[ تصميم: عبدالله محمد طارش ]
لم تكد مدينة عدن جنوبي اليمن تنفض عن نفسها غبار المعركة في العام 2015، اثر انقشاع الاجتياح العسكري الحوثي المدمر للمدينة الساحلية على البحر العربي، حتى برزت فكرة تشكيل اللجان المجتمعية لمساعدة السلطات المحلية في تعزيز قدراتها على استعادة التعافي بعدما دمرت الحرب الخدمات العامة وشبكات المياه والكهرباء.
كانت البداية من مديرية التواهي غربي المدينة المعلنة عاصمة مؤقتة للبلاد، قبل أن تتوسع في مديريات المدينة العشر، وفق نائب مدير إدارات اللجان المجتمعية عبدالرحمن الشعوي.
ويقول "الشعوي" كانت عدن مدمرة ما دفع الوجهاء ومنظمات المجتمع المدني في مدينة التواهي لمساعدة السلطات المحلية والأمنية لكي تعود الأمور إلى نصابها، حيث اقترحوا أنشاء لجان مجتمعية على غرار لجان الدفاع الشعبي التي كانت موجودة في المحافظات الجنوبية قبل عام 1990".
ويؤكد أن اللجان المجتمعية باشرت عملها في 2017 بسبعة وعشرين حيا سكنيا في مديرية التواهي.
اضاف"كانت اللجنة تتكون من سبعة أشخاص في كل حي يمثلون الطفل والمرأة والشباب إلى جانب رئيس ونائب رئيس للجنة".
واشار الى ان تلك اللجان كانت همزة وصل بين المواطن والسلطات من خلال حل القضايا والنزاعات بين المواطنين، والتي تجاوزت ألف ومائة قضية في المديرية منذ أنشائها حتى 2020.
• اعادة الماضي
وفي عام 1973، شكل الحزب الاشتراكي لجان الدفاع الشعبي في العاصمة عدن وبقية المحافظات الأخرى، حيث كانت اللجنة تتكون من رئيس وخمسة أعضاء يتم انتخابهم عبر منظمات شبابية تابعة للحزب آنذاك في الأحياء والوحدات السكنية، حسب مقال نشره موقع سما نيوز في سبتمبر2021، للكاتبة أفراح الحميقاني.
وتؤكد "الحميقاني" أن مهام لجان الدفاع الشعبي تنوعت بين اجتماعية وثقافية وأمنية بشكل طوعي، اذ كان ينتشر أعضاءها في جميع الأحياء والوحدات السكنية كحلقة وصل بين هذه المربعات السكنية ومؤسسات الدولة.
تقول "الحميقاني" أن اللجان عملت على حل المشاكل الأسرية قبل أن تصل إلى المحاكم، من منطلق الصلاحيات الممنوحة لها.
وتبددت هذه اللجان عند قيام الوحدة اليمنية (عام 1990)، عندما تم استبدالهم بشيوخ الحارات الذين استغلوا مناصبهم للاستيلاء على الأراضي والعقارات بحجة فتح مكاتب لاستقبال المواطنين، قبل تحويلها إلى مساكن خاصة، وفق الحميقاني.
وعبر نائب إدارات اللجان المجتمعية عبدالرحمن الشعوي عن اعتزازه بتجربة لجان الدفاع الشعبي، التي استنسخها ورفاقه في تجربة جديدة أسموها للجان المجتمعية.
"تغيير الاسم للجان المجتمعية جاء ليواكب العصر والمرحلة والزمن الذي نحن فيه، الدفاع الشعبي كان في السبعينات، بينما رأينا أن التسمية المناسبة للوقت الراهن باللجان المجتمعية"، يقول الشعوري.
• شكاوي وحلول
وتروي الناشطة الحقوقية جميلة عبداللطيف، كيف ساعدت عشرات الاسر المتنازعة في قضايا مختلفة من خلال فريق اللجان المجتمعية التي أنشأت قبل سنوات في مديريات واحياء مدينة عدن، بمبادرة طوعية لخفض النزاعات وتعزيز دور السلطات الأمنية المنهارة أصلا بفعل الحرب التي مزقت البلاد طيلة تسع سنوات.
وتقول الناشطة الحقوقية جميلة عبداللطيف وهي رئيسه المرأة والطفل في اللجان المجتمعية بمديرية الشيخ عثمان إنها منذ ترشيحها في المنصب قبل عامين بدأت بحل مشاكل أزمة الغاز ونفذت نزول ميداني رفقة فريق اللجان للمنازل لتسجيل جميع أفراد الأسر حتى يتم توزيع حصة الغاز للمديرية بالتساوي بينهم والتخفيف من المشاكل الناجمة عن هذه الازمة.
