في ثلاث مراتٍ على الأقل منذ هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول، أطلقت حركة الحوثيين الزيدية الشيعية في اليمن وابلاً من صواريخ كروز وطائرات بدون طيار مسلحة مقدمة من إيران باتجاه إسرائيل، التي تبعد أكثر من ألف ميل عن اليمن.
وفي جميع المراتِ تقريباً، تم اعتراض الأسلحة دون الوصول إلى هدفها المقصود، على الرغم من أنه في كل مرة، يتم اعتراضها من قِبل شركاء إقليميين وعالميين مختلفين. ومن المرجح أن تكون صواريخ كروز عبارة عن نسخة مختلفة من صاروخ "قدس-3" الإيراني، الذي يبلغ مداه حوالي ألفي كيلومتر. حيث قام الحوثيون بعرض نسخة قدس-3 الخاصة بهم في عرض عسكري في سبتمبر/أيلول 2022 في صنعاء، العاصمة اليمنية، التي استولوا عليها في عام 2014.
ومن بين الوابل الأول الذي تم إطلاقه في 19 أكتوبر/تشرين الأول بخمسة صواريخ كروز و30 طائرة مُسلحة بدون طيار، اعترضت المُدمرة الأمريكية يو إس إس كارني أربعة من الصواريخ والعديد من الطائرات بدون طيار المُنتشرة في شمال البحر الأحمر.
وبحسب ما ورد أيضاً فقد تم اعتراض أحد صواريخ كروز من قبل بطارية صواريخ باتريوت التي زودتها بها الولايات المتحدة في المملكة العربية السعودية -قائدة التحالف العربي التي تقاتل منذ مارس 2015- في محاولة لدفع الحوثيين إلى معقلهم التاريخي في شمال اليمن.
وفي 27 أكتوبر/تشرين الأول، قام الحوثيون بإطلاق طائرتين مُسلحتين بدون طيار أُسقطتا أو تحطمتا في مصر أو بالقرب منها، و إحداهما أصابت مبنى في مدينة طابا على البحر الأحمر وأصابت ستة أشخاص.
وفي 31 أكتوبر/تشرين الأول، دمرت إسرائيل وابلاً من الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز الحوثية، حيث أسقطت طائرة أمريكية الصنع من طراز F-35 صاروخ كروز، وأسقط نظام أسلحة السهم، الذي طورته الولايات المتحدة وإسرائيل بشكلٍ مشترك، صاروخاً باليستياً حوثياً.
ويبدو أن الهجوم استهدف مدينة إيلات الساحلية بجنوب إسرائيل.
وأعربت عمليات الإطلاق عن نية الحوثيين لدعم معركة حركة حماس ضد الهجوم البري الذي شنّهُ الجيش الإسرائيلي على غزة، وزادت المخاوف الأمريكية والدولية بشأن احتمال توسع الحرب بين إسرائيل وحماس إلى حرب إقليمية.
وفي تأكيده لمسؤولية الحوثيين عن الهجوم الذي وقع في 31 أكتوبر/تشرين الأول، قال المتحدث العسكري باسم الحوثيين (يحيى سريع) في بيانٍ تلفزيوني، إنه سيكون هناك المزيد من هذه الهجمات في المستقبل وذلك "لمساعدة الفلسطينيين على تحقيق النصر".
وحمّل إسرائيل مسؤولية عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، قائلا إن "دائرة الصراع" في المنطقة تتسع بسبب "جرائمها المستمرة".
و أشارت الهجمات إلى أن الحركة، التي لا تتلقى الصواريخ والطائرات بدون طيار فحسب، بل تتلقى تمويلاً إيرانياً واسع النطاق، حيث كانت تعمل بالتنسيق مع حلفاء طهران الآخرين في العراق وسوريا ولبنان لعرقلة الهجوم الإسرائيلي على غزة وتمكين الفلسطينيين وغيرهم في جميع أنحاء المنطقة. ومع ذلك، وعلى النقيض من حلفاء إيران في العراق وسوريا، بدا أن هجمات الحوثيين تستهدف إسرائيل وحسب، وليس القوات و القواعد الأمريكية في المنطقة. ويشير اختيار الهدف إلى أن قادة الحوثيين يُريدون إرسال رسالتهم الخاصة بشأن أزمة الشرق الأوسط داخل إيران.
ومنذ 17 أكتوبر/تشرين الأول، شنّت الجماعات المدعومة من إيران في العراق وسوريا 28 هجوماً صاروخياً وطائرات بدون طيار مُسلحة على مواقع أمريكية في شرق سوريا وفي العراق، بما في ذلك في أربيل التي يُسيطر عليها الأكراد العراقيون. ومع ذلك -من الناحية العملية- لم يكُن لهجماتِ الحوثيين، كما هو الحال مع الهجمات التي شنها وكلاء إيرانيون آخرون على القوات الأمريكية، أي تأثير فعلياً على مسار الحرب بين إسرائيل وحماس، كما لم يبدو أنها تؤثر على السياسات الإسرائيلية أو الأمريكية أو العالمية بشأن الأزمة.
