اليمن: ضرورة التأهب لتغيرات المناخ في المهرة
يمن فيوتشر - مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية: الثلاثاء, 24 أكتوبر, 2023 - 03:19 مساءً
اليمن: ضرورة التأهب لتغيرات المناخ في المهرة

•الملخص التنفيذي
تبرز التغيرات المناخية وآثارها بوضوح في اليمن، وتشمل مؤشراتها الجفاف والفيضانات الشديدة والآفات وتفشي الأمراض والتغيرات في أنماط هطول الأمطار وزيادة تواتر العواصف وشدتها وارتفاع مستويات مياه سطح البحر. تشكل هذه التغيرات وآثارها تهديدًا للنظم الطبيعية في البلاد والمجتمعات التي تعتمد على الموارد الطبيعية. لم تُستثنى محافظة المهرة -التي يعتمد سكانها بشكل كبير على صيد الأسماك والرعي والزراعة- من الظواهر الجوية الشديدة الناتجة عن تغير المناخ إذ ازداد تعرضها للأعاصير والفيضانات في السنوات الأخيرة.
فعلى سبيل المثال، شهدت المحافظة فيضانات مفاجئة عام 2008، والأعاصير المدارية تشابالا وميج عام 2015، وساجار ومكونو ولبان عام 2018، ما أدى إلى خسائر في الأرواح وموجات نزوح وتدمير سبل العيش، إضافة إلى أضرار واسعة النطاق طال الكثير من المنازل والممتلكات والأراضي الزراعية ومعدات الصيد والبنية التحتية. ومن المتوقع أن تشهد المحافظة عواصف أكثر تواترًا وشدة، الأمر الذي سيؤثر بشكل مباشر على سبل عيش سكان المهرة.
خلقت الخصائص الجغرافية والمناخ شبه الجاف السائد في المهرة مجموعة واسعة من الموائل والأنظمة الغنية التي تدعم تجمعًا كبيرًا لأنواع من النباتات والحيوانات النادرة والمهددة بالانقراض. وتشمل نظم التنوع البيولوجي المهمة والمعرضة لتأثيرات تغير المناخ والتي تتطلب اعتبارات خاصة في المحافظة، محمية حوف وبحيرات عبدالله غريب وشاطئ قشن.
تسلط هذه الورقة الضوء على بعض المخاوف الرئيسية المتعلقة بتغيرات المناخ في المهرة، وتهدف إلى لفت انتباه أصحاب المصلحة وصناع القرار إلى بعض نقاط الضعف التي يجب النظر فيها عند وضع السياسات والاستراتيجيات والبرامج استعدادًا للظواهر الجوية المتطرفة المستقبلية في المهرة. أكد جميع الخبراء الذين تمت مقابلتهم في كتابة هذا التقرير على الحاجة إلى استعداد أفضل لإدارة آثار تغيرات المناخ. ولكن هناك العديد من القيود المتعلقة بتوافر البيانات فهناك فجوات كبيرة يتطلب سدها بحثًا ميدانيًّا في الظروف الاجتماعية والاقتصادية والمحلية في المهرة. تشمل الخطوات التي يجب أخذها والتوصيات ما يلي:

-إجراء تقييم شامل لأثر تغير المناخ والتكيف معه.
-تطوير واعتماد وتنفيذ خطة استجابة للكوارث.
-إنشاء صندوق طوارئ للكوارث الطبيعية على مستوى المحافظة.
-وضع وتنفيذ برنامج توعية بشأن المخاطر والكوارث التي يسببها تغير المناخ.
-وضع خطة متكاملة لإدارة استخدام الأراضي.
-إجراء تقييمات الأثر البيئي كجزء لا يتجزأ من أنشطة التنمية.
-تفعيل وتطبيق مشروع خطة الإدارة الحالية لمحمية حوف.


