[ AP ]
أدت الهجمات الأخيرة التي شنتها حركة الحوثي المدعومة من إيران والقوات الحكومية اليمنية المدعومة من دول الخليج إلى تآكل وقف إطلاق النار الضمني وألقت بظلالها على احتمالات التوصل إلى حلٍ سياسي، حيث أُحبِطَت توقعات الدبلوماسيين الدوليين بأن يؤدي التقارب بين السعودية وإيران في شهر مارس/ آذار إلى إنهاء حرب اليمن.
و كما يبدو أن الحوثيين استأنفوا بعض الهجمات المَحدودة بطائراتٍ بدون طيار على أهداف البُنية التحتية في المملكة العربية السعودية، على الرغم من تعهدات إيران بكبح هجمات الحوثيين.
في حين تسعى المملكة العربية السعودية إلى إنهاء الصراع اليمني من أجل التركيز على الأهداف الاقتصادية للمملكة، لكن حليفتها الرئيسية -الإمارات العربية المتحدة- تريد ضمان قدرتها على الاستمرار في استخدام القواعد في اليمن و لاستعراض القوة في المنطقة.
وقد أعادت استعادة العلاقات بين إيران والسعودية في شهر مارس/آذار الآمال بين الدبلوماسيين الإقليميين والدوليين بأن الحل السياسي للصراع الطويل الأمد في اليمن أصبح في متناول اليد. كما تدعم القوتان الخليجيتان الأطراف المتنافسة، و إيران بدورها تسلّح وتساعد في تمويل حركة الحوثيين الشيعية الزيدية (أنصار الله) التي تسيطر على عاصمة اليمن، وجزء كبير من شمال ووسط اليمن منذ عام 2014. وتدخلت المملكة العربية السعودية -إلى جانب شريكتها الرئيسية الإمارات العربية المتحدة- و العديد من الدول الخليجية والعربية الأخرى عسكرياً في عام 2015 لمحاولة استعادة سيطرة حكومة الجمهورية اليمنية على البلاد، وبالتالي انتكاسة النفوذ الإقليمي الإيراني. و بالتالي أصبح التحالف العربي غارقاً في صراعٍ لا يمكن الفوز فيه، مما أدى إلى مقتل 150 ألف مقاتل ومدني، وأدى إلى تفشي وباء الكوليرا، وترك 80% من السكان يعتمدون على المساعدات.
وشمل التقارب الإيراني السعودي تعهداتٍ إيرانية بوقف تزويد الحوثيين بطائراتٍ بدون طيار مسلحة وصواريخ باليستية، مثل صاروخ كروز قدس -3، مما يُشير ذلك إلى أن إيران قد تُرحب بإنهاء القتال. ومن خلال تخفيف التوترات مع إيران، سعت المملكة العربية السعودية ـوقد حققت ذلك لمدة ستة أشهرـ إلى وضع حدٍ للهجمات الصاروخية والهجمات بطائراتٍ بدون طيار التي يقوم الحوثيون بتنفيذها على أهداف بُنيتها التحتية.
ويبدو أن الزعيم الفعلي السعودي (محمد بن سلمان) يعتقد أيضاً أن حرب اليمن مستمرة في تغذية الانتقادات الدولية لقيادته وتنتقص من برنامج التنويع الاقتصادي الطموح "رؤية 2030".
و قد أدى بدء المُحادثات المباشرة في منتصف عام 2023 بين المسؤولين السعوديين ومُمثلي الحوثيين إلى زيادة الآمال في التوصل إلى حلٍ سياسي في اليمن. وحدثت هذه المشاركة الأخيرة خلال زيارةٍ قام بها مُفاوضون من الحوثيين إلى المملكة لمدة خمسة أيام في الفترة من 15 إلى 20 سبتمبر/أيلول، وتضمنت اجتماعاً مع شقيق (محمد بن سلمان) -وزير الدفاع السعودي، (الأمير خالد بن سلمان) - وهو اجتماع على أعلى مستوى يعقده الحوثيون حتى الآن.
وعقب المحادثات، ذكرت وزارة الخارجية السعودية أنها: “رحبت بالنتائج الإيجابية للمناقشات الجادة بشأن التوصل إلى خارطة طريق لدعم مسار السلام في اليمن”. ومع ذلك، لم تكُن هناك إعلانات من أيّ من الجانبين عن أي اختراقاتٍ ملموسة بشأن القضايا الرئيسية المعلقة، مثل: إعادة فتح الموانئ التي يسيطر عليها الحوثيون ومطار صنعاء بشكل كامل، ودفع أجور الموظفين العموميين (في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، بما في ذلك القوات العسكرية الحوثية)، من عائدات النفط والغاز في اليمن، وجهود إعادة البناء، والجدول الزمني لمغادرة القوات الأجنبية.
وقد أثارت مسألة دفع الرواتب توتراً كبيراً بين الموظفين العموميين والقادة في المناطق التي يقودها الحوثيون؛ لذا تم تعليق المدفوعات لسنوات من قبل التحالف العربي بقيادة السعودية.
ومع ذلك واعتباراً من أواخر سبتمبر/أيلول، فإن هُناك علامات على العودة إلى صراعٍ شامل، مما يُعرّض التطلعات العالمية لإنهاء القتال للخطر.
وفي أواخر أغسطس/آب، و وفقاً للمتحدث باسم الحوثيين (محمد عبد السلام)، قتل التحالف العربي بقيادة السعودية 12 من جنود الجماعة على طول الحدود السعودية. و وصف الهجوم بأنه "انتهاك" للهدنة غير الرسمية المعمول بها منذ 22 أكتوبر/تشرين الأول (بعد انتهاء وقف إطلاق النار الرسمي الذي بدأ في أبريل/نيسان 2022)، وشدد على "أهمية الدخول في مرحلة من السلام الجاد".
وفي 10 سبتمبر/أيلول، أجرى القيادي الحوثي البارز رئيس المجلس السياسي الأعلى في اليمن (مهدي المشاط) تحذيراً قال فيه إن الترسانة الصاروخية التي يمتلكها الحوثيون “قادرة على ضرب أي هدف في أي مدينة ضمن دول العدوان”.
و في 25 سبتمبر/أيلول، أي بعد خمسة أيام من اختتام المفاوضين الحوثيين زيارتهم للمملكة، قام الحوثيون بتنفيذ تهديد (المشاط) من خلال شنِّ هجوم بطائرة بدون طيار مسلحة على قوات التحالف العربي على طول الحدود اليمنية السعودية، مما أسفر في البداية عن مقتل اثنين من العسكريين البحرينيين،
و بحلول الأول من اكتوبر/تشرين الأول توفي اثنين آخرين متأثريّن بجراحهما.
وتعد البحرين حليفٌ وثيق للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة – وتشكل الدول الثلاث مجموعة متشددة من دول الخليج التي تعتبر الأكثر انتقاداً للنفوذ الإقليمي الإيراني.
وأدان التحالف الذي تقوده السعودية هجوم الطائرات بدون طيار و قال أن ذلك جاء في أعقاب هجماتٍ أُخرى للحوثيين على وحدة توزيع الطاقة ومركزٍ للشرطة بالقُرب من الحدود السعودية اليمنية.
وصرح المتحدث باسم التحالف العربي الفريق الركن (تركي المالكي) أن: "مثل هذه الأعمال العدائية والاستفزازية المُتكررة لا تتسق مع الجهود الإيجابية التي يتم بذلها". ومع ذلك فإن هجمات الحوثيين تشير إلى أن الحركة مُستعدة لاستخدام نقطة نفوذها الرئيسية - الهجمات على أهداف في المملكة - لممارسة الضغط على (محمد بن سلمان) وحلفائه.
ويبدو أن قادة الحوثيين على استعدادٍ لإثبات أن الوعود الإيرانية بكبح جماح الحركة -حتى لو نفذتها طهران- ليست ملزمة لهم بالضرورة. مما يمثل ذلك انتكاسة محتملة أخرى لمحادثات السلام اليمنية.
و وفقاً لأربعة مُدراء تنفيذيين في الشركة، فقد أفيد في 30 سبتمبر / أيلول أن شركة الطيران الوطنية اليمنية ستقوم بتعليق الرحلة التجارية الدولية الوحيدة من العاصمة اليمنية صنعاء، و ذلك رداً على قيام إدارة الحوثيين بمنع الناقل من سحب أمواله في بنوك صنعاء. حيث تقوم اليمنية بست رحلات أسبوعية إلى الأردن وذلك وفقاً للاتفاقيات المتعلقة بوقف إطلاق النار في اليمن في أبريل/نيسان 2022.
ومما يزيد من تعقيد احتمالات السلام الاتهامات والانقسامات بين الفصائل اليمنية التي تُقاتل لدفع نفوذ الحوثيين إلى أقصى شمال البلاد.
و في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في أواخر سبتمبر/أيلول، قال (رشاد العليمي) رئيس المجلس القيادي الرئاسي المدعوم من السعودية (أعلى هيئة حكم في الجمهورية اليمنية) : "إن المجلس التشريعي يسعى إلى إنهاء الحرب، وإنشاء يمنٍ جديد، على أساس سيادة القانون والمواطنة المتساوية، وإعادة بناء الوحدة اليمنية، والحِفاظ على مؤسسات الدولة، وتلبية احتياجات الشعب اليمني."
وزعم أن حُكم الحوثيين سيحول اليمن إلى قاعدة يمكن للجماعات الإرهابية الإقليمية أن تعمل منها، و ذلك عن طريق غسل الأموال من خلال المؤسسات المالية التي يسيطر عليها الحوثيون والتي تقع على هامش النظام المصرفي العالمي. ومع ذلك، يبدو أن جُزءاً آخر من التحالف المناهض للحوثيين -وهو المجلس الانتقالي الجنوبي- الذي تدربه وتقدمه القوات الإماراتية في اليمن، يعارض "وحدة" اليمن.
وفي مقابلاتٍ خلال أسبوع اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، قال (عيدروس الزبيدي) -رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي- للصحفيين أنه سيُعطي الأولوية لإنشاء دولةٍ مُنفصلة في جنوبِ اليمن في المفاوضات مع الحوثيين.
و يتعارض موقف المجلس الانتقالي الجنوبي بشكلٍ مباشر مع موقف الوسطاء الإقليميين والدوليين بأن اليمن الموحد يجب أن يكون إحدى نتائج أي تسوية سلمية نهائية.
و كنقطة واحدة من نقاط الخلاف المتزايدة مع حليفه السابق (محمد بن سلمان) يدعم الزعيم الإماراتي (محمد بن زايد آل نهيان) المجلس الانتقالي الجنوبي وموقفه بشأن مستقبل اليمن لضمان أن أي تسوية شاملة في اليمن من الممكن أن تترك الإمارات العربية المتحدة تسيطر بشكل أساسي على القواعد في جنوب اليمن على سبيل المثال، جزيرة سقطرى.
ومن جنوب اليمن، تنقل الإمارات قوتها إلى السودان وليبيا والقرن الأفريقي ومواقع رئيسية أخرى في المنطقة.
و على النقيض من ذلك، و وفقاً للخبراء، ترى المملكة العربية السعودية أن اليمن الذي ينقسم مرة أخرى على طول خطوط الشمال والجنوب ينتج عنه سيطرة الحوثيين في الشمال، وبالتالي تهديد مستمر لحدودها وجنوب المملكة العربية السعودية على نطاق أوسع.