تقرير: تقليص المساعدات الأممية.. شد الحبل حول عنق ملايين اليمنيين
يمن فيوتشر - محمد الحداد الإثنين, 09 أكتوبر, 2023 - 12:07 مساءً
تقرير: تقليص المساعدات الأممية.. شد الحبل حول عنق ملايين اليمنيين

[ ارشيف ]

"نحن نواجه واقعا صعبا يتمثل في اتخاذ قرارات تفضي إلى أخذ الطعام من أفواه أناس جياع لإطعام جياع آخرين، بينما يستمر ملايين اليمنيين في الاعتماد علينا للبقاء على قيد الحياة. نحن لا نتعامل مع هذا القرار باستخفاف، وندرك تماما المعاناة التي ستنجم عن هذه التخفيضات"، يقول ممثل برنامج الغذاء العالمي في اليمن، ريتشارد راغان.
تضمن تصريح راجان، إعلان البرنامج نقصا حادا في التمويل واضطراره إلى مزيد من تخفيض المساعدات الغذائية المقدمة لملايين اليمنيين في أنحاء البلاد، ابتداء من أواخر سبتمبر المنصرم.
تقول أم ريان، تسكن في ريف مديرية العدين في محافظة إب "كنا نحصل على المساعدات بشكل دوري بكل شهر، 50 كيلو دقيق و4 لترب زيت وكيلو ملح و3_4 كيلو عدس وحوالي 5 كيلو سكر، لكن منذ سنة وثلاثة أشهر تقريبا، تم تقليص تلك المساعدات بدء بإيقاف بعض المواد مثل السكر والملح ومن ثم الزيت شيء فشيء تقلصت السلة ولم يتبق منها إلا الدقيق وفي بعض الأحيان الزيت أو العدس، ويتفاوت تسليمها من ثلاثة إلى أربعة أشهر، مشيرة إلى أن آخر مرة استلمت فيها كانت في شهر ذو الحجة أي قبل أكثر من ثلاثة أشهر من الآن. 
وتتابع بحسرة في حديثها لـ"يمن فيوتشر" وجبة الفطور هي خبز وشاي والغداء أرز و"عصيد" وفي بعض الأحيان نتناول وجبة واحدة فقط خلال اليوم، ولولا مساعدة الجيران لن نستطيع الصمود لأسبوع واحد خصوصا بعد تأخر المساعدات وعودة زوجي من السعودية وحاليا يعاني من ضغوط نفسية وعاجز عن العمل لتقدمه بالسن".
وتضيف" تعرض زوجي للنصب من قبل شريكه في محل لبيع مستلزمات الهواتف، وبعد بحث لأشهر حصل على فرصة عمل سائق لدى شركة "بن لادن" للمقاولات، ومن ثم جاءت قرارات الحكومة السعودية ضد الشركة ليتم التخلي عن آلاف العاملين في عام 2017_2018 وكان هو من ضمنهم، ليعود بخيبة أمل كبيرة إلينا."
ولفت مسؤول برنامج الغذاء العالمي في مديرية حيفان في محافظة تعز، لبيب عبد الجليل، في حديثه لـ"يمن فيوتشر" بدأ فعليا تراجع المساعدات منذ عام 2021 بالتدريج من خلال تقليص بعد المواد التي كانت تشملها السلة الواحدة لكل أسرة مثل الفاصوليا والسكر ومن ثم الملح والزيت، مشيرا إلى أن ما يساهم في تأخر تسليم المساعدات إلى جانب التخفيف، هي المسافة الطويلة كون المساعدات تأتي عبر ميناء الحديدة ومن ثم إلى صنعاء ومرورا بذمار وإب وصولا إلى تعز فتقضي في ذلك أكثر من شهر في الطريق فقط."
ويحتاج قرابة 23 مليون يمني لمساعدات غذائية، ويعاني 17 مليون من انعدام الأمن الغذائي رغم تقديم المساعدات، وأكثر من 3.5 مليون امرأة وطفل دون سن الخامسة يعانون من سوء تغذية حاد وذلك من بين أعلى المعدلات على مستوى العالم، إضافة إلى 1.3 مليون امرأة حامل ومرضع و2.2 مليون طفل دون سن الخامسة بحاجة إلى أدوية سوء التغذية الحاد، بسبب فقدان ما يزيد عن ثلثي الأسر اليمنية للأطعمة مثل البقوليات والفواكه والخضار واللحوم والألبان، وهو الأمر الذي يقرب الملايين من الموت نتيجة الجوع،  وفقا للأمم المتحدة. 
ويتجرع اليمنيون مرارات الحرب التي دخلت عامها التاسع مخلفة ورائها دمارا كبيرا في البنى التحتية، فاقم ذلك إغلاق الموانئ والمطارات واستمرار إطباق الحصار الذي تفرضه دول التحالف، برا وبحرا وجوا.

تراجع بنحو 60 بالمئة
حذر برنامج الغذاء العالمي من أن عدم الحصول على تمويل يعني تضرر ثلاثة ملايين يمني في المحافظات الشمالية لليمن و 1.4 مليون في المحافظات الجنوبية، لافتا إلى خفض نسبة المستفيدين من أنشطة الوقاية من سوء التغذية من 1.4 مليون شخص إلى 128 ألف فقط أغلبهم في المناطق الشمالية، في تراجع كارثي عن الرقم المستهدف وهو 2,4 مليون من الأطفال والفتيات والنساء الحوامل والمرضعات.

استمرار تداعيات حرب أوكرانيا
ألقت الحرب الروسية_الأوكرانية بظلالها على الشعب اليمني الذي يعاني أساسا أزمات متعددة جراء الحرب الدائرة في البلاد لاسيما الحرب الاقتصادية التي لا يتوقف ضحاياها حتى مع توقف المواجهات في جبهات القتال. أدى تخفيض بعض الدول لتمويل العمليات الانسانية إلى تقليص حاد في التمويل لعمليات الأمم المتحدة على رأسها المساعدات التي ينفذها برنامج الغذاء العالمي والذي أعلن أكثر من مرة تقليص المساعدات واحتياجه لأكثر من مليار دولار، نتيجة تخلف بعض الدول الأوروبية عن التزاماتها وتحول اهتماماتها نحو أوكرانيا وتجفيف منابع المساعدات لليمن لصالح أوكرانيا.
مروان سعيد (40 عاما) أبا لثلاثة أطفال، يقول تلقيت للتو إنذارا أخيرا من مالك المنزل يطالبني بالقبول برفع الإجار أو مغادرة المنزل خلال هذا الشهر، لكنني لن استطيع توفير المبلغ الذي يطلبه (60 ألف ريال) وذلك لعدم قدرتي على تحمل تكاليف المعيشة والإيجار معا ولكوني أعمال في الأعمال الشاقة وتمر أسابيع ابحث فيها عن عمل دون جدوى".
يتابع سعيد، منذ نزحنا إلى صنعاء من الحديدة بسبب المواجهات في عام 2018، شكلت المساعدات الغذائية المقدمة من الغذاء العالمي رافدا مهما لتوفيرها أهم احتياجاتنا الأساسية مثل الدقيق والزيت والعدس، وكنت أعمل لتوفير إيجار الشقة (40 ألف ريال) التي نسكنها حاليا في حي شملان شمالي صنعاء، وكذلك لتوفير مصاريف الأولاد للدراسة، ومؤخرا لم تعد تأتينا المساعدات بشكل منتظم، ولا يكفي العائد الزهيد الذي أحصل عليه من عملي لدفع الإيجار وتوفير المستلزمات المعيشية. 

الأطفال: الأكثر تضررا
بحسب منظمة اليونيسيف فان أطفال اليمن الأكثر بؤسا وشقاء على مستوى العالم، وتعتبر محافظتي الحديدة وحجة من أبرز المحافظات اليمنية معاناة من سوء التغذية المتدني، بسبب تدمير المراكز الصحية وعدم وجود بنى تحتية مؤهلة لتقديم الرعاية كذلك افتقار بعض المناطق إلى أبسط مظاهر التنمية مثل الطرق والتعليم، كذلك تعرقل دخول المواد الغذائية والصحية إلى جانب عدم توفر فرص عمل للأهالي في تلك المناطق.
بعد ما يقارب عقد من الزمن على عمر الحرب على اليمن، يحتاج أكثر من 11 مليون طفل إلى مساعدات إنسانية ملحة، أي حاجة 4 من أصل 5 أطفال في اليمن لتلك المساعدات، في حين يموت كل 10 دقائق طفل، ويعاني أكثر من 540 ألف طفل يمني من سوء تغذية حاد يهدد حياتهم، في حين يحذر أطباء من تحول الأطفال الذين يعانون من نقص الغذاء إلى قنبلة موقوته تهدد مستقبل البلد بأكمله، كون المعاناة تستثني طفل من كل خمسة أطفال في اليمن، في حين قد يؤثر ذلك على صحتهم ونمو جسدهم بالإضافة إلى تراجع خطير في عدد من وظائفهم الإدراكية والمعرفية ما قد يخلف إعاقات عقلية بمستويات متفاوتة إلى جانب تفشي أمراض مزمنة.
أعلن برنامج الأغذية العالمي اضطراره التوجه نحو مزيد من تقليص المساعدات الغذائية المقدمة لملايين اليمنيين في عدد من المحافظات شمال البلد وجنوبه، وذلك ابتداء من الأشهر القليلة القادمة، بسبب أزمة غير مسبوقة في تمويل عملياته الخاصة باليمن والتي تعاني أسوأ أزمة إنسانية في العالم بالتالي حاجة المتضررين الماسة لمساعدات عاجلة.

صنعاء: قرار الغذاء غير بريء
رفضت حكومة صنعاء طلب برنامج الغذاء العالمي، الذي تقدم به قبل أيام إلى الجهات المختصة بهدف التوقيع على تخفيض المساعدات الدولية للشعب اليمني "لكون القرار ينطلي على مغالطات تهدف لتوريط صنعاء بالتوقيع على القرار، لإشراكها في تحمل التبعات الإنسانية التي سيتكبدها اليمنيين نتيجة ذلك، إضافة إلى نوايا خبيثة للإدارة الأمريكية التي تستخدم البرنامج العالمي كغطاء لتمرير مشاريعها واستخدامها للغذاء كسلاح لإخضاع خصومها في حالة الحرب" وفقا لما قاله مستشار وزير حقوق الانسان في صنعاء، حميد الرفيق تعقيبا على رفضهم طلب البرنامج، لـ"يمن فيوتشر".


التعليقات