•مقدمة
تجمع وثائق السياسات والتقارير الفنية التي أُعدت في سياق التغييرات المناخية في اليمن على أن تغير المناخ ظاهرة واضحة تهدد اليمن ومجتمعاته المحلية وأنظمة التنوع البيولوجي والموارد الطبيعية. حذر مسؤولو البيئة اليمنيون منذ أكثر من عقد من أن البلاد المصنفة من بين أقل البلدان نماءً في العالم “معرّضة بشدة للآثار المتعلقة بتغير المناخ مثل الجفاف والفيضانات الشديدة والآفات والتفشي المفاجئ للأمراض وتغيرات أنماط هطول الأمطار وزيادة وتيرة وشدة العواصف وارتفاع مستوى سطح البحر”.
تمثل الزراعة البعلية الموسمية الدعامة الأساسية للحياة في المناطق الريفية في المهرة، وينطبق الحال ذاته على العديد من المناطق الريفية في البلاد، الأمر الذي يجعل اليمنيين بشكل عام “معتمدين بشكل كبير على الظروف المناخية المواتية لكسب عيشهم”. يعمل السكان المحليون في المناطق الداخلية في تربية الحيوانات وزراعة المحاصيل لتلبية الاحتياجات الغذائية لأسرهم وتأمين مصدر دخل، سواء بشكل مباشر من خلال الزراعة أو بشكل غير مباشر من خلال تجارة المنتجات الزراعية، في حين يعتمد سكان الساحل بشكل كبير على الموارد البحرية لكسب عيشهم، وخاصة الأنشطة المتعلقة بصيد الأسماك.
تتمتع المهرة أيضًا بمجموعة من النظم البيئية الفريدة، من الشعاب المرجانية قبالة شواطئها إلى الشواطئ الرملية والأراضي الرطبة في المنطقة الساحلية وكذلك الغابات الجبلية. وبالتالي فإن الاستعداد لتجنب تفاقم التهديدات والآثار الناجمة عن تغير المناخ في المستقبل -سواء على البيئة المتنوعة بيولوجيًّا للمحافظة أو على سكانها المحليين وبنيتها التحتية واقتصادها- ضروري في عمليات صنع القرار على المستويات الوطنية والإقليمية والمحلية.
يسعى موجز السياسة هذا إلى تسليط الضوء على بعض المجالات الرئيسية ورفع مستوى الوعي بين أصحاب المصلحة -خاصة القائمين على التخطيط وصنع السياسات- حول القضايا المتعلقة بالمناخ والتي يجب أخذها في الاعتبار عند صياغة السياسات ووضع الاستراتيجيات والبرامج لمحافظة المهرة، كما يهدف إلى تقديم إرشادات من شأنها تعزيز الصمود وبناء القدرات التكيفية للمجتمعات المحلية الضعيفة في مواجهة التغيرات المناخية وكذلك تخفيف تأثير هذه التغييرات على الموارد الطبيعية في الوقت الحالي والمستقبل.
البيانات المتوفرة حول المهرة محدودة حاليًّا، وتتطلب هذه الفجوات في البيانات تقييمًا شاملًا وعملًا ميدانيًّا أوسع من نطاق موجز السياسة هذا، ولذلك جرى استخدام نهج التحليل النوعي لتحديد وتحليل نقاط الضعف وآثار تغير المناخ، وتعتبر النتائج المعروضة وصفية بطبيعتها.


•خلفية عامة
تقع محافظة المهرة في الجزء الشرقي من اليمن ولها حدود مع السعودية من الشمال وسلطنة عمان من الشرق، ويعيش الكثير من سكانها في مدينة الغيضة، عاصمة المحافظة، وفي مجتمعات على طول سواحل بحر العرب. تنقسم المحافظة إداريًّا إلى تسع مديريات مقسّمة إلى عزل ثم قرى. تتميز جغرافية المهرة بالسهول الساحلية في الجنوب، وقمم جبال عاتية ووديان تمر فيها الروافد الموسمية التي تغذي التجمعات الصغيرة والأراضي الزراعية، وصحراء الربع الخالي التي تقع في الشمال.


