أطلقت حركة الحوثي اليمنية صواريخ وطائرات مُسيّرة على إسرائيل في 31 أكتوبر / تشرين الأول 2023، مما أثار مَخاوف من تصعيد خطير للصراع في الشرق الأوسط.
ومع تعهد الميليشيا -التي تُسيطر على جُزءٍ من الدولة الواقعة في شبه الجزيرة العربية- بمزيدٍ من الهجمات، ردّت إسرائيل بإرسال زوارق صاروخية إلى البحر الأحمر، وبذلك تنضم إلى السُفن الحربية الأمريكية المُنتشرة بالفعل في المنطقة.
كما تحولت المُحادثة في الولايات المتحدة إلى (مهاد درار) -خبيرة السياسة اليمنية في جامعة ولاية كولورادو- و ذلك لشرح السبب وراء تورط الحوثيين في الحرب، وكيف يُمكن أن يُخاطروا ليس فقط بتوسيع الصراع ولكن أيضاً بإعادة إشعال الأعمال العِدائية في اليمن نفسه.
•من هم الحوثيون؟
جماعة الحوثي -المعروفة أيضاً باسم أنصار الله- هي ميليشيا مُسلّحة تابعة للطائفة الزيدية الشيعية في اليمن. و قد أطاحوا بالحكومة الانتقالية اليمنية بقيادة (عبد ربه منصور هادي) في انقلاب عام 2014، ومنذ ذلك الحين انخرطوا في حربٍ أهلية دامية مع الإدارة المخلوعة، التي تدعمها المملكة العربية السعودية. وقامت الهدنة بوقف القتال في البلاد، حيث يسيطر الحوثيون حالياً على مُعظم شمال اليمن.
•لماذا قام الحوثيون بمُهاجمة إسرائيل؟
في التحليل الأول، يمكن للمرء أن يُجادل بأن الحوثيين جزءٌ من تحالفٍ إقليمي أوسع مع إيران. وعلى هذا النحو، يمكن النظر إلى الهجوم على إسرائيل على أنه استعراض للقُدرات العسكرية للحوثيين وإيران أمام الجمهور المحلي والإقليمي. و في الواقع، يرى بعض المحللين أن السبب وراء قيامِ طهران بتزويد الحوثيين بصواريخ بعيدة المدى هو ليكون بإمكانها أن تُشكّل تهديداً لكل من إسرائيل وأيضاً المملكة العربية السعودية، منافس طهران في المنطقة.
ومع ذلك، وعلى الرغم من أنه قد يبدو أن الحوثيين يتصرفون كوكيلٍ لإيران، إلا أن السبب الرئيسي وراء قيام الميليشيا بشنِّ الهجوم قد يكون من أجل الحصول على التأييد المحلي. وربما تحاول قيادة الحوثيين تقديم الجماعة على أنها القوة المُهيمنة في اليمن الراغبة في تحدي إسرائيل، الدولة التي لا تحظى بشعبية عامة في العالم العربي.
ويُساعد هذا النهج الحوثيين للتغلب على المنافسين المحليين وتوحيد الشعب اليمني خلف قضيةِ التحرير الفلسطيني. كما يسمح للميليشيا باتخاذِ موقفٍ فريد في المنطقة، مما يُميزها بذلك عن الحكومات العربية التي لم تكُن مستعدةً حتى الآن لاتخاذ إجراءات قوية ضد إسرائيل، مثل قطع العلاقات في حالة الدول الصديقة لإسرائيل، مثل مصر، و الإمارات العربية المتحدة والبحرين وغيرها.
وعلى وجه الخصوص، سوف يرغب الحوثيون في تقديم وجه مُختلف للعالم العربي عن المملكة العربية السعودية، التي كانت تتطلع إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل. كما ينبغي أن نضيف أن المملكة العربية السعودية هي الداعم الرئيسي للحكومة اليمنية المُعترف بها دولياً، وأحد المُعارضين الرئيسيين للحوثيين في الحرب الأهلية.
ومن المهم أيضاً أن نُلاحظ أنه يبدو أن هناك استياءً شعبياً مُتزايداً في الدول العربية بسبب الموقف الضعيف لحكوماتها تجاه إسرائيل. ولكن نظراً للطبيعة الاستبدادية للعديد من هذه الأنظمة، فإن الرأي العام ليس له أي تأثير يُذكر على السياسة. وهذا بطبيعة الحال لا يُغير حقيقةَ أن الحوثيين أنفسهم يُديرون نظاماً ثيوقراطياً لا وجود لقيم ديمقراطية له.
بالإضافة إلى ذلك، فإن إطلاق صاروخ أو طائرتين بدون طيار يعد أمراً رخيصاً نسبياً بالنسبة للحوثيين، خاصة بالنظر إلى الفوائد التي قد يستفيدون منها من هذا العمل.
•كيف يمكن أن يؤثر الهجوم الحوثي على الصراع بين إسرائيل وحماس؟
أشار بعض المحللين إلى أن هجوم الحوثيين يزيد من فرص التغلب على أنظمة الدفاع الإسرائيلية، فهو يُشكّل جُزءاً من جُهدٍ مُنسّق يشمل حزب الله في لبنان وحماس في قطاع غزة. لكن هذه الفكرة تبقى قاصرة لسببين:
أولاً، من المُرجح أن يكون لدى الحوثيين صواريخ باليستية أقل من تلك التي يمتلكها حزب الله وحماس، ومن الناحية الواقعية، فإن فُرصتهم ضئيلة في إلحاق الكثير من الضرر بإسرائيل. علاوة على ذلك، سوف يضعون في اعتبارهم الاحتفاظ بهذه الصواريخ لاستخدامهم الخاص في الحرب الأهلية المستمرة في اليمن - والتي تشكل تهديدًا مباشراً للمجموعة أكثر مما تشكله إسرائيل. كما يُعد التهديد الذي يشكّله الحوثيون تجاه إسرائيل أصغر بكثير من تهديد حزب الله وحماس، اللذين بإمكان مقاتلوهما أن يعبروا الحدود البرية لدخول إسرائيل.