و من خلال استهداف إسرائيل، يبدو أن مُحاولات الحوثيين لتوجيه ضرباتٍ جوية تهدف ليس فقط إلى التأثير على الجمهور اليمني المحلي، ولكن أيضاً على الشوارع العربية والإسلامية لتعزيز صورة الحوثيين في المنطقة الأوسع، والتي تضررت بسبب حربها مع التحالف الذي تقوده السعودية. ويبدو أن الغارات الجوية ترجمت شعار الحركة: "الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، والنصر للإسلام". ومن خلال إظهار استعدادهم لتجاوز مجرد الخطاب ضد إسرائيل، يأمل الحوثيون في مقارنة حركتهم بشكل إيجابي ليس فقط مع منافسيهم في حكومة الجمهورية اليمنية ولكن أيضاً مع داعمي الحكومة في الرياض وأبو ظبي والقاهرة - فضلاً عن تعزيز صورة الحركة بين السُكان المنافسين لها. و ربما يسعى الحوثيون بشكل خاص إلى إحراج وتقويض منافسهم الإقليمي الرئيسي -المملكة العربية السعودية- التي كانت، في وقت الهجوم الذي شنته حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول، تشارك في مناقشات مع مسؤولين أمريكيين حول الشروط التي بموجبها يمكن للمملكة تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
ومع ذلك، فإن هجمات الحوثيين على إسرائيل تُشكل مخاطر على أهداف الحوثيين الشاملة في اليمن. كما تهدد عمليات الإطلاق بعرقلة التقدم الذي أحرزته مجموعة واسعة من الوسطاء نحو إنهاء الصراع الأهلي المستمر منذ ما يقرب من عقد من الزمن في اليمن، وهي تسوية يأمل الحوثيون أن تضعهم في مناصب رئيسية في الحكومة اليمنية الوطنية بعد الحرب.
ومن المرجح أن تُثير هجمات الحوثيين قلق القادة السعوديين، الذين كانوا يجرون محادثات سلام مع مفاوضي الحوثيين، و ذلك من خلال إعطاء الانطباع بأن الحوثيين على استعداد لزعزعة استقرار المنطقة -ربما بناءً على طلب طهران- بدلاً من التفاوض بحسن نية على حل سياسي.
على الرغم من أن عمليات إطلاق الصواريخ كانت تستهدف إسرائيل -وليس المملكة العربية السعودية أو الإمارات العربية المتحدة- بدا أن وابل الصواريخ قد أوقف تصعيد القتال في اليمن منذ الاتفاق على وقف إطلاق النار في أبريل/نيسان 2022، والذي ظل ثابتاً ضمنياً منذ انتهاء صلاحيته رسمياً في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2022. و بعد أيام قليلة من اعتراض بطارية باتريوت السعودية، أُفيد أن الحوثيين قتلوا أربعة جنود سعوديين، مما أثار مخاوف من احتمال تجدد القتال في ساحة المعركة. ويعتبر ان إطلاق الحوثيين للصواريخ والطائرات بدون طيار، باستخدام الأسلحة التي قدمتها إيران، يتعارض أيضاً مع روح اتفاق التقارب المبرم في مارس/ آذار 2023 بين المملكة العربية السعودية وإيران، والذي ورد أنه تضمن التزامات إيرانية بالحد من شحنات الأسلحة إلى الحوثيين.
ولعل ما قد يشكل خطراً أكبر على قُدرة الحوثيين على تحقيق نتيجة مقبولة في التسوية اليمنية هو احتمال تحول القادة الأمريكيين نحو خط أكثر تشدُداً ضد الحركة. حيث قامت السفينة الأمريكية يو إس إس كارني باعتراض الصواريخ والطائرات بدون طيار التي تم إطلاقها في 19 أكتوبر/تشرين الأول، لكن من المُحتمل أن تكون قد ألحقت أضراراً بالسفينة وقتلت أو أصابت أفراداً عسكريين أمريكيين. و ربما كانت هذه النتيجة قد عجّلت بالانتقام الأمريكي المباشر ضد مُنشآت الحوثيين للصواريخ والطائرات بدون طيار. وحتى من دون ضرب أي أشخاص أو أصول أمريكية، فإن نية الحوثيين في ضرب إسرائيل قد تدفع المسؤولين الأمريكيين إلى التشكيك في قرارهم الذي يتضمن خفض الدعم العسكري الأمريكي المقدم للقوات السعودية والإماراتية التي تقاتل الحوثيين في اليمن. ففي عام 2018، بدأ المسؤولون الأمريكيون في تقليص المساعدات من أجل الضغط على الرياض وأبو ظبي للتوجه نحو مفاوضات إنهاء الحرب مع الحوثيين والابتعاد عن الالتزام بالنصر في ساحة المعركة. و على الرغم من أن المسؤولين الأمريكيين لم يُعلنوا عن أي تغيير في السياسة تجاه الحوثيين منذ بِدء الهجمات، إلا أن الكثيرين في الكونجرس الأمريكي ومجتمع خُبراء الأمن الأمريكيين يدعون الآن إلى اتخاذ موقف أمريكي أكثر صرامة تجاه الحوثيين.
كما ويؤكد البعض أن إطلاق الصواريخ والطائرات بدون طيار على إسرائيل يربط الجماعة بقوة باستراتيجية "وحدة الجبهات" الإيرانية للضغط على إسرائيل على محاور متعددة وبالتالي تبرير إعادة الحوثيين إلى القائمة الأمريكية للمنظمات الإرهابية الأجنبية (FTO).
ويحمل هذا التصنيف في طياته عقوبات اقتصادية أمريكية كبيرة على المجموعات المدرجة. و في أوائل عام 2021، قام المسؤولون الأمريكيون بإزالة الحوثيين من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، بحجة أن التصنيف -الذي تم إجراؤه في الأيام الأخيرة لإدارة ترامب- أدى إلى تعقيد الجهود الأمريكية لتزويد الشعب اليمني بالمُساعدات الإنسانية وأعاق الدبلوماسية الأمريكية لتحقيق حل للمشكلة بما يخص حرب اليمن. ومع ذلك، فمن غير المرجح أن يخاطر قادة الولايات المتحدة بتوسيع حالة عدم الاستقرار في المنطقة من خلال إعادة الحوثيين إلى قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، وبالتالي الإشارة إلى التخلي الفعلي عن جهود السلام الأمريكية في اليمن.