•عدد السكان
بلغ عدد سكان المهرة عام 2004 -وفق أحدث تعداد سكاني- 88,594 نسمة أي ما يمثل 0.5% فقط من عدد السكان الكلي في اليمن، وكان من المتوقع أن ينمو عدد السكان في المحافظة بنسبة 4.51% سنويًّا، ولكن تقديرات عدد السكان الحالية تتفاوت بين 150 و650 ألف نسمة، ويعود هذا إلى التحولات السكانية الداخلية المرتبطة بالحرب. يعمل سكان المهرة عادة في تربية النحل والصيد الحرفي وزراعة الكفاف، وهي سبل عيش هشة وتُعد شديدة التأثر بالمخاطر والكوارث الناجمة عن المناخ مثل الفيضانات والأعاصير والعواصف والجفاف طويل الأمد.
يعد قطاع الثروة السمكية المصدر الرئيسي للعيش في المجتمعات الساحلية بالمهرة، فغالبًا ما يُصدر الجمبري من المهرة إلى الخارج، أما أسماك القرش التي يتم صيدها وتمليحها وتجفيفها محليًّا فتباع عادة بشكل أساسي للبدو في المنطقة إذ يستهلكونه كمصدر رئيسي للبروتين. كما أن السردين -وهو مكوّن رئيسي في غذاء الماشية والجمال- هو أيضًا منتج بحري مهم للاقتصاد المحلي.
يُعد الرعي وتربية الحيوانات -ولا سيما تربية الماعز والأغنام والماشية والإبل- ذات أهمية اقتصادية للبدو وغيرهم ممن يعيشون في المناطق الداخلية ذات الكثافة السكانية المنخفضة. تحد ندرة المياه ومحدودية الأراضي الصالحة للزراعة والظروف الصحراوية السائدة في معظم أنحاء المحافظة من الأهمية الاقتصادية للأنشطة الزراعية الأخرى، على الرغم من أن بعض محاصيل الحبوب والفاكهة والخضروات تُزرع محليًّا.


•المناخ
تتمتع المهرة بمناخ شبه جاف يتسم بقلة هطول الأمطار والرياح الموسمية مع ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة النسبية، خاصة على طول الساحل. تسفر الأمطار الموسمية التي تهطل على المناطق الجبلية بالمحافظة خلال فترة الرياح الموسمية الجنوبية الغربية (يونيو/حزيران – سبتمبر/أيلول) إلى هطول 400 إلى 700 ملم من مياه الأمطار سنويًّا. أحد الظواهر المهمة في هذا الموسم هي الضباب الذي يغطي الجبال، وهي ظاهرة تشكل مصدرًا إضافيًّا للمياه عند حصادها. وفقًا لدراسة أجرتها الهيئة العامة للبحوث والإرشاد الزراعي عام 2002، يمكن حصاد 1-6 لترات مياه من الضباب، وذلك لكل متر مربع من المادة المستخدمة في جمع القطرات.
ويتراوح متوسط​​ درجات الحرارة الكبرى الشهرية في الغيضة من 28 درجة مئوية في يناير/كانون الثاني إلى 36 درجة مئوية في مايو/أيار ويونيو/حزيران. ويتراوح متوسط ​​درجات الحرارة الصغرى من 16 درجة مئوية في يناير/كانون الأول الى 27 درجة مئوية في مايو/أيار ويونيو/حزيران (انظر الشكل رقم 1). تتراوح معدلات هطول الأمطار الشهرية من 1 ملم في يناير/كانون الأول وأكتوبر/تشرين الأول إلى 11 ملم في أغسطس/آب (انظر الشكل رقم 2).

 

•التنوع البيولوجي
كمثل باقي مناطق اليمن، يُعد التنوع البيولوجي في المهرة غنيًّا وفريدًا ​​من نوعه سواء في مناطقها الساحلية أو في المنطقة الجبلية، وينتج هذا الثراء عن الخصائص المناخية والجغرافية المختلفة التي تتحد معًا لتنتج مجموعة واسعة من الموائل والأنظمة التي تأوي مجموعات كبيرة من أنواع النباتات والحيوانات المحلية النادرة والمهددة بالانقراض.
تتضمن بعض أنظمة التنوع البيولوجي الأكثر أهمية والأكثر ضعفًا في المحافظة والتي تتطلب اتخاذ إجراءات للحد من آثار تغير المناخ عليها ما يلي:

-محمية حوف: يغطي هذا النظام الحرجي الواقع على الحدود اليمنية العمانية شرق المهرة، وتحديدًا على بعد 120 كيلومترًا تقريبًا شمال شرق الغيضة، منطقة تبلغ مساحتها 300 كيلومتر مربع، وتصل أطرافها الجنوبية إلى شواطئ بحر العرب، وتتدرج في ارتفاعها إلى 1200 متر فوق مستوى سطح البحر. تحوي الغابة على أكثر من 220 نوعًا من النباتات، 56 منها مستوطنة أو شبه مستوطنة. وتشمل النباتات 45 نوعًا من الأشجار و49 نوعًا من الشجيرات و80 نوعًا من الأعشاب و27 نوعًا مميزًا من النباتات المتسلقة والحشائش. يُزرع فيها 12 نوعًا من النباتات، تتضمن أشجار اللبان والبابايا والمانجو والموز. تشمل الحيوانات المحمية في نظام غابات حوف الذئب والوشق والوعل والضبع والنمس والغرير، و65 نوعًا من الطيور، من بينها ستة أنواع نادرة، ويشمل بعضها الحبارى والحجل وشمعي المنقار العربي والنسر. تُعد المنطقة أيضًا موطنًا لمجموعة متنوعة من الزواحف.

-بحيرات عبدالله غريب: تتكون هذه الأراضي الرطبة من بحيرات ساحلية معتدلة الملوحة إلى مالحة تبلغ مساحتها الإجمالية حوالي 100 هكتار، وتقع على بعد حوالي 20 كيلومترًا شمال شرق الغيضة. وتُعد هذه البحيرات مهمة تحديدًا لطيور النورس وخطاف البحر والطيور المائية الأخرى.

-شاطئ قشن: هذا الموقع عبارة عن امتداد لشاطئ رملي المنخفض بانسياب تدعمه الكثبان الرملية ويغطي ما يقرب من 100 هكتار، ويُعد شديد الحساسية لتآكل السواحل وغمرها. وهو مهم بشكل خاص بالنسبة للنورس الأسخم وقد حُدد الشاطئ كموقع تعشيش محتمل للسلاحف البحرية.

-الشعاب المرجانية: مثل العديد من المناطق الساحلية الأخرى في اليمن، تلعب الشعاب المرجانية قبالة المهرة دورًا مهمًّا في البيئة البحرية، حيث توفر مواطن فريدة لمجموعة متنوعة من الأنواع البحرية. تقوم الشعاب المرجانية أيضًا بتبديد طاقة الأمواج قبل وصولها إلى الشاطئ، وبالتالي تشكل خط الحماية الأول ضد تآكل السواحل وأضرار العواصف.