ثانياً، عدم دقة صواريخ الحوثيين يعني أن أي هجوم بإمكانه أن يُشكّل أيضاً خطراً على دول مجاورة، مثل السعودية ومصر والأردن، إذ من الممكن أن تسقط هذه المقذوفات في أراضيها وتسبب أضراراً. وفي الواقع، فإن الطائرات بدون طيار التي أطلقها الحوثيون قد تسببت بالفعل في حدوث انفجارات بعد تحطمها بالخطأ في مصر.
•هل يمكن أن يؤثر هُجوم الحوثيين على تفكير الولايات المُتحدة بشأن الصراع؟
هناك سيناريو قد تفيد فيه هجمات الحوثيين إسرائيل، وتلعب هذه الضربة دوراً في تعزيز رواية مفادها أن إسرائيل تواجه حرباً مُتعددة الجبهات ترعاها إيران، مما قد يؤدي إلى تصعيد التوترات بين إيران وكل من إسرائيل والولايات المتحدة.
وهذا بدوره قد يُعزز حُجج المُتشددين داخل مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية الذين يدفعون الولايات المُتحدة نحو موقفٍ أكثر تصادمية ضد إيران.
وعلى الجانب الآخر، فإن أي تهديد مُحتمل من الحوثيين يمنح إيران ورقة تفاوض أكبر في السياق الأوسع للنزاعات الإقليمية مثل النزاع حول برنامج طهران النووي. وسوف تكون إيران حريصة على وضع نفسها كدولة لديها مجموعة من الوكلاء، قادرة على إحداث الفوضى في المنطقة إذا أرادت ذلك.
•هل من الممكن أن يكون هجوم الحوثيين بأمر من إيران؟
إن تصرفات الحوثيين تخدم في المقام الأول مصالحهم الخاصة وليس مصالح إيران. وعلى عكس الجماعات المدعومة من إيران في العراق وسوريا -والتي هاجمت القوات الأمريكية مؤخراً- لم يستهدف الحوثيون القوات الأمريكية في المنطقة. و لو كان الحوثيون حقاً مثل وكلاء إيران الآخرين، أعتقد أنهم كانوا سيقومون باستهداف أقرب قاعدة أمريكية مُتمركزة، وهي جيبوتي.
لكن قيادة الحوثيين سوف تدرك أن مثل هذا الهجوم لن يحظى بشعبيةٍ كبيرة بين السكان اليمنيين فحسب، بل من المُحتمل أن يُخلف تكلفة باهظة على عاتقهم.
وعلى النقيض من حزب الله وحماس، اللذان يركزان على مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، يهتم الحوثيون في المقام الأول بالقضايا المحلية داخل اليمن. وعلى الصعيد التاريخي، تمكن أبناء الطائفة الزيدية الشيعية من إدارة شؤون اليمن دون أي دعمٍ خارجي، حيث يعود تاريخهم إلى مئات السنين قبل الإطاحة بهم في عام 1962. و مع ذلك، فإن الحوثيين لم يخجلوا من الظهور بمظهر المُتحالفين مع إيران في الآونة الأخيرة، ويرجع ذلك أساساً إلى أنهم يعتمدون بشكلٍ كبير على الإمدادات الإيرانية من الأسلحة.
•ماذا يُمكن أن يؤثر هذا بالنسبة للحرب الأهلية في اليمن؟
وصلت المفاوضات بين الحوثيين والسعوديين والتحالف الذي تقوده السعودية لدعم قوات الحكومة اليمنية إلى نقطة حساسة. ومؤخراً، أفادت التقارير أن الحوثيين قتلوا أربعة جنود سعوديين بعد أيامٍ فقط من إسقاط السعودية صاروخاً أطلقه الحوثيون و كان متجهاً إلى إسرائيل.
وفي الهجوم الحوثي الأخير، مرّت الصواريخ عبر الأراضي السعودية دون انقطاع قبل أن تُسقطها إسرائيل. ومن غير الواضح ما إذا كان هذا مؤشراً على أن السعوديين استجابوا لتحذير الحوثيين، وهو ما قد يكون السبب وراء عدم إسقاطهم أحدث الصواريخ. و لمعرفة المزيد عن الوضع الحقيقي للمفاوضات السعودية الحوثية، يجب أن يكون هناك دليلٌ أكبر، مثل زيادة الاشتباكات بين السعوديين والحوثيين، أو حتى هجوم مباشر من قِبل الحوثيين على المملكة العربية السعودية.
و لكن إذا تصاعدت الهجمات الصاروخية الحوثية في الأيام المقبلة، فقد يضع ذلك المملكة العربية السعودية في موقفٍ صعب. فعند تلك النقطة سيواجه السعوديون خياراً صعباً، وقد يسمحون لصواريخ الحوثيين بمواصلة المرور عبر أراضيهم أو قد يحاولون إسقاطها. لكن هذا من شأنه أن يعرض الجهود الدبلوماسية مع كل من الحوثيين وإيران للخطر، ونعتقد أن هذا يبدو غير مُحتمل على الإطلاق.