تحاول السعودية إخراج نفسها من اليمن وتسليم البلاد فعليًا إلى الحوثيين المعروفين أيضًا باسم “أنصار الله”، أداة الحرس الثوري الإسلامي الإيراني في اليمن منذ عام 2018 على الأقل.
مع الاتفاق الأخير الذي توسطت فيه الصين لتطبيع العلاقات، المنقطعة منذ عام 2016، بين السعودية وإيران وانعقاد أول اجتماع علني بين السعودية والحوثيين في صنعاء، يبدو أن هذا التسليم غير المشروط، تحت ذريعة اتفاق سلام محتمل، قريب من التحقق.
وعلى غرار تعامل الولايات المتحدة مع طالبان، همشت السعودية الحكومة اليمنية والجهات الفاعلة اليمنية الأخرى وتتفاوض على انسحابها المباشر مع الحوثيين والحرس الثوري الإيراني. ويبقى التوصل إلى اتفاق يحفظ ماء الوجه ويظهر توافق بشأن بنود الانسحاب أمرًا غامضًا أو حتى غير قابل للتكهن.
من بين مجموعة النتائج المحتملة، وكلها سيئة، سيكون أقلها سوءًا إذا تجمد الصراع إلى أجل غير مسمى، مع بقاء السعودية منخرطة عسكريًا لحماية مأرب وغيرها من المناطق الموالية للحكومة اليمنية، بينما يشن الحوثيون هجمات بالصواريخ والطائرات دون طيار، دون التوسع في مناطق سيطرتهم.
لكن النتيجة الأرجح، كما في أفغانستان، هي فك الارتباط السعودي عن اليمن بشكل كامل، مع تصعيد الحوثيين عسكريًا ورفضهم التنازل عن أي شيء جوهري، واستسلام السعوديين المحبطين واليائسين من جانب واحد -ربما بوعد عدم مهاجمة الحوثيين لهم إذا سحبوا كل الدعم العسكري أو الاقتصادي للحكومة اليمنية وقد يصل حتى إلى تمويل آلة الحوثي العسكرية.
إذا سحبت السعودية دعمها من جانب واحد عن حلفائها في اليمن، فهناك ثلاثة سيناريوهات محتملة لليمن: التحوّل لنموذج حزب الله، حيث ينقل الحرس الثوري الإيراني بشكل عملي وكيله المحلي إلى مكون سياسي -مع الاحتفاظ بقوته الأمنية وسيطرة كاملة -داخل واجهة الدولة؛ أو التقسيم، حيث يستولي الحوثيون في هذ السيناريو بسرعة على جميع المناطق التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية، ولكن لن يحاولوا، على الأقل مؤقتًا، السيطرة على المناطق التي يسيطر عليها وكلاء الإمارات في الجنوب؛ أو التحول لنموذج طالبان، حيث يتحرك الحوثيون للسيطرة على كامل البلاد على الفور.
هذه ليست بالضرورة سيناريوهات متعارضة، وقد يكون من المفيد أكثر أن ننظر إليها جميعًا على اعتبار أنها خطوات محتملة في عملية نحو السيطرة النهائية. في النهاية، على غرار العراق ولبنان، سيُحدد المسار الذي يتبعه كل وكيل تابع للحرس الثوري الإيراني في إيران، بناءً على اعتبارات محلية وخارجية.
•نموذج حزب الله
هذا مسار غير محتمل، ولكنه لا يزال ممكنًا للسيطرة الافتراضية على اليمن. لفترة من الوقت، كفل الحرس الثوري الإيراني وكلاءه المحليين في العراق ولبنان وأفغانستان، الذين كانوا يقاتلون في البداية فقط لاستنساخ النظام الإيراني الثيوقراطي الشمولي، ثم انخرطوا في السياسة مع الاحتفاظ أيضًا بميليشياتهم المستقلة.
