فداء شحادة عضو في مجلس مدينة اللد، وهي بلدة يبلغ عدد سكانها حوالي 84 ألف نسمة، ربما 30% منهم من المواطنين العرب في إسرائيل.
 السيدة (شحادة) المواطنة الفلسطينية في إسرائيل، تخشى -بعبارة ملطفة- مما قد يحدث الآن، بعد المذبحة التي ارتكبتها حماس ضد المدنيين الإسرائيليين. وأضافت: "الجميع في محنة كبيرة، هناك خوفٌ كبير من أنه سيكون هناك انتقامٍ قوي."
 وقالت إنه في اللد، التي تقع جنوب تل أبيب مباشرة، يعيش اليهود والعرب في كثير من الأحيان في نفس المبنى، لكن العرب الآن يترددون في الذهاب إلى الملاجئ من الغارات الجوية.  كما أضافت: "يقولون إنهم يرون الكراهية في عيون اليهود، لكنني أعتقد أن ما يرونه حقاً هو الضيق والخوف".
ويشكّل المواطنون العرب في إسرائيل، الذين يريد الكثير منهم التعريف بهم كفلسطينيين، حوالي 18% من السكان. 
و قد ظلوا لسنوات عالقين بين ولائهم للدولة ورغبتهم في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وإنشاء دولة فلسطين المستقلة وحياة أفضل لأنفسهم.
 والآن، وبعد هذا القتل غير المسبوق للإسرائيليين داخل إسرائيل، وبينما يدعو السكان اليهود الإسرائيليون الغاضبون إلى الانتقام، تصاعدت التوترات الطبيعية إلى مستويات لا تطاق.
وقد أدان كِبار الساسة العرب في إسرائيل -مثل (منصور عباس وأيمن عودة) وكلاهما عُضوان في الكنيست- تصرفات حماس، الفصيل الفلسطيني الذي نفذ الهجوم على إسرائيل، ودعوا إلى الهدوء.
 لكن الناس ممزقون في مشاعرهم، كما تقول السيدة (شحادة)، ولذلك يميلون إلى إخفائها. وأضافت أن الشباب العرب شعروا في البداية بالفخر بمقاومة حماس التي تسيطر على قطاع غزة. " ففي اللحظة الأولى عندما قام سُكان غزة بغزو إسرائيل، كان الناس سُعداء، وشعروا أن هناك من يفعل شيئاً حيالَ الوضع".
 كما قالت أن موجة الفخر هذه سرعان ما تلاشت، "حيث كان ذلك قبل أن نرى كل صور الذبح والاختطاف والاغتصاب، و هذا ليس شكلاً مشروعاً من أشكال النضال."
و في مايو /آيار 2021، خلال أزمة إسرائيلية فلسطينية أخرى، تعرضت مدينة اللد لأعمال شغب وكراهية متبادلة بين المجتمعين اليهودي والمسلم.  وتقول السيدة (شحادة، 40 عاماً) إنها تعرضت لهجوم في منزلها من قبل يهود كانوا يرشقونها بالحجارة.
وحتى في الأوقات الطبيعية، كانت تُعاني اللد من مشاكل عميقة تتعلق بالفقر والجرائم، حيث تعمل المُنظمات الإجرامية العربية دون تدخلٍ يُذكر من الشرطة الإسرائيلية، كما يقول الناس هنا. وحتى الحكومة المحلية معزولةٌ إلى حدٍ كبير، مع وجود قسمين منفصلين للعرب واليهود داخل الإدارات.
 وتقع مسؤولية الشرطة على عاتق (إيتامار بن جفير)، وزير الأمن القومي وزعيم حزب القوة اليهودية المُتطرف، وعضو الحكومة الائتلافية اليمينية التي يتزعمها رئيس الوزراء (بنيامين نتنياهو). كما قام السيد بن جفير، الذي دعم عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، بتصعيد التوترات مع السكان العرب في إسرائيل.
