تقرير: كيف خففت الإمارات بهدوء ريادة المملكة العربية السعودية في لعبة النفط؟
يمن فيوتشر - عين الشرق الأوسط- ترجمة ناهد عبدالعليم: الجمعة, 11 أغسطس, 2023 - 09:16 مساءً
تقرير: كيف خففت الإمارات بهدوء ريادة المملكة العربية السعودية في لعبة النفط؟

أدى التركيز على روسيا والسعودية إلى إخفاء انتصارات كبيرة في عالم النفط للإمارات العربية المتحدة، مع احتدام المنافسة الجيوسياسية والاقتصادية بين أبوظبي والرياض.
بينما تتقدم المملكة العربية السعودية بتخفيضات إنتاج النفط وتحافظ روسيا على تدفق الخام لتمويل غزوها لأوكرانيا، تسعى دولة واحدة بهدوء لتحقيق انتصارات في سوق النفط.. الإمارات العربية المتحدة.
 في يونيو/ حزيران عندما اجتمعت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) بقيادة السعودية وتحالف من منتجي النفط بقيادة روسيا -المعروف باسم أوبك- لتحديد سياسة الطاقة، تراجعت الإمارات عن هدف طويل الأجل لزيادة الكمية من الخام مما يسمح بضخه.
ستؤدي المراجعة التصاعدية لحصة الإمارات العربية المتحدة إلى رفع إنتاج الإمارات بمقدار 200 ألف برميل يوميًا في عام 2024 إلى 3.2 مليون برميل. و يأتي ذلك في الوقت الذي تصعد فيه أسعار النفط وتتسبب بعودة قوية هذا الصيف، و مع وصول خام برنت -المعيار الدولي- بأمان إلى ما فوق عتبة 80 دولاراً للبرميل.
قالت (إيلين وولد)  -مؤسسة شركة استشارات الطاقة Transversal Consulting- لموقع Middle East Eye: "لقد تم تجاهل زيادة حصة الإنتاج في الإمارات إلى حد ما ، لكنها كانت بمثابة فوز كبير للإمارات".
 وأضافت (وولد) مؤلفة كتاب "Saudi Inc" -وهو كتاب عن شركة النفط السعودية المملوكة للدولة "أرامكو"- : "من بين جميع أعضاء (أوبك +) وضعت الإمارات نفسها في وضع جيد للغاية".
و في خلال الاجتماع نفسه استبعدت الإمارات تخفيضات الإنتاج ، حتى مع خفض المملكة العربية السعودية للإنتاج في محاولة لتعزيز أسعار الخام. و ضاعفت المملكة العربية السعودية الأسبوع الماضي من التزامها بخفض الإمدادات، وواصلت خفض إنتاجها المليون برميل يومياً حتى سبتمبر. 
وقال (فيكتور كاتونا) -رئيس قسم تحليل النفط الخام في Kpler شركة استشارات الطاقة- لموقع Middle East Eye: " إن الإمارات العربية المتحدة قد خفضت أسعارها إلى الحد الأدنى".
 والنتيجة النهائية هي أن المملكة العربية السعودية تقوم بكل العمل وأن أسعار النفط في الإمارات العربية المتحدة أعلى بنسبة 15% مما كانت عليه قبل شهر، و بأي حال من الأحوال فإن الإمارات العربية المتحدة هي الرابح الأكبر هذا الصيف ".
و في محاولة لرفع الأسعار نجد أن السعودية تتحمل العبء الأكبر من تخفيضات النفط، حيث  ذكرت (ميدل إيست آي) في وقت سابق كيف كان على الرياض أن تتعامل مع روسيا التي تغرق السوق بالنفط، حيث إنها تعزز مبيعاتها من النفط الخام إلى آسيا وتتجه نحو المركز الأول كأكبر منتج (أوبك +.)
 لكن المكاسب الهادئة للإمارات داخل كارتل النفط تؤكد تحديًا آخر للمملكة العربية السعودية ، و هذه المرة مع حليف من المفترض أنه أصبح منافسًا جيوسياسيًا واقتصاديًا بشكل متزايد.


•"الإمارات أغنى من السعودية"
 لسنوات ، وجدت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة نفسيهما في الجانب نفسه من قضايا السياسة الخارجية الشائكة في الشرق الأوسط.
 فعندما ضرب الربيع العربي المنطقة قبل عقد من الزمان ، تعاون الشريكان الأمنيان للولايات المتحدة للرد على حركات الاحتجاج التي اعتبروها تهديدًا لحكمهما، و لقد انضموا إلى قواهم لمحاصرة جارتهم الخليجية -قطر- ودعموا الجنرال المنشق (خليفة حفتر) في ليبيا ، وألقوا دعمهم وراء المسلحين الذين يسعون إلى الإطاحة (ببشار الأسد) في سوريا. و قامت كلاهما بأرسال قوات لخوض حرب دموية في اليمن ضد المتمردين المتحالفين مع إيران.
 لكن الانقسامات تندلع الآن بين الزعيمين في البلدين: ولي العهد (محمد بن سلمان) والرئيس الإماراتي الشيخ (محمد بن زايد آل نهيان).
و وفقًا لتقرير" Wall Street Journal  " في ديسمبر/ كانون الأول، هدد ولي العهد السعودي بفرض حصار على الإمارات.
و انسحبت الإمارات من حرب اليمن في عام 2019 لكنها تواصل دعم جماعة انفصالية في جنوب اليمن و اشتبكت القوات السعودية المفضلة مع الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا والمدعومة من السعودية.
قال (جريج بريدي) -المستشار في Spout Run Advisory ومقرها الولايات المتحدة وزميل أول في مركز المصلحة الوطنية في واشنطن العاصمة- لموقع Middle East Eye : "اليمن هو مجرد اختلاف سياسي واحد منقسم بين الإمارات والسعودية، أما موضوع الطاقة هذا فهو شيء آخر.
و اندلعت الخلافات بين الرياض وأبو ظبي بشأن السياسة النفطية في العلن عام 2021، و عندها عقدت الإمارات العربية المتحدة اجتماع (أوبك +) بسبب شكاوى من أن لديها خط أساس منخفض لحساب إنتاجها من النفط المسموح به. الإمارات العربية المتحدة -مثل المملكة العربية السعودية- تستثمر بكثافة في صناعة الطاقة و لديها لإنتاج المزيد من النفط الخام، و تريد زيادة الطاقة الإنتاجية و كمية النفط التي تستطيع ضخها من 4.5 مليون برميل في اليوم إلى 5 ملايين برميل وذلك بحلول عام 2027.
لكن المملكة العربية السعودية تريد إبقاء الإمدادات شحيحة وذلك لرفع الأسعار ، لا سيما أنها تتطلع إلى ضخ عائدات النفط في مشاريع ضخمة مثل مشاريع نيوم وجزيرة البحر الأحمر ، والسبب في ذلك رغبتها في التخلص من الاعتماد طويل الأجل على الوقود الأحفوري.
و من ناحية أخرى، تريد الإمارات العربية المتحدة -التي لديها قطاع خاص أكثر تطوراً- ضخ النفط الخام الآن عندما يكون الطلب مرتفعاً ، مع التركيز على تحول الطاقة.
أما بعد غزو روسيا لأوكرانيا ، قال السفير الإماراتي لدى الولايات المتحدة (يوسف العتيبة) في مارس / آذار 2022 إن الإمارات تريد زيادة إنتاج النفط وستضغط من أجل ذلك داخل (أوبك).
 وقال (بريدي): "الإمارات العربية المتحدة أغنى من السعودية على أساس نصيب الفرد ، لذا فإن المملكة العربية السعودية قلقة أكثر بشأن الأسعار قصيرة الأجل التي قد تَضر بالإنفاق الحكومي".
 أشرف ولي العهد الأمير (محمد بن سلمان) على حملة قمع شديدة للمعارضة في الداخل ، لكنه يسعى إلى بعض الإصلاحات الاجتماعية التي تحدث مرة واحدة في الجيل والتحويل الاقتصادي الذي رحب به العديد من الشباب السعودي.
و قال (بريدي) أيضاً إن ولي العهد - الذي يبلغ عدد مواطني دولته حوالي 18 ضعف عدد مواطني الإمارات العربية المتحدة - يعتبر أكثر حساسية بشأن أسعار النفط اليومية.
 و هناك مخاوف من أن يفقد الجمهور الثقة في (محمد بن سلمان) إذا انخفضت أسعار النفط. 
 واضاف (بريدي): "لا داعي للقلق بشأن هذا الامر على الامارات اطلاقاً".


•صدام وزراء النفط
 اختلف البلدان أيضاً اللذان يتنافسان الآن ليكونا قادة جيوسياسيين في المنطقة حول كيفية إدارة (أوبك +) ، وفقًا لما قاله اثنان من المديرين التنفيذيين للطاقة في الإمارات العربية المتحدة ومحللون لموقع Middle East Eye.
 "الإمارات العربية المتحدة تعتبر أوبك قوة لتحقيق الاستقرار في سوق النفط، كما أن لديهم مشكلة حقيقية مع الأسلوب السعودي.
و هذا يعني على وجه التحديد (عبد العزيز بن سلمان)، حيث اشار صراحة مسؤول تنفيذي في قطاع الطاقة في دبي لموقع Middle East Eye ، إلى وزير الطاقة في المملكة والأخ غير الشقيق لولي العهد.
و يقول الخبراء إن أسلوب الممثل البالغ من العمر 63 عامًا يتناقض بشكل حاد مع أسلوب نظيره الإماراتي البالغ من العمر 40 عامًا (سهيل المزروعي).
و قالت (وولد) أيضاً لموقع Middle East Eye: "كان يُنظر إلى المزروعي على أنه شاب مثير للجدل عندما تولى منصب وزير لأول مرة في عام 2013 ، لكنه كان فعالاً للغاية واكتسب نفوذاً كبيراً في أوبك" مشيراً بذلك إلى مهارة وزير الطاقة في مساعدة الإمارات للفوز و زيادة حصتها هذا الصيف.
إن لكل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية نظامان ملكيان لا يتسامحان مع أي معارضة سياسية ويحافظان على وجود أمني متعجرف؛ لكن الإمارات العربية المتحدة احتلت لنفسها مكانة كمركز محايد وآمن للأعمال.  
حيث قالت (وولد): "لا يريد الإماراتيون أن يُنظر إليهم على أنهم غير موثوق بهم".


•"ازدراء سعودي"
 النقطة المؤلمة الأخرى بين الدولتين الخليجيتين كانت نجاح الإمارات في جذب تجار النفط الروس الفارين من العقوبات الغربية. 
فقد أصبح ميناء الفجيرة الإماراتي مركزًا رئيسيًا لإعادة الشحن للنفط الروسي ، وتوافد تجار الطاقة الروس إلى دبي.
 و على الرغم من أن هذا قد خلق توترات مع الولايات المتحدة ، التي وصفت الإمارات بأنها "بلد التركيز" حيث تتطلع إلى قمع التهرب من العقوبات ، فقد عزز اقتصاد دبي ، وهي واحدة من سبع إمارات داخل الإمارات العربية المتحدة.
أضافت (وولد) قائلة: "و في غضون ذلك ، شهدت المملكة العربية السعودية -التي تدفع بالإصلاحات الاجتماعية لجعل نفسها أكثر جاذبية كمركز تجاري لمنافسة دبي- تدفقاً ضئيلاً للأجانب.
لذا يجب على السعوديين أن يدركوا أن الناس لا يريدون القيام بأعمالهم التجارية في المملكة العربية السعودية لأن لا أحد يريد العيش هناك."
وتسأل بشكل بلاغي: "ويحدث أنك تريد أن تخبر الروس أنه لا يمكنهم تناول الفودكا؟"  مشيرة بذلك إلى حظر السعودية للكحول. وأضافت " السعوديين يعتبرونها ازدراء".
 يقول محللون إن إحدى المجالات التي تقدمت فيها السعودية على المحللين الإماراتيين ، هي مع شركة النفط الوطنية أرامكو ، التي سعت بقوة للاستحواذ من أوروبا إلى الصين في مصافي النفط والإنتاج النهائي ، مثل البتروكيماويات.
 و توجد البوليمرات المكررة ومركبات النفط والغاز في كل شيء من الأسمدة والبلاستيك إلى منظفات الغسيل والورق والملابس.  
و من المتوقع أن تظل شهية العالم للبتروكيماويات قوية حتى مع تراجع الطلب التقليدي على الوقود.
 وقال (كاتونا) : "السعودية حققت دفعة كبيرة في إنتاج النفط والغاز المصب".
لذا تعمل شركة النفط الإماراتية المملوكة للدولة (أدنوك) الآن على تعزيز حضورها العالمي، وقدمت عرضًا لشراء شركة (كوفيسترو) الأوروبية لصناعة الكيماويات ، وعملاق البتروكيماويات البرازيلي (براسكيم) حسبما ورد.
 وقالت (أدنوك) يوم الجمعة إنها استحوذت على حصة 30% في حقل غاز أذربيجاني.
 وقال كاتونا: "أدنوك ترش المال لأنهم أدركوا أنهم تأخروا عن الحفلة مقارنة بأرامكو".
 حتى مع تحقيق الإمارات العربية المتحدة المكاسب في (أوبك +) والاستفادة من تخفيضات الإنتاج في المملكة العربية السعودية ، يقول المحللون إن الرياض من المرجح أن تحافظ على تفوقها في سوق الطاقة على صديقتها، وزيادة المنافسة.  
لذا تخطط المملكة لزيادة طاقتها الإنتاجية الهائلة إلى 13 مليون برميل يوميًا بحلول عام 2027.
 قالت (وولد): "هذا يمنحهم نفوذًا كبيرًا، و في أي لحظة يمكنهم إغراق سوق النفط، و هذا شيء لا يمكن لأحد فعله - لا الإمارات ولا حتى الولايات المتحدة - ".


التعليقات