•أوجه الضعف وتأثيرات تغير المناخ:
حُددت أوجه الضعف الرئيسية وتأثيرات تغير المناخ في اليمن بوضوح في وثائق السياسة السابقة، والتي تشمل البلاغ الوطني الأول لعام 2001، وبرنامج العمل الوطني للتكيف مع المناخ لعام 2009، والبلاغ الوطني الثالث لعام 2018. ورغم أنه من المتوقع أن يؤدي تغير المناخ إلى زيادة درجات الحرارة في اليمن ككل من 1.4 إلى 2.8 درجة مئوية بحلول عام 2050، إلا أن تأثيره على أنماط هطول الأمطار “غير مؤكد” بشكل أكبر. من المتوقع أن تزداد الظواهر والأحداث المناخية المتطرفة مثل الأعاصير والفيضانات والجفاف التي شوهدت في السنوات الأخيرة من حيث التواتر والشدة، وأن يكون لها عواقب على موارد المياه والمجتمعات الريفية والساحلية والبيئة والبنية التحتية وكذلك الزراعة والأمن الغذائي والصحة العامة والسياحة.
تسببت الفيضانات المفاجئة عام 2008 بأضرار جسيمة على خطوط الكهرباء والطرق وإمدادات المياه في المهرة، ومقتل ما لا يقل عن خمسة أشخاص وجرف حوالي 3,000 منزل وأكثر من 600 مزرعة في المحافظة، كما فقد حوالي 450 صيادًا معداتهم من بينها 100 قارب صيد تقريبًا. كانت الفيضانات والعواصف الاستوائية والأعاصير والمنخفضات الجوية في السنوات الأخيرة متكررة ومدمرة، فعلى سبيل المثال ضرب إعصارا تشابالا وميج اليمن خلال نفس الأسبوع في نوفمبر/تشرين الثاني 2015. تسبب تشابالا في فيضانات كبيرة وتدمير المنازل في أربع محافظات، حضرموت وشبوة وسقطرى وكذلك المهرة، حيث تضررت المرافق الصحية في سيحوت وقشن والغيضة والمسيلة وحصوين.
في موسم العواصف عام 2018، ضربت ثلاثة أعاصير المهرة، ساجار ومكونو في مايو/أيار، ولبان في أكتوبر/تشرين الأول. أغرق إعصار مكونو القوارب في الغيضة والعبري، وألحق أضرارًا بالمنازل والمباني العامة، مثل مكتب ميناء صرفيت والمدارس في حصوين وخولة، وحطم أبراج الاتصالات والمعدات الزراعية. أما إعصار لبان فقتل ما لا يقل عن ثلاثة أشخاص، وشرد الآلاف في المسيلة وسيحوت وقشن وحصوين والغيضة، وتسببت الأمطار الغزيرة على مدى ثلاثة أيام -بعد إن تراجعت حدة الإعصار إلى منخفض استوائي- في فيضانات كبيرة دمرت الطرق والجسور وقطعت الكهرباء والاتصالات.
لهذه العواصف الشديدة تأثيرات غير مباشرة. على سبيل المثال، تخلق المياه الراكدة الناتجة عن الفيضانات بيئة مناسبة لتفشي ونمو الأمراض المنقولة بالمياه والنواقل مثل الكوليرا والملاريا، كما يمكن أن تخلق الأعاصير ظروف تكاثر مواتية للجراد، وهو ما كان واضحًا بعد إعصاري مكونو ولبان عام 2018، فقد جلبا الأمطار إلى مناطق الداخل ووصلت إلى صحراء الربع الخالي، حيث استمر التكاثر دون رادع لعدة أشهر. خلال النصف الأول من عام 2019، انتشرت الأسراب بعد ذلك في السعودية وأجزاء من اليمن وجنوب غرب إيران. حذرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة من تهديد المحاصيل في معظم أنحاء اليمن، بما في ذلك المهرة، ونصحت بأخذ إجراءات لمكافحة أسراب الجراد. أفادت بعض التقارير عن تلف المحاصيل في أجزاء من البلاد، وعلى الرغم من ذلك لم يصدر قط تحذيرًا “بالخطر” وهو أعلى مستوى للتهديد.
من المحتمل أن يؤدي ارتفاع درجة حرارة المناخ إلى تغيير توقيت وشدة مثل هذه العواصف الفردية، وسيؤثر على توافر المياه وجودتها، كما قد تتعرض مصادر المياه الجوفية لخطر تسرب مياه البحر بسبب ارتفاع مستويات سطح البحر. سيكون لهذه العواقب تأثيرًا مباشرًا على سبل عيش سكان المهرة سواء بين المجتمعات الضعيفة اقتصاديًّا في المناطق الزراعية الريفية أو قرى الصيد الساحلية.


•الزراعة والأمن الغذائي
أشار تقرير الهيئة العامة لحماية البيئة لعام 2009 إلى أن التغيرات في درجات الحرارة وهطول الأمطار بالإضافة إلى فترات الجفاف المتكررة “يمكن أن تؤدي إلى عواقب وخيمة على الزراعة والأمن الغذائي” في البلاد ككل. يمكن للفيضانات التي تسببها العواصف الممطرة القصيرة ولكن الشديدة أن تؤدي إلى تآكل التربة الخصبة، وإذا أعقبها الجفاف فقد يحدث مزيد من اضمحلال التربة مع بدء التصحر. أما بالنسبة للمجتمعات المحلية فستفقد مصادر دخلها أيضًا.
قال عبد الحكيم راجح، أخصائي التنوع البيولوجي في الهيئة العامة لحماية البيئة في عدن، إن الفيضانات في المهرة الناتجة عن عواصف السنوات الأخيرة تسببت في انهيارات أرضية وتعرية كبيرة للتربة واقتلعت الغطاء النباتي في المناطق المرتفعة. وأضاف إن الناس في المناطق الزراعية المنخفضة شاهدوا مواشيهم وأراضيهم تُجرف.


•المجتمعات الساحلية
يمكن أن يؤدي ارتفاع منسوب مياه البحر وزيادة الفيضانات إلى غمر المناطق المنخفضة في المهرة وتآكلها وذلك حول البلدات الساحلية، أي الغيضة وحصوين وقشن وسيحوت. 
وستتضمن الأصول العامة والخاصة والبنية التحتية المعرضة للخطر كل من مرافق مصائد الأسماك، مثل مناطق الإنزال ومواقع التخزين وأكشاك السوق الساحلية.
قال عبد الناصر كلشات، رئيس الهيئة العامة للمصائد السمكية بالمهرة، إن جزرًا صغيرة وحواجز برية ظهرت قبالة الشاطئ بعد أعاصير 2018، خاصة في منطقة محيفيف، ويبدو أن ذلك يعود للكميات الهائلة من التربة والأراضي الزراعية التي جُرفت إلى البحر. وقال كلشات: “بين عشية وضحاها، لم تُترك شجرة واحدة في بعض الوديان”، مشيرًا إلى أن الأمطار الغزيرة والفيضانات غيّرت بشكل كبير تضاريس الوديان ومجاريها، وهي مجاري الأنهار الجافة التي تُملأ موسميًّا.
في حين أن الأضرار الناجمة عن الأعاصير التي لحقت بمعدات الصيد والقوارب ومنازل السكان والمجتمعات الساحلية كانت جسيمة في السنوات الأخيرة، إلا أنه وبحسب ما قاله كلشات فقد كان لتلك العواصف آثارًا إيجابية على قطاع إنتاج الأسماك. فعلى سبيل المثال ظهر الجمبري بأعداد كبيرة في أكثر من منطقة بعد الفيضانات، وأصبح من الممكن صيد أنواع من الأسماك لم تكن موجودة من قبل في المنطقة، ووصفها كلشات بأنها جيدة للصيادين. ولكنه أضاف إن أعداد الحبار قد تضاءلت أو اختفت في عدة مواقع.