و لقد تحدث عن "اقتحام" مجمع المسجد الأقصى، أحد أقدس المواقع في العالم الإسلامي، وفي أواخر يوليو/تموز، قاد أكثر من 1000 مستوطن من القوميين المتطرفين إلى الموقع، مما أثار غضب المسلمين ودفع حماس إلى القول إنها تقاتل للدفاع عن المسجد الأقصى.
كما تحدث (السيد بن جفير) أيضاً هذا الأسبوع عن تجدُد العنف العربي الإسرائيلي في مدن مثل اللد وأمر الشرطة بالاستعداد لأعمال الشغب، التي تعتبرها السيدة (شحادة) وآخرون استفزازاً خطيراً.
أما (محمد مجدلي) -أحد أبرز الصحفيين العرب في إسرائيل- فهو أكثر تفاؤلاً. حيث يرى أن صدمة الأسبوع الماضي تجلب نوعاً من الهدوء المذهل. وقال إنه على عكس عام 2021، في المدن المختلطة، “كون المُجتمعات العربية واليهودية أكثر وعياً بألم بعضها البعض ويمكنهما فهم مدى التدمير الذي يمكن أن تترتب عليه العواقب إذا لم يأخذا في الاعتبار مشاعر بعضهما البعض”.
 وقال السيد مجدلي أيضاً: "هناك مسؤولية أكبر بين المجتمعين، حتى بين القادة الذين دعوا منذ البداية إلى تهدئة الوضع".
 وقالت السيدة شحادة أن عمتها تزور غزة الآن ولا تستطيع المغادرة. و إن المباني الواقعة على جانبي المكان الذي تقيم فيه قد تعرضت للقصف بالفعل، ثم توقفت وتنهدت وقالت: "لا أعتقد أنهم سينجون من هذه الحرب".
 وفي الرملة، وهي بلدة مختلطة مماثلة قريبة، كان السوق المترامي الأطراف الذي يفيض عادة بالخضروات والفواكه المحلية خالياً تقريباً، مع الحذر غير المعتاد في الهواء، كما قال (موسى 23 عاماً) -وهو عربيٌ إسرائيلي يرتدي قميصاً باللغة العبرية يعلن عن اسم كشك العصير الخاص به- قال: "أنا لا أنام، و أخشى من رد فعل القرويين على الطريق على ما فعلته حماس".
 وقال إن السوق عبارة عن مزيجٍ من العرب واليهود، “لكن الشعور مختلف الآن”.
وقال موسى: "أشعر بالعداء من الناس هنا، فهم لم يعودوا يبتسمون كما اعتادوا، وعلى الرغم من ذلك أحاول أن أبقي رأسي عالياً".
 وقال إنه يحتقر السياسيين الذين يثيرون الكراهية داخل كل مجتمع. وقال بمرارة: "إنهم يزدهرون على الانقسام، و هذا ما تقوم عليه السياسة."
 وأضاف إن ما فعلته حماس غيّر الحياة هنا بشكل عميق. : "لا أعتقد أن هناك طريقًا للعودة، ومن المستحيل ان يعود الناس كما كانوا."
وفي القدس الشرقية أيضاً، بالقرب من البلدة القديمة الفارغة على نحو غير معهود، هناك توتر واضح ووجود أكثر وضوحاً للشرطة الإسرائيلية.
 و في الأوقات العادية، يميلون إلى التوقف والتحقق من الشباب العرب بين الحين والآخر.  لكن (أدهم، 19 عاماً) يقول إنه تم إيقافه ثلاث مرات الآن بينما كان يسير لمسافة قصيرة من متجر والده بالقرب من باب العامود إلى منزلهم في المدينة القديمة.  وفي كل مرة، يُطلب منه إبراز بطاقة هويته، ورفع قميصه وإسقاط بنطاله.  وطلب والده حجب اسم العائلة خوفاً على سلامتهم في البيئة الحالية.
 وقال (أدهم) إنه معجب بجرأة حماس، : “نعم، إنهم يمثلون الفلسطينيين، إنهم الوحيدون الذين يحمون الفلسطينيين”.
 ومثل العديد من الشباب هنا، فهو لا يكن احتراماً كبيراً (لمحمود عباس) رئيس السلطة الفلسطينية. وقال أدهم: “إنه في نظرنا خائن، لتعاونه مع إسرائيل، خاصة فيما يتعلق بالأمن في الضفة الغربية المحتلة."
وخلافاً للعرب في الرملة أو اللد، الذين يشكلون جزءاً من المُجتمع الإسرائيلي، فإن معظم الفلسطينيين في القدس الشرقية ليسوا مواطنين إسرائيليين ويشعرون بأنهم الأقل تمزقاً بين الولاءات.
 وفي عام 1967، عندما ضمت إسرائيل القدس الشرقية، جعلت الفلسطينيين هناك مقيمين قانونيين، ولكن ليسوا مواطنين.
و يُدير (محمود منى) واحدة من أرقى المكتبات في القدس، والتي تلبي احتياجات الجميع. و يُعرف بأنه فلسطيني من القدس ويُفضل دولة موحدة على أساس الديمقراطية والحقوق المتساوية.  فهو يرى الأشخاص مثله كنماذج مُحتملة لنوع مختلف من الدولة المتكاملة.
 ولكن الآن، كما قال، هناك مستوى مرتفع بشكل غير عادي من “التوتر والقلق والغضب والارتباك والخوف الذي تزايد بين الفلسطينيين، وأنا أشعر بذلك بنفسي”.
 وقد تم تعزيز تواجد الشرطة في القدس الشرقية وما حولها، وتم إيقاف (السيد منى) نفسه مرتين لإجراء فحوصات خلال الأيام الخمسة الماضية، وهي لحظات يمكن أن تؤدي دائماً إلى حدوث احتكاك. وقال: "إن تجاوز الأربعين من العمر يساعدك على الحفاظ على هدوئك".
و هل الفلسطينيون في إسرائيل في مأزق؟  توقف ثم قال: "نحن دائمًا في المنتصف".
 يقول له الأصدقاء الذين يذهبون إلى العمل في القدس الغربية: “الجميع متوترون وغاضبون، لكن الجميع يتظاهرون أو يرتدون وجوههم”. و يقول السيد منى: "يقول الناس أشياء تافهة مثل "إنه جنون" أو "إنه صعب" أو "لا أستطيع أن أفهم ذلك"، مُضيفاً: "و كل هذا حتى لا تضطر إلى قول رأيك، ولكن عدم قول أي شيء يعد أيضاً أمراً سيئاً و غير مقبول."
لحظات كهذه توضح أيضاً، كما قال: “إنه الوقت المناسب لرؤية أشياء لا نراها عادة، مثل غياب المعارف الذين تم استدعاؤهم كجنود احتياط في الجيش."
 وقال: “يتم تذكير الفلسطينيين إلى أي مدى يتم عسكرة المجتمع الإسرائيلي. الذين كنتم تأكلون معهم بالأمس هم الآن في المقدمة، و ما الذ يقومون بفعله الآن؟"
 كما قال (السيد منى) إن هذا الأسبوع لخص الصراع برمته : “إن المستوى العالي للقومية -نحن وهم- لا يمكن أن يكون أعلى مما هو عليه الآن، المقاومة تصبح إرهاباً، والعكس صحيح، نحن وهم، والمدنيون والجيش.  كل هذه المصطلحات تتناقض فجأة، و فجأة يتحدث أحد الجانبين عن محرقةٍ جديدة، بينما يتحدث الجانب الآخر عن نكبة جديدة، أو كارثة، وهو ما يسميه الفلسطينيون تهجيرهم الجماعي وسلب ممتلكاتهم خلال الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948."
 وأضاف السيد منى: «هذه هي خطورة اللحظة، مثل تلخيص المائة عام الماضية بأكملها في أُسبوعٍ واحد».