، كان من نتائجها الاستيلاء على سفينة إسرائيلية، واقتيادها إلى الساحل اليمني.
وفي بيان تلاه المتحدّث العسكري باسم الحوثيين يحيى سريع، جدّدت القوات الحوثية تحذيرها لجميع السفن "التابعة للعدو الإسرائيلي، أو التي تتعامل معه، بأنها ستصبح "هدفاً مشروعاً" لقواتها المسلحة، وأهابت "بكل الدول التي يعمل رعاياها في البحر الأحمر بالابتعاد عن أي عمل أو نشاط مع السفن الإسرائيلية أو السفن المملوكة لإسرائيليين".
ولفت البيان إلى "الاستمرار في تنفيذ العمليات العسكرية ضد العدو الإسرائيلي حتى يتوقف العدوان على قطاع غزة والجرائم بحق إخواننا الفلسطينيين"، وأضاف أن "من يهدد أمن واستقرار المنطقة والممرات الدولية هو الكيان الصهيوني".
وتابع: "على المجتمع الدولي إذا كان حريصاً على أمن واستقرار المنطقة وعدم توسيع الصراع، أن يوقف العدوان الإسرائيلي على غزة"، مشيراً إلى أن "عمليات القوات المسلحة اليمنية لا تهدد إلا سفن كيان العدو الإسرائيلي والمملوكة لإسرائيليين".
وأكد عضو ما يُسمى "المجلس السياسي الأعلى" الذي تديره الجماعة، محمد علي الحوثي، أنه لا حديث عن السفينة الإسرائيلية المحتجزة لدى جماعة الحوثي قبل وقف الحرب في غزة.
وقال الحوثي في منشور على منصة "إكس" فجر أمس الثلاثاء: "إذا أوقفت وكفّت أميركا وإسرائيل عن قتل الفلسطينيين في غزة وأدخلت الماء والدواء والغذاء، فعندها يمكن لها الحديث عن السفينة الإسرائيلية". وأضاف الحوثي أن "ما قامت به البحرية (اليمنية) يتفق مع مبدأ التعامل بالمثل".
وقال الحوثي في منشور آخر: "إن قواتنا البحرية اليمنية قوة دفاعية ضد بوارج العدوان، ولا تهدد إلا سفن الكيان الإسرائيلي والمملوكة لإسرائيليين... بفضل الله تعالى خمسة أيام كانت كافيةً لقواتنا البحرية اليمنية للظفر بأول سفينة إسرائيلية".
وكانت رئاسة الوزراء الإسرائيلية قد وصفت العملية بأنها "عمل إرهابي إيراني"، مدينة بشدة "الهجوم الإيراني على سفينة دولية". وأشارت إلى أن اختطاف السفينة سيخلق تداعيات دولية تتعلق بأمن ممرات الملاحة العالمية.
*الدول المتضررة من هجمات الحوثيين لن تصمت*
وفي السياق، يقول المحلل العسكري العقيد عبد العليم أبو طالب، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الملاحة الدولية في البحر الأحمر، وبوابته باب المندب، لها أهمية كبرى على الاقتصاد العالمي، و"لذا كان لزاماً الحفاظ على أمن هذا البحر بشكل عام وبوابته بشكل خاص، حيث يمثل ما يساوي 10 بالمائة من حركة التجارة العالمية، كما يمثل أيضاً 10 بالمائة من واردات العالم من النفط".
ويعتبر أبو طالب أن تهديدات الحوثيين "تمثل تهديداً للاقتصاد العالمي، وستؤثر سلباً بأمن اليمن بشكل خاص والبحر الأحمر والقرن الأفريقي بشكل عام"، فيما لا يعتقد أن الدول العظمى المتضررة من هذه التهديدات ستصمت، "وبالتالي ستتخذ كل الوسائل لحماية مصالحها"، ما يعني، بحسب أبو طالب، "زيادة التوترات وتفاقم الأزمات التي سيكون لها تأثيرها المباشر في الحركة الملاحية وأمن اليمن".
*تهديد أمن البحر الأحمر*
من جهته، يقول الكاتب الصحافي خليل العمري، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الهجمات الحوثية ستكون لها "انعكاسات خطيرة على أمن البحر الأحمر، فالقرصنة الصومالية أوقفت التنمية في جنوب البحر الأحمر لثلاثين عاماً".
وفي وقت قال الحوثيون إنهم يستهدفون السفن الإسرائيلية فقط، يلفت العمري إلى أنهم أعطوا بذلك "طمأنات للمجتمع الدولي، أن عملياتهم لن تستهدف دولاً أخرى، وبهذا حدّ من المخاوف الدولية في واحد من أهم الممرات العالمية الذي ينقل نفط الخليج والرابط بين آسيا وأفريقيا وأوروبا".
ويضيف العمري أن البحر الأحمر "يُعتبر بالنسبة إلى إسرائيل المنفذ البحري الجنوبي لها والرابط الأساسي بين التجارة الراغبة في الوصول إلى ما بين البحر المتوسط والمحيط الهندي وبحر العرب، ولهذا فإن التهديدات الحوثية تشكل تهديداً حقيقياً عليها". ويرجّح أن "إسرائيل ستلجأ لاستخدام سفن شحن أجنبية للحد من هجمات الحوثيين، وستزداد تكلفة التأمين البحري".
وبالنسبة إلى الردّ العسكري الإسرائيلي، يرى العمري أنه إذا شعرت إسرائيل بالتهديد الحقيقي "فقد يكون هناك استهداف للحوثيين بالغارات الجوية، أو عبر تشكيل تحالف أميركي بريطاني إسرائيلي في البحر الأحمر للحد من الهجمات الحوثية"، الأمر الذي "قد يعسكر البحر الأحمر الذي يشهد نشاطاً عسكرياً مكثفاً".
ويضيف: "لكن يبدو أن القوى الدولية حالياً تحاول تجنب المواجهة والتصعيد مع جماعة الحوثيين، وتحمّل إيران المسؤولية عن العواقب الأمنية المتصاعدة في البحر الأحمر".
*هجمات الحوثيين انعكاس للسياسة الإيرانية*
من جهته، يصف المحلل السياسي عبد الستار الشميري، في حديث لـ"العربي الجديد"، هجمات الحوثيين بأنها "رادار لاتجاهات السياسة الإيرانية". ويرى أن "إيران لا تريد الدخول في الحرب مباشرة لأنها تحسب حساباتها".
ويشير إلى خشيته من أن تتجه الأمم المتحدة وأميركا وإسرائيل أو غيرها "لمعاقبة اليمنيين، لا معاقبة الحوثيين، وذلك بتقليل الموارد من القمح أو غيره، أو محاصرة اليمن"، لافتاً إلى أنّ "من المبكر القول إن هناك ردود فعل عملية على جماعة الحوثيين إلا في بعض أروقة الولايات المتحدة بتصنيفها جماعة إرهابية".
أهمية استراتيجية لمضيق باب المندب
ويكتسب مضيق باب المندب أهمية استراتيجية كواحد من أهم طرق الملاحة الدولية، حيث يصل خليج عدن وبحر العرب بالبحر الأحمر. وتبلغ المسافة بين ضفتَي المضيق 30 كيلومتراً، فيما عرض قناة عبور السفن هو 16 كيلومتراً وعمقها 100-200 متر، ما يسمح للسفن وناقلات النفط بعبور الممر بسهولة في الاتجاهين.
ويمرّ عبر مضيق باب المندب يومياً 3.3 ملايين برميل نفط، تمثل 4 بالمائة من الطلب العالمي على النفط، كذلك تمرّ عبره 21 ألف سفينة سنوياً، أي ما يعادل 10 بالمائة من الشحنات والبضائع البحرية العالمية، بما في ذلك معظم أنشطة التبادل التجاري بين آسيا وأوروبا، وهو ما جعله يحتل المرتبة الثالثة بعد مضيقَي ملقا في جنوب شرق آسيا، وهرمز في الخليج.
هذه الأهمية الاستراتيجية لباب المندب دفعت إلى انتشار سفن حربية لتأمين طرق الملاحة الدولية في البحر الأحمر، التي تمرّ عبر المضيق.