بقلق وشوق، يضع عشرات الأطفال من ذوي البشرة السمراء في مدينة مارب، أقدامهم على الطريق إلى المدرسة ملتحقين بالعام الدراسي الجديد، بعد أن ظلوا محرومين من حقّهم في التعليم لعقود في ظل غياب الدور الحكومي والمجتمعي المساند لحقهم في التعليم ودمجهم في المجتمع.
حنان النوبي، فتاة من ذوي البشرة السمراء، استطاعت هذا العام 2023م إلحاق نحو 150 طالب وطالبة من ذوي البشرة السمراء غالبيتهم من الفتيات بالصف الأول من التعليم الأساسي.
لم تكرر حنان، عملية الانتظار ذاتها التي طالت وطالت دون جدوى، ولم تتوسل الدور المجتمعي والإنساني، بل قامت رفقة مجموعة من الشباب من ذوي البشرة السمراء بصناعة الفرصة وانتزاع الحق لهؤلاء الأطفال، لتصنع فارقاً حقيقيًا في حياة هؤلاء.
مع بدء العام الدراسي الجديد، يتحدث محمد، دون الشعور بالنقص، ويتسنى لخالد التفكير بحلمه الذي صار بالإمكان تحقيقه.
لم تكن مهمة حنان، وفريقها سهلة، فقد بدأتها قبل سنوات وعززتها بتأسيس مؤسسة رنين عام 2019 في محافظة مأرب، وانطلقت من خلالها في مهمة تعليم أطفال ذوي البشرة السمراء.
تقول حنان النوبي، مديرة مؤسسة رنين، أن هدف إنشاء هذه المؤسسة تعليم ذوي البشرة السمراء الذين تتزايد أعدادهم في مأرب، ومحاولة دمجهم في المجتمع، وهو الأمر الذي يصعب تحقيقه دون التعليم.
بدأت حنان، مع فريقها التنسيق مع بعض المنظمات والجهات في المجتمع لإيجاد حلول لهذه المشكلة، وكانت الخطوة الأولى إيجاد مكان يحتويهم، فعملوا على توفير بعض الخيام القماشية لتصبح نقطة بداية لتحقيق أحلامهم.
تقول حنان: "حرمان أبناء البشرة السمراء في مدينة مأرب من التعليم كان سبباً في قيام المؤسسة، من أجل إيجاد صفة للتخاطب مع مكتب التربية والتعليم بمارب، والذي طالبهم بتوفير شروط معينة لتحقيق العملية التعليمية لهؤلاء.
من هذه الشروط، وفق حنان، توفير مدرسة أساسية مؤقتة بالقرب من منازل أسر ذوي البشرة السمراء للتأكّد من إمكانية استمرار الطلبة في التعليم، إضافة إلى ضمان دعم المنظمات وتوفير احتياجاتهم المدرسية وتشجيعهم لمواصلة التعليم في حال تقبلتهم المدارس الحكومية.
تقول حنان، إن فريقها قام بتوفير خمس خيام كمقر مؤقت للدراسة، واعتماد اثنتين منها للطلاب وثلاث للطالبات كونهن أكثر عدداً. فيما تكفّلت منظمة اليونيسيف بتوفير المعلمين.
حالياً، ما تزال حنان، تطالب بتوفير مدرسة أساسية معتمدة من مكتب التربية ومنح الشباب منهم فرصة للتعليم المسرع كي يتمكنوا من تحقيق تقدم أسرع خلال الفصول الدراسية وصولًا إلى مستويات تناسب أعمارهم.
وعن الرسوم الدراسية، توضح حنان، أنه لا يتم أخذ أية رسوم من الطلاب حاليًا، وفي حال وجدت المدرسة التي نطالب بها سيتم ذلك.