وتضيف "أن أغلب المشاكل التي تحدث داخل المديرية يتم حلها عبر اللجان دون الحاجة للوصول إلى الشرطة".
واكدت في نفس الوقت بان العمل طوعي دون اي مقابل، ويتم اخضاع أي عضو يطلب مبالغ مالية من المواطنين مقابل حل القضايا للمحاسبة.
واوضحت جميلة عبداللطيف بأن من أبرز القضايا التي نجحت بمعالجتها، قضايا العنف القائم على أساس النوع الاجتماعي.
وتذكر من تلك القضايا شكوى تقدمت بها زوجه بزوجها للجان تفيد فيها بعدم انفاقه عليها وعلى أطفالها، ما دفع اللجان إلى استدعائه وإلزامه بالإنفاق الشهري.
واشارت الى انها تمكنت أيضا من تمكين طفله عمرها 14 عاما، من حريتها بعد عام ونصف على تزويجها برجل يكبر أبوها بالسن.
وتتمثل أبرز الصعوبات التي تواجهها هذه اللجان، بعدم وجود مقرات لها في جميع أحياء المدينة لتسهيل استقبال شكاوي المواطنين وحلها، فضلا عن عدم قدرت أعضاءها التنقل والعمل بسبب عدم وجود دعم مالي كميزانية تشغيلية، حسبما أشار رئيس إدارات اللجان المجتمعية علي النمري.
ولفت "النمري" الى أن إدارة اللجان المجتمعية تعمل على تعميم التجربة على جميع المحافظات الواقعة تحت نفوذ الحكومة المعترف بها، على أن تكون مدينة عدن مركزا رئيسيا لها.
• انجازات وقضايا
ووفق تقرير للإدارة العامة للجان المجتمعية فأن فرقها المكونة من 3000 عضو، تمكنت من حل 2552 قضية منذ عام2021 وحتى يونيو 2022.
ومن بين تلك القصايا 1000 قضية نزاعات حول المتنفسات بين منازل المواطنين و700 نزاع حول عقارات واراضي واقتحام عقارات خاصة، بالإضافة إلى 800 قضية شجار بين المواطنين على خدمات ماء ومجاري وخمسين قضية طلاق وصلح بين الازواج وقضيتي قتل.
•جزءا من الانتهاك
وقللت الناشطة الحقوقية تهاني الصراري من حجم تفاؤلها باللجان المجتمعية التي أصبح بعض أعضاءها جزءا من المشاكل والانتهاك معا بما في ذلك تدخلهم في القضايا الجنائية الحصرية على السلطات العدلية، فضلا عن اختيار أعضاء متهمين بقضايا جنائية وآخرين ليس لديهم حسن سيرة وسلوك حتى أصبح هناك تضارب بالتدخلات.
وفي نفس الوقت لا تنكر الناشطة الحقوقية وجود انجازات لهذه اللجان في حل القضايا وتخفيف عبء كبير على اقسام الشرطة.
ودللت على ذلك بحل فرق اللجان لمشاكل النازحين من المناطق الشمالية، فيما كان بالمقابل دور تلك اللجان في اماكن أخرى بائسا ما خلق فجوى بين المجتمع المضيف والمحلي.
وترى "الصراري" أن اللجان المجتمعية هي عبارة عن وسيط لتقريب وجهات النظر، ولكن ليس معنى ذلك ان تحل محل الدولة أو مكانها.
وعبرت عن رفضها لتحويل القضايا الجنائية إلى تحكيم ومشيخة في مجتمع مدني وليس قبلي كعدن التي ترفض القبلية وكانت مكانا سابقا للتعايش مع كل الاديان.
•لجان متخصصة أخرى
وإلى جوار اللجان المجتمعية عملت منظمات محلية ودولية عديدة على دعم مبادرة منبثقة من اللجان أسموها لجان الوساطة المجتمعية التي أنشأتها مؤسسة آفاق شبابية، بتمويل من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي العام الماضي في إطار مشروع تعزيز العدالة الشاملة في البلاد.
وتختص لجان الوساطة المجتمعية التي فتحت مكاتب لها في عدد من مديريات المدينة هذا العام بالاهتمام بقضايا المحتجزين الغير جسيمة والتخفيف من الضغط على مراكز الشرط والاحتجاز في المحافظة، كما تفيد نائبة رئيس لجنة الوساطة المجتمعية في دار سعد ذكرى عبدالقوي.
وتقول "عبدالقوي" إنها تنفذ نزولا ميدانيا لأخذ بيانات ومعلومات حول المعسرين المحتجزين بقضايا بسيطة وليست جسيمة في أقسام الشرطة، قبل فرزها وتوزيعها على أعضاء الفريق للبحث عن متبرعين لدفع المبالغ المطلوبة من المعسرين لإخراجهم من السجن.
تم إنتاج هذه المادة بدعم من مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي.