تقرير: اليمن ماضي قاتم ومستقبل مهدد بالمخاطر
يمن فيوتشر - صامد السامعي: الاربعاء, 16 أغسطس, 2023 - 03:26 مساءً
تقرير: اليمن ماضي قاتم ومستقبل مهدد بالمخاطر

"كأحد أقل البلدان نموّ اً في العالم، تعود جذور تحديات التنمية التي تواجهها اليمن الى ما قبل الصراع الدائر حالياً. 
فمنذ اعلان الوحدة عام 1990 عانت الجمهورية الوليدة من ضعف المؤسسات العامة، وشهِدت تركزاً للنفوذ والثروة في أيدي القلة ما أوقع مظالم اقتصادية وسياسية أججت السخط الذي أفضى إلى النزاع. تفاقمت المصاعب التي تواجه تقديم الخدمات الأساسية، واستشرى الفساد والمحسوبية والزبائنية، فاشتد التوتر السياسي والاجتماعي بين السكان، فما كان إلا أن اندلعت حرب أهلية في عام 1994 ، تلاها قيام الحراك الجنوبي في عام 2007 ، ومن ثم انتفاضة عام 2011 والحرب التي أعقبتها".
بهذه الكلمات افتتحت اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (اسكوا) تقريرا أصدرته حديثا بعنوان (تحليل المخاطر على الصعيد الوطني: اليمن)، وحذرت فيه: إن مستوى تعرض اليمن للمخاطر مرتفع إلى حد مقلق.
على العكس مما تذهب اليه أماني مفرطة في التفاؤل ترى في حالة اللاسلم واللاحرب التي صار اليها الحال منذ أكثر من عام مقدمة لنهاية الحرب وبداية مرحلة أكثر استقرارا، يبدو التقرير الذي يرى أن مستوى تعرض اليمن للمخاطر في تزايد مستمر منذ عام 2010 متشائما بخصوص مستقبل البلد. بحسب نموذج تنبؤ لنظام الإنذار المبكر بالعنف الذي طورته اللجنة نفسها، يرتفع كثيراً احتمال استمرار وتصاعد أعمال العنف في اليمن ما لم تُتخذ إجراءات مناسبة للتخفيف من المخاطر.
و"بعد عقد من الاضطرابات، بما في ذلك الحرب وتداعياتها" قال التقرير إن وطأة التحديات التي طالما أثقلت كاهل اليمن اشتدت، كما برزت تحديات جديدة: "انقسم البنك المركزي اليمني في عام 2016 ، وانقسمت معه المؤسسات العامة، وتباينت السياسات النقدية والمالية، فبات للريال اليمني سعران للصرف، واتجهت قيمة العملة، المتدنية أصلاً نحو انخفاض مطّرد، وانتشر الفقر وانعدام الأمن الغذائي على نطاق غير مسبوق. وقابل الانقسام في المؤسسات القضائية تزايد الإشكاليات من جراء النزاع وتدهور سيادة القانون".


•تدهور مستمر
اتجه مستوى المخاطر في اليمن نحو التدهور على مدى العقد الماضي. فازداد انكشاف البلد للمخاطر، وتراجعت مِنعته أمام النزاع. وكانت العوامل الرئيسية التي تدفع إلى ارتفاع مستوى الهشاشة في اليمن خلال عام 2021 هي انعدام الأمن الغذائي وندرة المياه والفساد.
وفي إطار المساعي لمعالجة العوامل التي تدفع نحو تزايد المخاطر في الدول العربية المتأثرة بالنزاعات عبر سياسات يوجهها الوعي بالمخاطر، طورت الإسكوا المرصد العربي للمخاطر، الذي يقيس مدى الخطر من حيث ثلاثة "مسارات للمخاطر " ترتبط بتزايد خطر وقوع النزاع و الأزمات وانعدام الاستقرار في المنطقة.
تفضي مسارات المخاطر الثلاثة (هي: مسار النزاع ومسار المناخ ومسار التنمية) إلى تفاقم مخاطر النزاع في اليمن من خلال مزيج من عنصرين: ارتفاع مستوى الهشاشة وانخفاض مستوى المِنعة. ويقدم المرصد العربي للمخاطر في الإسكوا تحليلا لمَواطن الهشاشة والمِنعة في كل مجال من مجالات المخاطر وفي منهجيته يُعرف الهشاشة من حيث رجحان تعرض بلدٍ ما للصدمات، وانكشافه الهيكلي إزاء هذه الصدمات، والمِنعة من حيث الإمكانات المسترشدة بالسياسات التي يتمتع بها بلد ما لاستيعاب الآثار السلبية للمخاطر. "على سبيل المثال" يقول التقرير: ما يدفع خطر النزاع في اليمن هو "ارتفاع" درجة الهشاشة مع "انخفاض" درجة المِنعة"، وأما المخاطر المؤسسية فيدفعها كون مستوى الهشاشة "مرتفعاً جدا" ومستوى المِنعة "منخفضاً جداً ". 
في الفترة المشمولة بالتقرير، بين عامي 2010 و 2021 ، بلغت المخاطر في اليمن مستويات مرتفعة، مدفوعة في الغالب بتعاظم النزاع وتزايد مكامن الهشاشة المؤسسية وتراجع المِنعة. ويتفاقم الوضع بتفاقم المخاطر الاقتصادية، وأخطار المناخ، ومخاطر الموارد الطبيعية، والمخاطر الاجتماعية، على الرغم من ارتفاع طفيف في المِنعة الاجتماعية من جراء التحسينات التي حققتها في الغالب المساعدات الدولية في قطاع المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية.
هذا الواقع يفرض صنع سياسات يوجهها الوعي  بالمخاطر والسعي إلى معالجتها، ليس فقط في ما يتصل ب التحديات ذات الأولوية، بل أيضاً للتنبؤ بالمخاطر والتحديات المستقبلية وتصميم السياسات للتصدي لها، كما ينصح التقرير.


•مسارات ملغومة
صنف التقرير مستوى المخاطر في اليمن على أن مرتفع للغاية، إذ بلغت مخاطر النزاع والمخاطر المؤسسية إلى أخطر مستوى ممكن (شديد). وهي عند ثاني أخطر مستو ى (ملحوظ ) في جميع المجالات الأخرى (أخطار المناخ والموارد الطبيعية والمخاطر الاقتصادية والمخاطر الاجتماعية ). يقول التقرير: "تتداخل هذه المجالات بطبيعتها، ولكن من المهم إجراء تقييم لمختلف العوامل التي تدفع نحو المخاطر، وتحديد ذات الأولوية منها، وصياغة سياسات وبرامج مناسبة لمعالجتها".
وصُنف مجال خطر النزاع بأنه عند مستوى شديد، وسبب ذلك هو استمرار النزاع في البلد. وفين حين لا تزال العوامل الرئيسية التي تؤجج النزاع من دون حل حيث لم تتوصل أطراف النزاع إلى تسوية سياسية لإنهاء الحرب، ساهم استمرار القتال حتى نهاية عام 2021وخاصة في مأرب، وما نتج عنه من إصابات ونزوح، في تدهور الوضع الأمني وبالتالي تفاقم خطر النزاع.
وكذلك صُنف مجال المخاطر المؤسسية بأنه عند مستوى شديد. جاء في التقرير: "لا ينفصم هذا التصنيف عن واقع التمزق في المؤسسات العامة الذي بدأ مع انقسام البنك المركزي اليمني في عام 2016 . وأعقب ذلك انقسام في العديد من الوزارات، مثل وزارة المالية ووزارة الكهرباء والطاقة، ما أدى إلى خسائر في الإيرادات والموارد البشرية وعطل كثيراً تقديم الخدمات الأساسية. ومن البديهي أن طول أمد الانقسام في المؤسسات العامة يعسر التنسيق في ما بينها وصولا إلى إعادة تكوينها".
و صُنفت مستويات المخاطر الاقتصادية على أنها ملحوظة. واوضح التقرير: يتبين من هذا التصنيف الأثر الجسيم الذي  أوقعه النزاع الدائر في البلد على مختلف جوانب المعيشة، سواء أكان ذلك مباشرة، على غرار تعطيل الأنشطة الاقتصادية وتدهور الاقتصاد وتدمير المرافق الصحية والتعليمية، أم على نحو غير مباشر مثل غياب الحوكمة الجيدة من أجل حماية الموارد الطبيعية ووضع سياسات للتخفيف من الأخطار المناخية .
كما تم تصنيف أخطار المناخ في اليمن على أنها ملحوظة، مع مستوى متوسّط من الهشاشة، ومستوى منخفض جداً من المِنعة. وجاء في التقرير: يزداد كل من تواتر الظواهر الجوية القصوى وشدتها، فتؤثر هذه الظواهر على أعداد متزايدة من السكان، الذين يعانون من تداعيات النزاع اصلا.ً وكان أثر الفيضانات بالغاً، فطال، في عام 2022 ، ما يقرب من219,000 شخص. 
يبين النموذج الذي اعتمدت عليه (اسكوا) في التحليل أن المخاطر بلغت مستويات مرتفعة يرتفع معها جداً احتمال اندلاع العنف في اليمن. وبحسب التقرير تنسجم نتائج هذه الأدوات المختلفة لتقييم المخاطر مع التطوّرات على أرض الواقع، حيث لا يزال الصراع من دون حل، والتوتر الاجتماعي محدقاً، وعدد النازحين في تزايد مطّرد. وتجزؤ المؤسسات العامة بدوره محفز للقتال على الموارد والنفوذ، نظراً لشدة تأثيره على تقديم الخدمات الأساسية والاستقرار الاقتصادي. وتسهم هذه الاعتبارات كافة في حالة شديدة الخطورة على البلد، ما يتطلب تحديد أوجه الخطورة، والاعتراف بها، والتحرك للتخفيف من حدتها.


التعليقات