إن الخلاف العميق حول مصير اليمن يُعرض آفاق السلام للخطر، وتلوح مخاطر تهدد القوى الخليجية الغنية بالنفط و التي تقع في قلب هذا الصراع.
و بعد توحيد الجهود لمحاربة جماعة الحوثي -المدعومة من إيران والتي بدا أنها على وشك اجتياح اليمن في عام 2015- تدعم المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة الجماعات المتنافسة على سيطرة البلد الذي يقع على مفترق طرق ممرات الشحن الحيوية، و الذي يُعد من أهم المناطق المصدرة للطاقة.
وصرح أربعة أشخاص أن الانقسامات المتمحورة حول الوضع الذي يجب أن تبدو عليه اليمن بعد الحرب تهدد الهدنة الهشة مع الحوثيين وتهدد بالتصعيد إلى جولة جديدة من إراقة الدماء بين الجماعات الوكيلة المدعومة من الإمارات العربية المتحدة من جهة والمملكة العربية السعودية من جهة أخرى. حيث خلّفت الاشتباكات الأخيرة بين المقاتلين الحوثيين والقوات المدعومة من الإمارات ما يقارب عشرين قتيلاً.
وتصاعدت التوترات بين القوتين العربيتين الخليجيتين داخل وخارج ساحة المعركة اليمنية لسنوات. لكن الدعوات المتزايدة من قِبل الانفصاليين اليمنيين المدعومين من الإمارات العربية المتحدة لإقامة دولة منفصلة في الجنوب أثارت غضب الرياض، و التي تريد أن يبقى اليمن سليماً. و حسبما قال مسؤول غربي كبير يتواصل مع الولايات المُتحدة فإن إدارة بايدن تشعر بالقلق من هذا الخلاف وتخشى أن يؤدي إلى تقوية إيران وإفشال هدف رئيسي في السياسة الخارجية، وهو: إنهاء الحرب المستمرة منذ ثماني سنوات والتي أودت بحياة ما يقرب من 400 ألف شخص وتصبح حينئذ مسؤولية سياسية للولايات المتحدة، مما سيتسبب ذلك بصراع مباشر مع اللاعبين الرئيسيين المحليين والإقليميين والدوليين.
وقال (أحمد ناجي) -كبير مُحللي شؤون اليمن في مجموعة الأزمات الدولية- : "أصبح اليمن ساحة للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة للتنافس وتسوية حساباتهما من خلال وكلاء محليين، مما يقلل ذلك من فرص التوصل إلى تسوية سياسية".
وقال أيضاً مسؤولٌ حكومي إماراتي أن أبوظبي تدعم بشكلٍ كامل الجُهود السعودية لإنهاء الحرب والتوصل إلى تسوية سياسية ويتم ذلك تحت رعاية الأمم المتحدة، كما وصف مزاعم التوترات بين الجارتين بأنها “كاذبة بشكل قاطع”.
• السعودية والإمارات معركة حول مستقبل اليمن
تُعتبر الأسابيع المُقبلة أسابيع حاسمة حيث تستعد المملكة العربية السعودية لجولة جديدة من المحادثات مع قادة الحوثيين -الذين هددوا يوم الأحد باستئناف هجماتهم على المملكة، بما في ذلك مشروع نيوم العملاق- ما لم تتم الاستجابة لمطالبهم بالتعويضات وحصة كبيرة من عائدات النفط والغاز.
ويأتي ذلك في الوقت الذي تتصاعد فيه الخلافات مع الإمارات حول قضايا أخرى. وقد وضع ولي العهد السعودي (الأمير محمد بن سلمان) بلاده بشكل متزايد كزعيم إقليمي بلا منازع في كل شيء من الأعمال إلى الطاقة إلى السياسة الخارجية. وأدى ذلك إلى مشاحنات بين الحلفاء التقليديين في (أوبك) والى الإحباط بشأن محاولة استبدال دبي كمركز تجاري في الشرق الأوسط، فضلاً عن الخلافات حول كيفية التعامل مع المنافس المشترك إيران.
وفي مايو/أيار، أثار زعيم جماعة مدعومة من الإمارات العربية المتحدة غضب المملكة العربية السعودية عندما مر عبر مدينة المكلا الساحلية بجنوب اليمن وقدم نفسه كزعيم للدولة الجنوبية المستقبلية.
حيث بدا (عيدروس الزبيدي) -الذي كان يرتدي نظارة شمسية وبدلة أنيقة- أشبه بالرئيس المنتظر أكثر من كونه "متمرداً سابقاً" بينما كان يتجول في الشوارع- وهو يلوح من السقف المفتوح لمركبة مدرعة على رأس سيارة طويلة، و التي بدت كقافلة عسكرية. و إثراً لهذا هتفت الحشود دعماً للدولة المستقلة، وامتناناً لمؤيديهم الأثرياء في الإمارات العربية المتحدة.
و وِفقاّ لثلاثة مصادر لديهم معرفة مباشرة بالوضع كان وزير الدفاع السعودي (الأمير خالد بن سلمان) -شقيق الحاكم الفعلي للمملكة ورجله الرئيسي في اليمن- غاضباً من المشهد الذي بدا وكأنه يتحدى علناً جهود بلاده المشحونة لإنهاء الحرب الكارثية في الجوار.
وأرجأ مسؤول بوزارة الدفاع السعودية جميع التعليقات إلى مركز الاتصال الدولي الحكومي، و الذي لم يرد على الأسئلة المرسلة عبر البريد الإلكتروني.
و وفقاً لمسؤليين يمنيين التقيا (بتيم ليندركينغ) المَبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن فإنه قام بإجراء مُحادثات في أبو ظبي والرياض الأسبوع الماضي بهدف ضمان ألا تؤدي التوترات بين القوى الخليجية – والفصائل التي تدعمها – إلى تقويض الجهود المبذولة لإنهاء الصراع، ورفض بعد ذلك مكتبه التعليق. ولم يرد مسؤولو الحكومة السعودية على الأسئلة المكتوبة ومكالمات المتابعة المتعددة. وقال مسؤول أمريكي -طلب عدم ذكر اسمه بسبب المناقشات الحساسة الجارية- أن واشنطن تعمل من خلال "القنوات القائمة نحو وقف التصعيد والتوصل إلى حل دائم للصراع".
و قد برز اليمن- الذي يعاني من الفقر و الانقسام و الصراعات المتعاقبة على مدى عقود- كنقطة خلاف رئيسية بين ولي العهد السعودي ورئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد، في الوقت الذي تفسح فيه العلاقات التي كانت دافئة في السابق المجال لانعدام الثقة والتنافس على القيادة الاقتصادية والسياسية للبلاد.
كما استأنفت المملكة العربية السعودية العلاقات الدبلوماسية مع إيران في وقت سابق من هذا العام وبدأت محادثات مباشرة مع الحوثيين بعد سنوات من الغارات الجوية والحصار الاقتصادي الذي فشل في طردهم من العاصمة اليمنية صنعاء.
ولتحقيق هذه الغاية، أنشأت العام الماضي مجلس قيادة رئاسياً يمنياً جديداً برئاسة (رشاد العليمي) -وهو موالي للسعودية تثق به الولايات المتحدة- بهدف التوفيق بين الفصائل المُتحاربة وتحقيق الاستقرار في دولة حدودية تعتبرها أساسية لأمنها القومي.
وفي حين دعمت الإمارات العربية المتحدة المجلس علناً، إلا أنها تعتبر أقل حماساً بشأن استيعاب الحوثيين وحريصة أكثر على إنشاء دولة جنوبية مُستقلة للحفاظ على النفوذ الذي بنته على امتداد الساحل الممتد من المكلا إلى باب المندب، بوابة البحر الأحمر، وهذا أمر بالغ الأهمية لتعزيز مكانتها في التجارة الدولية.
وقال (فارع المسلمي) -الخبير اليمني والباحث في مركز (تشاتام هاوس) البحثي في لندن- : "يحب بعض الناس جمع الطوابع والعملات المعدنية، و الإمارات العربية المتحدة تحب جمع الموانئ."
وترى أن مصالحها يتم تقديمها على أفضل وجه من خلال المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي بقيادة الزبيدي، وهو ضابط سابق في الجيش في الستينيات من عمره والذي يشغل اسميًا منصب نائب العليمي.
و اشتبك المقاتلون الموالون للزبيدي مع القوات الحكومية المدعومة من السعودية في الماضي، وحصل هذا تحديداً من أجل السيطرة على مدينة عدن الساحلية الاستراتيجية.
وقد فشل اتفاق عام 2019 لإنهاء الاقتتال الداخلي في معالجة الخلافات الأساسية، التي تهدد بالانفجار إلى أعمال عنف مرة أخرى.
وشبه (المسلمي من تشاتام هاوس) المجلس الرئاسي اليمني بـ “زواج مرتب غير سعيد”.
• مواجهة حضرموت:
دخل هذا الخلاف الطويل الأمد مرحلة جديدة خطيرة مع زيارة الزبيدي للمكلا، حيث أعلنت القوات المدعومة من الإمارات العربية المتحدة عن خطط لتوسيع نطاق وصولها، والمطالبة بالسيادة على حضرموت بأكملها، أكبر محافظة في اليمن والتي تضم 80٪ من نفطها.
وفي الشهر التالي، ظهر الزبيدي في القاعات الأنيقة في تشاتام هاوس في لندن، حيث أخبر جمهورًا من الدبلوماسيين والخبراء بأنه سيقاتل من أجل المحافظة "مهما كان الثمن".
وفي الوقت نفسه تقريباً، هبطت طائرة تابعة للقوات الجوية السعودية في مطار حضرموت الرئيسي لنقل القادة المحليين، بما في ذلك المحافظ، إلى الرياض حيث أعلنوا عن تشكيل مجلس إقليمي جديد لمواجهة الانفصاليين، و الذي يُعد نموذج يخطط السعوديون لتكراره في جميع أنحاء الجنوب لمنع أي محاولة للاستقلال.
و وفقاً لمسؤولين وباحثين يمنيين على الأرض قيل أن حضرموت تُعد موطن أجداد بعض أبرز العائلات التجارية والمصرفية في المملكة العربية السعودية، وتشترك في حدود طويلة يسهل اختراقها مع المملكة العربية السعودية. وقال أحد كبار مستشاري الحكومة السعودية إن الرياض تعتبر محافظة حضرموت جزءاّ لا يتجزأ من أمنها، كما أن احتمال قيام دولة تسيطر عليها الإمارات على حدودها لم يلق قبولًا جيدًا.
ولتعزيز سيطرتها على حضرموت، قامت المملكة العربية السعودية بإنشاء وتمويل وتدريب قوة شبه عسكرية يمنية جديدة تُعرف باسم درع الأمة، والتي تجذب المقاتلين من الفصائل المدعومة من الإمارات العربية المتحدة بأجور ومزايا ثابتة.
وفي نهاية يونيو/حزيران، أرسلت السعودية (العليمي) إلى حضرموت مع وعود بمزيد من الحكم الذاتي و320 مليون دولار لمشاريع محلية.
ثم تحدث (رشاد العليمي) خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك بالولايات المتحدة يوم الخميس 22 سبتمبر 2022.
وقالت (إليونورا أرديماني) -باحثة أولى في المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية- : "أن حضرموت هي مركز التنافس الإماراتي السعودي في اليمن".
• تأجيل السلام
وتؤدي المواجهة بالفعل إلى تعقيد الجهود الرامية إلى تحويل الهدنة المبدئية المعمول بها مع الحوثيين منذ أبريل/نيسان 2022 إلى اتفاق رسمي لوقف إطلاق النار - ودفع محادثات السلام بوساطة الأمم المتحدة.
•فهم القوة في واشنطن:
قال اثنان من أعضاء المجلس الانتقالي الجنوبي إن قلقهما المشترك في أبو ظبي يتمثل في أن الرياض ستنتهي في نهاية الأمر بتعزيز الحوثيين وداعميهم الإيرانيين، من خلال تقديم تنازلات كبيرة، بما في ذلك المساعدات المالية، فقط لإنهاء الحرب. وقالوا إن الأولوية بالنسبة للحاكم الفعلي للمملكة العربية السعودية، المعروف باسم MBS، هي تحييد جميع التهديدات التي تواجه رؤية 2030، وخطته الكبرى لإعادة تشكيل اقتصاد المملكة وتقليل اعتمادها على النفط، وهي تتفوق على جميع الاعتبارات الأخرى.
وقال مستشار الحكومة السعودية في اليمن أن الرياض ركزت بالفعل على ترسيخ الهدنة لكنها لم تستسلم لمطالب الحوثيين. وقال المستشار إنه بينما تظل المجموعة الموالية لإيران هي الخصم والتهديد الأول في اليمن، فإن هناك شعور متزايد في المملكة العربية السعودية بأن أجندة الإمارات ومصالحها تقوض الجهود المبذولة لإنهاء الحرب.
وينعكس هذا القلق في البيت الأبيض -الذي اتبع سياسة التهدئة مع إيران بشأن برنامجها النووي- وهو حريص على الابتعاد عن حملة اليمن التي دعمها في البداية بالأسلحة والخدمات اللوجستية والاستخبارات.
وقال المبعوث الأمريكي (ليندركينغ) للصحفيين الشهر الماضي: "لدى دول المنطقة دور أساسي تلعبه في إحلال السلام في اليمن."