مضيفة- حنان، إنه بإمكانهم توفير الرسوم والزي المدرسي وجميع المتطلبات الدراسية كالكتب والقرطاسيات وغيرها. فقط نود التجاوب وتوفير مدرسة أساسية في الحي الذي يقطنون فيه.
هذا التحدي ليس الوحيد في طريق المؤسسة بل ثمة تحديات أخرى تقابل أبناء هذه الفئة يتمثل في الزواج المبكر الذي تعتبره السبب الأول الذي يجعل الطفل والطفلة محاطين بأعباء كبيرة في سن صغير.
تطمح حنان، في إيجاد حلول جذرية لتعليم ذوي البشرة السمراء، من خلال تجاوب السلطة المحلية والمنظمات والمجتمع بشكل عام في مجتمع قبلي يصعب عليه تقبل الأمر والقبول بتشارك المدرسة مع أبناء القبائل دون تنمر ونظرات دونية الأمر الذي يضيف تحديًا إضافيًا يتمثل في التمييز الواقع على أبناء هذه الفئة "المهمشة".
كانوا "كالأعمى الذي لقي ودعه" (حجر أملس ظنه جوهرة) تقول حنان واصفة فرحة الأطفال في الحصول على فرصة الانتماء لمدرسة.
وتضيف: "عندما رأيت تفاعل الأطفال الإيجابي للالتحاق بالتعليم دون التفكير بالعمر أو أي شيء آخر أدركت أننا حققنا شيئاً كبيراً يجعلنا فخورين بأنفسنا". موضحة: "أبناء ذوي البشرة السمراء هم أيضاً بشر لديهم مشاعرهم وأسبابهم الخاصة ونحن نحاول بكل ما نستطيع معالجة هذا الحرمان ونأمل أن نراهم يوماً ما في ساحة العمل وفي المجتمع وأن تنتهي العنصرية وتلك المسميات والتوصيفات السلبية".
محمد (20 عاماً) أحد الطلاب المستفيدين، يقول: " عندما وصلت إلى الصف الثالث بعد قبولي في إحدى المدارس الحكومية بمدينة مارب، زادت رغبتي بمواصلة التعليم، إلا أنني طردت منها لسبب غير واضح ما أدى لتراجع آمالي وطموحاتي".
بعد أن تم افتتاح مدرسة خاصة بأبناء البشرة السمراء، يقول محمد أنه يشعر بالارتياح لحصوله على فرصة لمواصلة التعليم من جديد.
رغم كثرة وصعوبة التحديات التي تواجه ذوي البشرة السمراء في الحصول على التعليم، إلا أن حنان وفريقها يواصلون العمل بجد لتوفير فرص التعليم لأبناء هذه الفئة وإحداث تغيير حقيقي في حياتهم.
تعليم ذوي البشرة السمراء، مشكلة عانت منها عدّة دول حول العالم، ولكن بعض حكومات هذه الدول اتخذت حلولاً مستدامة. فحكومات الولايات المتحدة، وكندا، وتونس، والمغرب والسودان اتخذت إجراءات لتعزيز المساواة في الفرص التعليمية بين الطلاب من مختلف الفئات والخلفيات.
إلا أن تحديات التعليم في اليمن زادتها الحرب التي تشهدها البلاد منذ أكثر من 8 سنوات صعوبة ما يجعلها في حاجة إلى جهود مشتركة لمعالجتها وتحسين الوضع التعليمي خصوصاً لذوي البشرة السمراء كما يوضح واقع الحال.
تدرك حنان، أهمية دمج أبناء البشرة السمراء في المجتمع وتمكينهم من الحصول على التعليم، كي يصبحوا جزءًا فعالًا ومساهمًا في المجتمع. داعية إلى رفع الوعي بحقهم في التعليم وتوفير الدعم الاجتماعي لأبناء هذه الفئة بما يسهم في تقليل معدل التهميش التعليمي وتحقيق تغيير إيجابي في حياتهم.
*تم إنتاج هذه المادة بدعم من مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي