أصبحت مهنة الصيدلة في اليمن تجارة رابحة يسيطر عليها الدخلاء على المهنة، ويتحكم بها أصحاب رؤوس الأموال، ويُستغَلّ فيها الصيدلاني الحاصل على شهادة علمية من قبل تجار الأدوية والطامعين في الربح على حساب صحة الناس، فلا فائدة للشهادة لمن لا يملك الخبرة، ولا فائدة لمن يملك ترخيص مزاولة المهنة لمن لا يملك رأس المال.
دفع ذلك الكثيرَ إلى ترك المهنة والعمل في مجالات أخرى، والبعض عمل على تأجير شهادته وترخيص المزاولة مقابل 30 إلى 50 ألف ريال، وأحيانًا يصل إلى 100 ألف، والبعض الآخر يعمل 12 ساعة في اليوم مقابل 90 ألف ريال يمني.
يريدون من يمتلك الخِبرة"؛ بهذه الكلمات بدأ أمجد سيف، حديثه عن رحلته في البحث عن عمل في إحدى الصيدليات في العاصمة صنعاء لمدة عام كامل، ولم يجد فرصة عمل. أمجد البالغ من العمر 25 عامًا، من أبناء محافظة تعز، وخريج قسم الصيدلة من إحدى الجامعات الخاصة في صنعاء، كان حلمه فتح صيدليته الخاصة لممارسة مهنته التي طالما عمل من أجلها عدة أعوام.
يتحدث أمجد لمنصة "خيوط"، عن الصعوبات التي واجهها في رحلته التي امتدت عامًا من الطواف على أبواب شركات الأدوية، حاملًا آماله في الحصول على وظيفة، لكن عالم الصيدلة في الواقع العملي مختلفٌ جدًّا عما تعلّمه في كتب الدراسة، حسب قوله.
ويقول: "فكرت في فتح صيدلية، وعرضت الفكرة على الأهل، لكن واجهتُ عدة صعوبات، منها: عدم توفر الموقع المناسب، وازدحام الصيدليات في المدينة، بالإضافة إلى غياب الدعم المالي الذي يمكّن من شراء كل الأصناف الدوائية وعرضها".
وتابع بالقول: "يسعى التجّار الذين يملكون رأس المال إلى استغلال الكثير من خريجي الصيدلة عن طريق إقناعهم بتأجير الشهادة والترخيص وفتح الصيدلية باسمه، مقابل مبلغ مالي يودع في حسابه شهريًّا، ويتراوح ما بين 50 إلى 100 ألف ريال يمني، ويتم عقد اتفاق بين الطرفين، أبرز بنوده: حضور مالك الشهادة والترخيص إلى المكان في حالة التفتيش من قبل مكاتب الصحة".
*بحسب الاستبيان الذي أجراه الصحافيان، تصل نسبة عدد الذين يوافقون على تأجير شهاداتهم الطبية مقابل مبلغ مادي شهري 14.3%، ونسبة عدد الذين يرون أن تأجير الشهادة الطبية أمر طبيعي 20%، معللين ذلك بأن معيار القبول في الصيدليات هو الوساطة بنسبة 42.9%، وليس الشهادة التي رأوا أنها تمثل 20% فقط للحصول على قبول في الصيدليات.*
ويؤكد قائلًا: "أعرف أشخاصًا وزملاء يعملون في الصيدليات منذ سنوات، ورغم ذلك عمدوا إلى تأجير شهاداتهم الخاصة بمزاولة مهنة الصيدلة لتجار يملكون رأس مال من أجل الاستفادة من العائد المادي الذي يدفعه التجار، والحصول على دخل إضافي دون أي متاعب".
ويختم حديثه بالقول: "الوساطة هي المعيار الذي يتم القبول به في الصيدليات ومخازن الأدوية، وإذا وجدت عملًا في مكانٍ ما، يشترط عليك إحضار ضمانة تجارية، بالإضافة إلى خبرة من خمس إلى ثلاث سنوات؛ مما يدفع البعض إلى ترك البحث عن عمل في مجال الصيدلة والعمل في مجالات أخرى".
الحاج ناصر، فضّلَ استثمارَ أمواله في فتح صيدلية كبيرة بعد أن استأجر شهادتين لصيدليَّين بمبلغ زهيد، مقابل أرباح طائلة يحصدها آخر كل شهر، ليقرر بعدها أن يكون صافي ربحه 100%، ليُدخِل ابنه جامعة أهلية- تخصص صيدلة، وبعد تخرجه لن يعود بحاجة إلى استئجار أي شهادة لمشروعه.
إعلانات ممولة
وخلال البحث عن ظاهرة تأجير الشهادات والتراخيص، وجدنا العديد من الإعلانات على مواقع التواصل الاجتماعي، يتضمن محتواها: مطلوب إيجار ترخيص دبلوم أو بكالوريوس صيدلة، مع وضع رقم التواصل، وإعلان آخر: "مطلوب ترخيص فتح صيدلية في صنعاء، للراغبين في تأجير الترخيص، التواصل على الرقم التالي".
لم نقف عند هذه الإعلانات، بل عمل مُعِدَّا التحقيق على التواصل ببعض الأشخاص الذين لهم معرفة بظاهرة التأجير، بصفتنا نبحث عن ترخيص للإيجار من أجل فتح صيدلية.
*الترخيص: هو الوثيقة الصادرة من الإدارة المختصة لتأسيس وتشغيل المنشأة الطبية أو الصحية الخاصة.*
إنّه ليس بالأمر السهل بالنسبة لمن يريد الحصول على ترخيص أو شهادة للإيجار، فأنت تحتاج أشخاصًا لهم معرفة بالسوق الدوائية وكيفية الاحتيال على القانون. وبعد البحث والتواصل، وجدنا أحد الأشخاص -الذين اشترط علينا عدم ذكر اسمه- لتأجير الترخيص بالإضافة إلى تأجير الشهادة، سألناه عن المقابل المادي، فردّ علينا قائلًا: 50 ألف ريال يمني شهريًّا، سواء للترخيص أو الشهادة. وحول كيف يتم التأجير، ردّ بالقول: هناك عقد بين الطرفين يتم التوقيع عليه، ومن أبرز الشروط دفع إيجار عام كامل.
في ذات السياق، تم التواصل مع أحد المكاتب المتخصصة في بيع العقارات الطبية والخدمات العامة، بعد أن وجدنا في صفحته إعلانًا مطلوبًا فيه ترخيصٌ للإيجار، عرضنا عليه ترخيص للإيجار، لكن المفاجأة كانت أنه طلب منا شهادة مزاولة المهنة والترخيص وبطاقة النقابة من أجل تأجيرها إلى أحد الأشخاص في محافظة عمران.
جميل القطابري، الذي يعمل مديرًا عامًّا للتخطيط والسياسات بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، يرى أن إقبال الطلاب على دبلوم الصيدلة بدل البكالوريوس يكمن في الحصول على فرصة عمل ولو براتب ضعيف في الصيدليات أو في المصانع التي انتشرت مؤخرًا بكثرة.
وفيما يتعلق بتأجير شهادة الصيدلة لأصحاب رؤوس الأموال، يقول القطابري: "أعتقد أنّ هذا الأمر كان سابقًا، لأن الحاصلين على مؤهل بكالوريوس صيدلة كان محدودًا جدًّا، وكان من شروط فتح صيدلية أن تكون باسم شخص حاصل على شهادة البكالوريوس، وهذا الشخص يتحمل كامل المسؤولية تجاه الجهات المختصة. وكذلك الحال كان مع الحاصلين على بكالوريوس مختبرات من جامعات حكومية أمّا الآن ربما الوضع قد تغير، ولا توجد لديّ معلومات عن استمراره أو أنه ازدهر عمّا كان سابقًا".
حملات موسمية
وفي 19 أكتوبر 2019، أعلنت وزارة الصحة العامة والسكان في العاصمة صنعاء، في مؤتمر صحفي، نتائجَ تقييم صيدليات العاصمة صنعاء، حيث أوضحت أنّ إجمالي الصيدليات التي تم النزول إليها: 1732 صيدلية؛ منها 1562 صيدلية تم تفتيشها، و170 صيدلية كانت مغلقة أثناء النزول، وصدر قرار ببقائها مغلقة حتى تقديم كل أوراقها المطلوبة إلى مكتب وزارة الصحة بالعاصمة.
وحسب نتائج التقييم، هناك 1335 صيدلية لا يوجد لدى ملاكها تراخيص مزاولة مهنة، و1122 صيدلية لا يمتلك الكادر العامل فيها تراخيص مزاولة مهنة، و199 صيدلية يعمل فيها كادر غير مؤهل، فيما بلغ عدد المخالفات 3603 مخالفات.
سلعة وجبايات
الحصول على الأدوية دون وصفة طبية، فتحَ الباب أمام الأوبئة والأمراض، فيمكنك شرح الأعراض لطفلك ثم يذهب إلى أقرب صيدلية، ليعود حاملًا بين يديه كيسًا من الدواء، بعد أن امتهن المهنة من لا يحق له ممارستها، وأصبح الهدف الأهم للجانِ الرقابةِ والتفتيش على الصيدليات والمخازن الحصولَ على الجبايات والمخصصات الشهرية.
أمين عام الجمعية اليمنية لحماية المستهلك، صالح غيلان، يؤكّد لمنصة "خيوط" أنّ "هناك بعض الجهات الإشرافية في مكاتب الصحة تنزل إلى بعض الصيدليات ولا يهمهم التفتيش، ما يهمهم هي المبالغ الشهرية أو المخصصات التي يحصلون عليها من الصيدليات.
على الرغم من أنّ الجمعية اليمنية لحماية المستهلك أرسلت رسائل ومذكرات إلى وزارة الصحة، والجهات الأخرى المختصة، بعدم منح التراخيص، ومنع تأجير الشهادات، فإن ذلك لم يغيّر شيئًا، ليصبح الدواء سلعة وليست خدمة.
إذ إنّ هناك الكثير من الصيادلة ومن الذين يحملون شهادة صيدلي، يقومون بتأجير شهاداتهم أو تراخيصهم، والبعض يذهب إلى المجلس الطبي، يستخرج الترخيص ثم يقوم بتأجيره، حتى صارت الصيدلة سلعة يعمل فيها أي شخص، وأصبح صرف الأدوية في أغلب الحالات، بدون وصفة طبية، بحسب غيلان.
حكايات
تتعدّد الشكاوى من قبل الصيادلة ومعاناتهم في الحصول على تراخيص فتح الصيدليات، بسبب الابتزاز الذي يقولون أن الوزارة تقوم به من خلال استغلالهم في دفع مبالغ مالية كبيرة للحصول على الترخيص.
بيع وتأجير الشهادة الطبية لغير المختصين بات رائجًا، إذ إن 57.8% أكّدوا سماعهم عن هذا الأمر، بحسب الاستبيان الذي أجراه الصحافيان.
يسرد علي الحمداني قصته عبر الفيسبوك، بالقول: "جلست أكثر من عام أذهب وأعود، خريج 2012 بتقدير جيد جدًّا، جامعة العلوم والتكنولوجيا، دبلوم سنتين، معي ترخيص مزاولة المهنة بعدما أخذوا مني مبلغ 100 ألف، وبعد ذلك أخبروني أنّ شهادتي غير مقبولة، وأنّ عليّ دفع رسوم. بالدولار درست في جامعة من أكبر جامعات اليمن، وفي النهاية يقول لي: الشهادة غير مقبولة!"، ويتساءل الحمداني: "لماذا تعطيني ترخيصًا للجامعة، وتمنحني ترخيص مزاولة مهنة إذا كانت شهادتي غير مقبولة؟!"، ويتفق معه زميله فتوان الأغبري: "صحيح؛ الترخيص كلّفنا 500 ألف مع المزاولة".
من جانبه، يقول زياد المحيا: "الترخيص يكلفك مليون ريال، هذا إذا عندك واحد معروف، ويعلم الله متى يسلمك، وسيستغرق فترة طويلة".
ولا يختلف عبدالله الحسام كثيرًا عن زملائه، حيث يقول: "أنا فتحت صيدلية، وكان طول الدكان 5.80م، ذهبت لأعمل لي ترخيصًا، تواصلت مع شخص وعدني بأنه سيقدم الملف ويحصل لي على الترخيص ولكن اتضح أنه مجرد مبتز يأخذ مني أموالًا بلغت أكثر من 150 ألفًا، بعدها ذهبت بنفسي وقدّمت ورقة فتح صيدلية للحصول على ترخيص، لكن ردهم كان أنّ الدكان ناقص 20سم، وكان ردّي: "أول ما يخرج المستأجر الذي بجانبي، سأستأجر المحل وأوسع الـ(20) سنتي، فأنا عندي بكالوريوس صيدلة وعندي مزاولة".
التضييق الذي يجري لاستنزاف أموال الصيدلي الراغب بالعمل، والمعوقات التي يعيشها تجعله يستسلم في النهاية، كما فعل الحسام، حيث أغلق الصيدلية وباعها بثمن بخس.
في سياق متصل، يعلق محمد أصلان: "جاءني مستأجر للترخيص، واتفقت معه على تحمل تكاليف المعاملات، وبالنهاية خسرت أكثر من مليون ريال، وتحملت 120 ألفًا".
بحسب الاستبيان الذي أجراه الصحافيان، تصل نسبة عدد الذين يوافقون على تأجير شهاداتهم الطبية مقابل مبلغ مادي شهري 14.3%، ونسبة عدد الذين يرون أنّ تأجير الشهادة الطبية أمر طبيعي 20%، معللين ذلك بأن معيار القَبول في الصيدليات هو الوساطة بنسبة 42.9%، وليس الشهادة التي رأوا أنّها تمثل 20% فقط للحصول على قبول في الصيدليات.
قصور واضح
د. محمد النزيلي، رئيس نقابة ملاك صيدليات المجتمع يرى أنّ المشكلة الكبرى هي في التحايل على تطبيق القانون؛ إذ إنّ القانون به مواد تنص على ضرورة وجود ترخيص لإدارة المنشأة الصحية والعمل بها، والعمل بغير ذلك يعد مخالفة متعمدة للقانون، سواء أكان طبيبًا ممرضًا أو صيدلانيًّا أو أي تخصص طبي، وكل هؤلاء تطرح بين أيديهم مسؤولية كبرى.
صاحب الشهادة يمكنه الحصول بها على ترخيص فتح صيدلية؛ وبالتالي يقوم الصيدلي بتأجير ترخيصه لشخص آخر، وهذه الظاهرة غير موجودة في كل دول العالم- فقط موجودة في اليمن. بعض الدول يمكن أن تسمح بتأجير الترخيص، ولكن ليس لأي تاجر، بل يتم تأجيرها لصيدلي مثله لديه رأس مال.
ويشرح النزيلي مسألة إيجار الترخيص بالقول: "لم ترد بأي قانون، وذلك ممنوع كون شروط المزاولة واضحة؛ بأن يكون من يقدم الخدمة حاصلًا على مؤهل لضمان حماية المريض من أي مخاطر".
ويشير إلى أنّ هناك قصورًا واضحًا من الجهات الرسمية في إدارة الرؤية الصيدلانية، وهذا القصور هو إهمال عدم وجود مختص، ويعدّ ذلك إهمالًا مقصودًا يجعل الصيدلاني متعثرًا وغير قادر على العمل في الصيدلية أو توظيف صيدلاني آخر.
من يعمل في الصيدلية يجب أن يكون صيدلانيًّا مرخصًا وليس طالبًا، ولكن لو تركها لصيدلاني غير مرخص أو تاجر أو غيره فهذه مخالفة كبيرة، ولا بد من التنويه بأهداف القوانين الصحية وشروط الترخيص القانونية.
ونوه لخلاف النقابة مع أشخاص في المكاتب، بعدم تطبيق القانون، كما ورد في المواد (4، 5، 6)، من قانون المنشآت الصحية الخاصة الصادر عام 1999، مضيفًا أنّ النقابة لا تستطيع منع أو تفعيل دور ضدّ متطفلي الصيدلة؛ كونهم يتمتعون بحماية مقابل جباية شهرية من متنفذي الصحة، لتبلغ غرامة كل مخالف 15000 ريال شهريًّا.
على الرغم من الأخطار التي تترتب على عشوائية الصيدليات اليمنية، لم يسمع 71.1% عن إغلاق صيدليات بسبب مخالفتها للمعايير، بحسب الاستبيان الذي أجراه الصحافيان.
وفي 21 أغسطس 2019، ذكرت نقابة ملاك الصيدليات أنّ قرابة 2800 صيدلانية عازفة عن العمل، بالإضافة إلى أكثر من 1600 صيدلاني يعملون في الترويج الدوائي، قرابة 1200 يعملون في دول الجوار، و400 صيدلاني من مختلف الدرجات يمارسون العمل الأكاديمي.
وتضيف النقابة 800 صيدلاني منخرط في العمل الحكومي الإداري، وأكثر من 100 يمارسون التصنيع الدوائي، هؤلاء مجملهم 5200 صيدلاني، بعيدون كل البعد عن الصيدلة المجتمعية. فأين الوزارات والتخطيط والتنمية من توظيفٍ أمثل وخدميّ للصيدلاني في صيدليات المجتمع التي تعج بـ"الدخلاء" والمهدّدة بالإفلاس؟!
وفي 29 أغسطس 2019، طالبت نقابة ملاك الصيدليات السلطات الصحية والمحلية في صنعاء، بإغلاق جميع الصيدليات والمخازن غير المرخصة، وقالت النقابة، في بيان، إنّ إجمالي عدد الصيدليات غير المرخصة في صنعاء بلغ نحو 800 صيدلية، فضلًا عن نحو 500 عيادة خاصة تمتلك صيدليات، وأنّ نحو 200 تاجر يبيعون الأدوية بشكلٍ مباشر للمرضى، ونحو 600 مخزن أدوية يبيع الأدوية من دون قيود.
أحمد محمد السباتي، عميد كلية الصيدلة- جامعة صنعاء، وأستاذ الصيدلانيات والصيدلة السريرية والمهنية، يرى أنّ المشكلة التي تواجه خريجي كلية الصيدلة هي نفس المشكلة التي تواجه أي خريج من الجامعة، الذي ينتقل من الحياة الدراسية إلى الحياة العملية والواقع الميداني الذي لم يكن يعمل له حسابًا، ولكن هناك ميزة كبيرة لمخرجات الصيدلة، وهي أنّ فرص العمل أمامه كثيرة، فنجد من ينتهي من الامتحانات النهائية في المرحلة الأخيرة من البكالوريوس يحتار فعلًا في الاختيار.
وغيرها من الأسئلة التي تدور في عقله، ويبدأ يسأل زملاءه القدامى ماذا عملوا ومن هو أوفر حظًّا في عمله بعد التخرج. ويضيف: "طبعًا نجد أن أكثر خريجي الصيدلة يتجهون ناحية العمل في التسويق الدوائي، وهذا أقصر طريق للخريج الذي لا يستطيع فتح صيدلية، مع أنّ هذا الاتجاه يحوّل خريج الصيدلة من دكتور صيدلي درس على مدى خمس سنوات كل الأدوية وكل ما يتعلق بالدواء، إلى مروج أو مسوق لصنف واحد أو اثنين أو لشركة ما، ويحاول أن يقنع الأطباء والصيدليات بالدواء الذي يروج له من أجل زيادة المبيعات للشركة التي هي مصدر رزقه، يحاول أن يقنع الآخرين بهذا الدواء حتى لو كان يعلم مخاطره وأضراره أو يعلم عدم فعالية هذا الدواء، وأن هناك دواء بالسوق أفضل منه، ولكنه يكون مضطرًّا ليقول خلاف ما يعلم من أجل لقمة العيش، وهذا مخالف أدبيات المهنة والقسم الذي أقسمه يوم التخرج".
ويؤكّد بأنّ الشهادات والتراخيص لا تؤجر؛ لأنّها تعطى لصاحب الشأن فقط، ولا يجوز تأجيرها مهما كان أو لأي جهة، لأنها تعطي صلاحية مهنية للشخص نفسه، ولا يمكن لغيره العمل بها.
مردفًا: "صاحب الشهادة يمكنه الحصول بها على ترخيص فتح صيدلية؛ وبالتالي يقوم الصيدلي بتأجير ترخيصه لشخص آخر، وهذه الظاهرة غير موجودة في كل دول العالم- فقط موجودة في اليمن. في بعض الدول يمكن أن تسمح بتأجير الترخيص، ولكن ليس لأيّ تاجر، بل يتم تأجيرها لصيدلي مثله لديه رأس مال ويريد فتح صيدلية أخرى، وفي جميع الأحوال حتى لو تم تأجير الترخيص يشترط أنّ من سيعمل في هذه الصيدلية يكون صيدليًّا (الصيدلي هو كل من يحمل درجة البكالوريوس في الصيدلة)، وهو المسؤول عن إدارة الصيدلة والمسؤول في الإشراف عن فنّي الصيدلة الذي يعمل بهذه الصيدلية، وهو المسؤول عن أيّ خطأ في صرف أي دواء مسؤولية كاملة أمام الله وأمام القانون".
ويشدّد السباتي على أنّ "المتضرر هو الصيدلي والمواطن؛ لأنّ التاجر الذي أجرئخريجي زراعة أو علوم أو تجارة للعمل في الصيدلية، وفي هذه الحالة يكون سببًا في بطالة صيدلي متخصص؛ والأخطر من هذا أنّ الذي سيصرف الدواء من الصيدلية ذات الترخيص المؤجر غير متخصص، وهذا سيؤدي إلى كوارث وأخطاء جسيمة قد تؤدي إلى أضرار بالغة على المرضى وعلى المجتمع، وقد حصلت عدة كوارث، مع العلم أنّ من حق الصيدلي المؤهل أن يصرف بعض الأدوية بدون وصفة طبية، وهذه الأدوية المسموح صرفها معتمدة من إدارة الدواء والغذاء الأمريكية، ولا يحق صرفها بدون وصفة طبية إلا للصيدلي، فما بالنا إذا صرفها شخص غير مؤهل؟!".
ملاك (اسم مستعار)، التي كانت تحلم منذ صغرها بأن تصبح دكتورة، أصبحت مع وقف التنفيذ، إذ سمح لها والدها بالدراسة الجامعية في المجال الطبي- قسم صيدلة، مع أنّها لم تكن تميل إلى تخصص الصيدلة، ولكن والدها كان له أبعاد أخرى، فما إن تخرجت حتى فتح صيدلية لأخيها قاسم (اسم مستعار) بشهادتها، وهي تم تزويجها ابن عمها، وقاسم الذي أكمل الثانوية بمعدل ضعيف أصبح هو الدكتور والمسؤول عن الصيدلية!
على الرغم من معارضة ملاك للفكرة، لم يصغِ لها أحد، أو يُعِر رأيها أيّ اهتمام.
الدكتور مصلح عباسة، الذي عمل مديرًا عامًّا للصيدلة والتموين الطبي بوزارة الصحة لمدة 33 عامًا، خدم المجتمع ولديه حكمان قضائيّان، يناشد الرئيس الالتفاتَ إلى فساد الصحة وحفظ هيبة الدولة عبر تطبيق القانون واحترام القضاء.
ويضيف عباسة: "فتح صيدلية خاصة ليست مجالًا من مجالات الاستثمار إطلاقًا. قيام الهيئة العليا للأدوية باستخدام المال العام في الاستثمار بفتح صيدليات خاصة، أمرٌ مخالف للدستور ومخالف للقوانين النافذة".
*بلغت نسبة عدد الأشخاص الذين يعتمدون على رأي الصيدلاني لوصفة طبيّة دون الرجوع لطبيب بسبب عدم امتلاكهم للمال 31.1%، كما ارتفعت نسبة الأشخاص الذين يشكّون في عمل الصيادلة غير المختصين بالصيدليات 40%، لتأتي نسبة عدد الأخطاء الطبية التي ترتكبها الصيدليات عند وصفها لأدوية 31.1%.*
ويؤكّد: "لدينا نحن الصيادلة اليمنيّين ثلاثة أحكام قضائية وأمر على عريضة، وجميعها تمنع فتح صيدلية داخل حرم المستشفيات الحكومية، وتمنع منح أي شخصية اعتبارية من فتح صيدلية خاصة لكون الصيدلية الخاصة حقًّا من حقوق الصيدلي دون سواه، وقد تم منع الشركة اليمنية لصناعة وتجارة الأدوية من فتح صيدلية تجارية داخل حرم المستشفى الجمهوري بأمانة العاصمة، كما تم منع إدارة هيئة المستشفى الجمهوري بأمانة العاصمة من فتح صيدلية تجارية خاصة داخل حرم المستشفى الجمهوري.
أما فتح صيدليات خاصة تجارية تبيع الدواء والمستلزمات الطبية، فهو عمل معيب وعمل مُخزٍ وعمل ضارّ وعمل مخالف للقوانين النافذة، وينتهك ويعتدي على الحقوق والمصالح المشروعة للصيادلة اليمنيين".
ويشير: "ترخيص فتح صيدلية خاصة تُمنح للصيدلي فقط دون سواه، ولا تمنح لأي مستثمر ولا تمنح لأي شخصية اعتبارية، والهيئة العليا للأدوية شخصية اعتبارية، والصيدلية الخاصة خدمة صحية وليست خدمة تجارية، والدليل على ذلك أن ترخيص فتح صيدلية خاصة تُمنح من وزارة الصحة فقط، ولا تمنح من وزارة التجارة والصناعة".
ووفقًا للمادة رقم (51) من قرار مجلس الوزراء رقم (132) لسنة 2004م، بشأن اللائحة التنفيذية للقانون رقم 60 لسنة 1999م، بشأن المنشأة الطبية والصحية الخاصة، فإنّ الصيدليات الخاصة ليست مجالًا من مجالات الاستثمار إطلاقًا.
المحامي عبدالرقيب حمود، يؤكّد أنّ تأجير الشهادات هو من أجل الحصول على ترخيص فتح الصيدلية، فلا يستطيع الحصول على الترخيص إلا من يحمل شهادة الطبيب أو الصيدلي، وكذلك المزاولة، وأن من يخالف ذلك يعتبر مخالفًا للقانون. ويتفق معه المحامي خالد الأكوع في ذلك، مضيفًا أنّ القانون رقم (26) لسنة 2002م، بشأن مزاولة المهن الطبية والصيدلانية، أقر عقوبة الحبس لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات أو غرامة مالية لا تقل عن 700 ألف ريال يمني لمن يدّعي أو يمارس مهنة الطب (علاجًا أو جراحيًّا أو مهنة الصيدلة من غير ذوي المهنة).
لص مجهول
الدكتور الصيدلاني عادل الجماعي يتحدث لمنصة "خيوط"، بالقول: "تأجير الترخيص لصيدلية يعني أمرًا واحدًا؛ أنّ مالك الصيدلية غير صيدلاني، وإلّا لكان هو بنفسه فتح الترخيص باسمه؛ لذلك يتسبب هذا غالبًا في ظلم للمريض وخيانة للأمانة العلمية والدينية، فعند تأجير الترخيص قد تحصل أخطاء وكوارث من الشخص غير الصيدلاني الذي أجرت له وأنت السبب فيها".
ويشير الجماعي إلى وجود ابتزازات كثيرة يتعرض لها أصحاب الصيدليات من قبل الهيئة العامة للأدوية، من خلال تشديدها على أمور سطحية جدًّا كوجود باب زجاجي أو بلاط إسباني في الصيدلية أو ميزان حرارة أو "لا بكوت" على أكتاف الصيدلاني متغاضين عن الأمور التي تضر المواطن، كأن يكون الشخص الواقف أمامه غير صيدلاني أو الدواء المقدم إليه مزورًا أو مهرَّبًا أو منتهيًّا أو وُصف له بطريقة خاطئة، كذلك ارتفاع تكاليف التراخيص والتجديد وغيرها من الأمور الرسمية يعتبر ابتزازًا، خصوصًا في ظل تدهور العمل بشكل عام وقلة الدخل.
وجود أطفال حتى تحت سن 15 سنة في الصيدليات يعد أمرًا كارثيًّا، فإذا كان مساعد الصيدلاني الذي درس سنتين لا يعتبر مؤهلًا للتعامل مع الدواء والمرضى، فبالتأكيد لن يكون ذلك الطفل مؤهلًا، وتعد تلك جريمة، فالوصف الطبي الخاطئ للأدوية أو بيعها يؤدّي إلى موت المريض، وبحسب الاستبيان الذي أجراه الصحافيان، فقد أكّدت 40% من نتائج الاستبيان أنّهم صادفوا أطفالًا لا يتجاوزون الـ18 عامًا يعملون في الصيدليات.
كذلك بلغت نسبة عدد الأشخاص الذين يعتمدون على رأي الصيدلاني لوصفة طبية دون الرجوع لطبيب بسبب عدم امتلاكهم للمال 31.1%، كما ارتفعت نسبة الأشخاص الذين يشكّون في عمل الصيادلة غير المختصين بالصيدليات إلى 40%، لتأتي نسبة عدد الأخطاء الطبية التي ترتكبها الصيدليات عند وصفها لأدوية 31.1%.
يتفق معه في ذلك أمين عام الجمعية اليمنية لحماية المستهلك، صالح غيلان، بشأن اعتماد بعض الأشخاص على توصيف الصيدلاني في صرف الدواء دون أي تشخيص أو فحوصات والنتيجة ملحوظة عند الجميع بتزايد عدد المرضى الذين يسافرون الأردن والقاهرة للتداوي من الأدوية التي تم تناولها هنا بوصفات طبية خاطئة، والسبب كذلك اشتغال غير المتخصصين في هذه المهنة، وحتى المختصون يعتبرون هذه المهنة تجارية بحتة، ولم يعد هناك من ينظم أو يشرف على هذه المهنة.
صعوبات ومشاكل
كما يرى الجماعي أنّ دخلاء المهنة ينافسون الصيادلة في لقمة عيشهم دون أي دراسة أو تعب، إضافة إلى مبالغ مالية طائلة تصل إلى 500 ألف ريال يمني للحصول على ترخيص، كذلك هناك جهات نافذة تقوم بفتح صيدليات داخل المستشفيات الحكومية وتضرب عمل الصيدليات الخارجية، كما استحدثت قوانين كثيرة في السنوات الأخيرة ضيقت كثيرًا على الصيادلة في عملهم كمتطلبات صعبة أو رسوم، إضافة إلى ضرائب قاتلة تؤثّر مباشرة في دخلهم الشهري كأصحاب صيدليات وتؤثر على محاولات التنافس لتخفيف أسعار الأدوية، إضافة إلى أنّ الشركات أصبحت تتلاعب بالأسعار، فتبيع بأسعار مختلفة للعملاء حسب قوتهم الشرائية، فيتضرر الصيدلي الصغير ويشتري بسعر مرتفع، ثم يضطر إلى أن يواجه الخسارة أو المشاكل مع المرضى بسبب وجود أسعار أقل عند آخرين أخذوا الدواء بثمن أرخص، والكثير من المشاكل؛ من انعدام الأدوية المهمة، إلى تقلب الأسعار، وصولًا إلى وضع البلد بشكل عام الذي ألقى بظله على الجميع.
حقائق البيانات
الصحافيان قاما بعمل استبيان قصير لمعرفة رأي المواطن اليمني حول أداء الصيدليات اليمنية لعينة عشوائية قوامها 45 شخصًا، فكانت نسبة عدد المرضى الذين لا يثقون برأي الصيدلاني في وصفة دوائية ويشترون الدواء فقط بوصفة طبيب، 44.4%.
كما أظهر الاستبيان نسبة عدد المصابين بمرض مزمن 86.7%، لتصل نسبة عدد الذين يشعرون بالرضا من أداء الصيدليات 37.8% فقط، بينما غير الراضين فتصل نسبتهم إلى 62.2%، لتحصل الصيدليات على تقييم ضعيف بنسبة 42.2%، وتأتي تلك المشكلة كون المواطن لا يتحقق عند شراء الدواء من هُوية الصيدلاني، فهم يذهبون بشكل مستعجل كما بيّن الاستبيان، فنسبة عدد الذين يذهبون باستعجال 51.1%، بينما يفضل 53.3% الشراء من صيدليات معروفة وعدم اللجوء للتحقق، كون ذلك ليس من اختصاصهم.
وفي الاستبيان الخاص بالصيادلة، لعينة من الصيادلة اليمنيين، قوامها 35 صيدليًّا؛ بكالوريوس 68.6%، ودبلوم 31.4%، لجامعات حكومية 25.7%، وجامعات خاصة 74.3%، تبيّن أنّ نسبة الذين بحثوا عن فرص عمل لدى صيدليات بعد تخرجهم فقط 45.7%، بينما البقية اكتفى بعدم البحث.
وجاء دور النقابة ضعيفًا وغير مجدٍ بنسبة 40% وفق تقييم الصيادلة، وكذلك نقابة ملاك صيدليات المجتمع 42.9%، مبدين عدم رضاهم عن الخدمات التي تقدمها وزارة الصحة والمجلس الطبي بنسبة 77.1%.