•التأثيرات على الموائل والتنوع البيولوجي
مع ارتفاع درجات الحرارة، وتغير أنماط هطول الأمطار واحتمال حدوث جفاف أكثر حدة يؤدي إلى استنزاف التربة، ستتغير النظم البيئية في الجبال، مما يؤثر على غابة حوف ذات التنوع البيولوجي الخاص بالمهرة على طول الساحل اليمني. قد تتعرض الموائل الساحلية في المهرة، مثل بحيرات عبدالله غريب وشاطئ قشن والشعاب المرجانية قبالة ساحل المحافظة، لخطر التدهور بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر وكثافة نشاط الأمواج وزيادة تواتر وشدة العواصف الساحلية والأعاصير المدارية.
قال راجح، خبير التنوع البيولوجي، إن الحياة النباتية في محمية حوف تدهورت بسبب فترات الجفاف الطويلة. وأشار إلى ظهور أنواع جديدة من النباتات الغريبة تنافس الأنواع المستوطنة. وأضاف أنه نظرًا لمستوى ارتفاع المحمية، فقد كانت أقل تأثرًا بالعواصف الشديدة في السنوات الأخيرة مقارنة بالمناطق الواقعة في اتجاه مجرى النهر، في حين اقتصرت الانهيارات الأرضية وتآكل التربة واقتلاع الأشجار بشكل أكبر على أطراف المحمية.
قال سالم رعفيت وهو مدير محمية حوف ومدير فرع الهيئة العامة لحماية البيئة في المهرة بالإنابة، إن تضاريس حوف الجبلية تسبب في تدفق مياه الأمطار الغزيرة بسرعة نحو المناطق المنخفضة وتنتهي إلى البحر. وأضاف أنه يجب بناء السدود، بحيث يمكن جمع المياه المفقودة بشكل روتيني وتخزينها لاستخدامها خلال فترات الجفاف.
تُعد الأراضي الرطبة في المنطقة الساحلية التي تمثل مواقع مهمة للطيور، مثل بحيرات عبدالله غريب والأنظمة الساحلية الأخرى، معرضة أيضًا لخطر المزيد من التدهور. وقال راجح إن العواصف العاتية في السنوات الأخيرة كثفت الأمواج مما أدى إلى تآكل الشواطئ الرملية بشدة، وإن مياه البحر وصلت إلى الطرق قبل أن تنحسر في بعض المناطق.


•التحديات والتوصيات:
يمكن أن تكون عواقب تغير المناخ جسيمة وخطرة بشكل خاص على النظم البيئية والسكان المعرضين للخطر، وقد تحرم الناس من منازلهم وسبل عيشهم ومواردهم الطبيعية. أشار جميع الخبراء الذين تمت مقابلتهم من أجل كتابة هذا التقرير إلى ضرورة الاستعداد بشكل أفضل للتخفيف من مواطن الضعف وإدارة آثار تغير المناخ. اتخذت السلطات المحلية بعض الخطوات لتحقيق هذه الغايات. ولكن تطلب القيود المتعلقة بتوافر البيانات بحثًا ميدانيًّا للحصول على فهم كامل لآثار تغير المناخ ومواطن الضعف في الظروف الاجتماعية والاقتصادية والمحلية بالمهرة.


•توصيات للسلطات المحلية لحماية البيئة:
-إجراء تقييم شامل لأثر تغير المناخ والتكيف معه كخطوة أولى، ومعرفة مواطن الضعف في المهرة. يجب أن يتطرق للعديد من القضايا بما في ذلك:

-تحديد النظم والموائل البيئية الحالية وكذلك الأنواع المستوطنة والمهددة بالانقراض من النباتات والحيوانات وأعدادها.
-مسوحات لجمع بيانات دقيقة عن مواقع وحجم الأراضي المنخفضة والأراضي الرطبة المعرضة للفيضانات بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر.
-مسوحات لجمع المعلومات الاجتماعية والاقتصادية لتحديد حجم وكيفية المجتمعات المحلية وسبل عيشهم.
-قوائم جرد للممتلكات العامة والخاصة الواقعة على مسافة معينة من الخط الساحلي والتي يمكن أن تتأثر بارتفاع مستوى سطح البحر.
-تقييم أنواع ودرجة الحساسيات ومواطن الضعف وآثار تغير المناخ على الموارد البيئية والفئات الضعيفة.
-وضع مجموعة من تدابير التكيف المحتملة الموصى بها للتعامل مع تأثيرات تغير المناخ وتدابير بناء قدرة الموارد الطبيعية الضعيفة على الصمود وكذلك المجتمعات والمجموعات المعرضة للخطر.
-فرض إجراء تقييمات الأثر البيئي كجزء لا يتجزأ من أنشطة التنمية.
-تطوير وتنفيذ برنامج توعية بشأن المخاطر والكوارث التي يسببها تغير المناخ. يجب أن يصمم البرنامج لاستهداف أصحاب المصلحة المعنيين على جميع المستويات، بما في ذلك المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والنقابات وصناع القرار والسياسات والأفراد ذوي الخبرة الفنية والطلاب. على الأنشطة المقترحة أن تهدف إلى إنشاء أساس ملموس للأفراد لبناء مرونتهم وقدرتهم على التكيف مع الآثار القصيرة والطويلة المدى لتغير المناخ، ويمكن أن تشمل الأنشطة: الاجتماعات الفنية، وورش العمل، والتدريب العملي، وإنتاج المواد التوعوية وتوزيعها مثل المنشورات والكتيبات والملصقات.
-تحديث واعتماد وتنفيذ مشروع خطة الإدارة الحالية لمحمية حوف، والتي نُوقشت على المستويين المحلي والوطني عام 2004 ولكن لم تتم الموافقة عليها أو تنفيذها. سوف يساعد ذلك في:
الحفاظ على النباتات والأراضي الحرجية من أجل الحفاظ على الغطاء الأخضر، وبالتالي التخفيف من تآكل التربة الذي يمكن أن يوسّع التصحر.
حماية أنواع النباتات والحيوانات المستوطنة والمهددة بالانقراض وموائلها.
مساعدة السكان المحليين على فهم وكيفية استخدام الموارد البيئية للمنطقة المحمية بطريقة مستدامة، وكيفية العمل يدًا بيد لحماية الموارد المحدودة للمنطقة.


•توصيات للسلطات المحلية والمجتمع المدني:
-اعتماد وتنفيذ خطة استجابة للكوارث تحدد الأدوار والمسؤوليات الواضحة للهيئات والمؤسسات المختلفة في كل مرحلة من مراحل الكارثة (قبل وقوع الكارثة وخلالها وبعدها) لضمان استجابة سلسة ومنسقة. قد يشمل أصحاب المصلحة المعنيين السلطات العامة مثل الدفاع المدني والصحة والإسكان والأشغال العامة والبيئة والمياه والصرف الصحي والكهرباء. تحتاج منظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص أيضًا إلى فهم الخطة والمشاركة فيها.
-إنشاء صندوق طوارئ للكوارث الطبيعية على مستوى المحافظات من شأنه:
تضمين آلية لمساعدة وتعويض الأشخاص الأكثر تضررًا، وتوفير الدعم لاستعادة الأصول المتضررة، بما في ذلك الهياكل والمعدات والأراضي الزراعية، بهدف تسريع الانتعاش الاقتصادي.
-ضمان توفير الإمدادات والمعدات الضرورية قبل وأثناء وبعد الكوارث الطبيعية.
-توفير الموارد اللازمة لتنفيذ خطة الاستجابة للكوارث.
-وضع خطة متكاملة لإدارة استخدام الأراضي من أجل:
-التحكم في التوسع في أنشطة التنمية والأصول المادية والبنية التحتية والمستوطنات المجتمعية.
-تجنب المناطق شديدة الخطورة لتقليل التعرض للأخطار أو الأحداث السلبية المتعلقة بتغير المناخ.
-حماية النظم البيئية الحساسة والهشة من التدهور نتيجة الأنشطة البشرية غير المنضبطة.


التعليقات