كان هذا هو الحال أيضًا في اليمن في الثمانينيات، حين شن الحوثيون، الذين اتبعوا في بداياتهم نهج حزب الله، حملة إرهابية وقصفوا مجمع سينما حدّة في صنعاء. بحلول التسعينيات، التي شهدت إعادة توحيد اليمن بعد عقود من الحروب الأهلية، بدأ الحرس الثوري الإيراني في نقل عائلة الحوثي إلى السياسة وتهيئتهم للحرب المحتملة. كما أوضحت عام 2021 في تقرير عن تطور الحوثيين:
أدى توحيد اليمن في التسعينيات وما تلاه من تقنين للتنظيمات السياسية إلى تحول اتحاد الشباب المؤمن لحركة الشباب المؤمن وإنشاء جناحه السياسي، حزب الحق. سيكون قادة التمرد المستقبليون، حسين بدر الدين الحوثي- الذي اعتبره حزب الحق رمزًا له -وعبدالله الرزامي، أحد أعز أصدقاء حسين الحوثي والموالين له، ممثلين عن حزب الحق في البرلمان عام 1993.
في سيناريو إعادة نموذج حزب الله، سيدخل الحوثيون في محادثات مباشرة مع ممثلي الحكومة اليمنية وجمعهم مع الأطراف اليمنية الأخرى معًا لتشكيل واجهة لحكومة يمنية موحدة معترف بها دوليًا وتتلقى المساعدة. قد ينهب الحوثيون تلك المساعدات ويوظفوها لحماية وترسيخ قوتهم العسكرية والسياسية، كما يفعل حزب الله في لبنان، أو كما تفعل الجماعات الأخرى التابعة للحرس الثوري الإيراني في العراق.
ومع ذلك، لا يوجد سبب وجيه للاعتقاد بأن هذا سيحدث. في المقام الأول، على عكس ما حدث في لبنان والعراق، حققت إيران نصرًا عسكريًا جوهريًا وبنت بالفعل نسخة من نظامها الديني الموازي للدولة اليمنية، ولكن مع سيطرة فعّالة على تلك النسخة. من الأمور التي يجب على الحرس الثوري الإيراني الاعتراف بها أن لبنان والعراق بها عوامل محلية تعرقل إنشاء دولة إسلامية خالصة مماثلة لإيران -على الرغم من أن هذا لا يزال هو التطلع -ولكن هناك حل مغاير تمامًا لمثل هذه الدولة إذا جرى بناؤها بنجاح. كما فصلت في التقرير:
الحوثيون أنشأوا دولة ظل موازية بعد انقلابهم عام 2014، مؤلفة من لجان “شعبية” و”ثورية”، إضافة إلى مفوضين سياسيين (مشرفين)، وحلفاء محليين خارج نواة الجماعة (متحوّثين) يشرفون على الهياكل الحكومية الرسمية التي اختارها الحوثيون من المحافظين إلى مستوى الأحياء وفي كل مجال، من التعليم إلى الأمن. بدأت الحكومة المُعلنة في صنعاء وحكومة الظل التي أنشأوها بالاندماج منذ عام 2017 في عدة مناطق، مع تولي الحوثيين مقاليد الأمور مباشرة وكذلك ممارسة الأدوار الإشرافية على الدوائر الحكومية.
علاوة على ذلك، ورد أن السعوديين مستعدين بالفعل لدفع رواتب موظفي نظام الحوثيين دون أي تنازلات من الأخيرين لإشراك الأطراف اليمنية الأخرى. أخيرًا، أظهر السعوديون للحوثيين، كما فعل الأمريكيون مع طالبان، عدم ضرورة إشراك عملائهم المحليين. لا يعترف الحوثيون بشرعية أي حكومة محلية شأنهم شأن طالبان. كما كتبت:
الثوار الاستبداديون، لن يتنازلوا أبدًا عن السيطرة المطلقة. الحوثيون هم حركة طالبان اليمنية، والسعي لبدء المفاوضات اليمنية الداخلية سينتهي كما انتهت “المفاوضات بين الأفغان”، والتي سهّلت ببساطة سيطرة طالبان.
•التقسيم
سيناريو محتمل آخر هو تقسيم صعب لليمن بين الإمارات وإيران في أعقاب هجوم حوثي متجدد وناجح للسيطرة على مأرب، آخر معقل مهم للقوات الحكومية المتحالفة مع السعودية، لأسباب سبرتها تفصيلًا قبل عامين. وعلى الرغم من تغيّر الكثير منذ ذلك الحين، إلا أنه ما يزال من المحتمل أن تدافع الإمارات عن الأراضي التي يسيطر عليها وكلاؤها -مثل المجلس الانتقالي الجنوبي -من الحوثيين، مما يؤدي إلى وضع مشابه للكيان الكردي في شمال سوريا وتعايشه المضطرب مع نظام بشار الأسد. من المحتمل أيضًا أن يساعد وكلاء الإمارات الحوثيين عن غير قصد من خلال مهاجمة مناطق الحكومة اليمنية، كما فعلوا منذ عام 2017 على الأقل.
من ناحية أخرى، يمكن للحوثيين وبقية شبكة الحرس الثوري الإيراني أن يعرّضوا الاقتصاد الإماراتي لخطر شديد، كما أظهروا من خلال ضربات متعددة بالصواريخ الباليستية وطائرات مسيّرة العام الماضي. قد تكون القدرة على ضرب المراكز الاقتصادية الإماراتية كافية لتكون سيفًا مسلطًا لإجبار الإمارات على تسليم الأراضي التي يسيطر عليها المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات في اليمن. علاوة على ذلك، بافتراض غزو ناجح لشمال اليمن وترتيب مع السعوديين، يمكن للحوثيين إعادة نشر جميع قواتهم ومواردهم في الجنوب لشن هجمات واستهداف المنطقة بمزيد من الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية.
بعد التطبيع مع إيران ونظامها العميل في سوريا، من غير الواضح أيضًا ما إذا كانت أبو ظبي مهتمة بعد الآن باحتواء الحرس الثوري الإيراني في أي مكان، بما في ذلك اليمن. من المحتمل أن تؤدي “العلاقة الخاصة” العميقة بين الإمارات وإيران إلى قرار أبو ظبي بالتضحية بالمجلس الانتقالي الجنوبي.
•نموذج طالبان
السيناريو الثالث بعد فك الارتباط السعودي هو أن يشن الحوثيون على الفور هجومًا واسعًا للسيطرة على اليمن بالكامل، دون خطوات مؤقتة وردود خارجية شبه منعدمة. من الممكن جدًا أن يرفض ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان –المفتون بتحويل السعودية تحت إمرته إلى “رؤية 2030”-تعريض التنمية الاقتصادية السعودية للخطر من خلال فتح أراضيها مجددًا أمام ضربات الصواريخ والطائرات دون طيار من خلال التدخل. كما أن الإمارات أيضًا، لأسباب سياسية واقتصادية مذكورة أعلاه، قد تقرر أيضًا التخلي عن وكلائها. إذا أثبتت كل من الرياض وأبو ظبي استعدادهما التخلي عن اليمن تمامًا، فإن التحول السريع إلى نموذج الطالبان هو النتيجة الأرجح.
•خاتمة
هناك مجموعة عوامل ستحدد الجدول الزمني وطريقة سيطرة الحوثيين على اليمن، لكن ما لا شك فيه، كما كتبت سابقًا، هو أنه بالنسبة لقادة الحوثيين وقياداتهم في الحرس الثوري الإيراني، فإن الجهاد ليس -قابلًا للتفاوض -ولا سيما بعد أن بدأوا في تذوق طعم النصر.
بالطبع، هناك احتمال ألا تسفر المحادثات الحالية مع الحوثيين عن نتائج، وتظل السعودية منخرطة على مضض في الصراع. ومع ذلك، تشير كافة المعلومات المتاحة حتى الآن إلى أن الاستسلام السعودي الوشيك وفك الارتباط هو السيناريو الأرجح. ولو حدث ذلك، فسيؤدي حتمًا، بطريقة أو بأخرى، إلى تحول اليمن سريعًا إلى نسخة ثيوقراطية لإيران، فضلًا عن أنها تعد قاعدة عسكرية مهمة من الناحية الاستراتيجية للحرس الثوري الإيراني.