وسط جهود دبلوماسية للأمم المتحدة والسعودية لإنهاء الحرب في اليمن، يحد الحوثيون من وصول الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً إلى موارد الطاقة وعائداتها. يهدف الحوثيون إلى إضعاف نفوذ الحكومة المعترف بها على طاولة المفاوضات وتعزيز مواردهم المالية، مما يشير إلى أن مصلحة الحوثيين الأساسية في المفاوضات لا تتمثل في التوصل إلى تسوية، بل الاستفادة من المحادثات لتعزيز الأساس الاقتصادي لدولتهم الفعلية.. نفذ الحوثيون هذه الاستراتيجية بالتوازي مع المفاوضات مع الرياض، مؤكدين أنه في حين أن المحادثات الثنائية بين السعودية والحوثيين قد تكون قادرة على تهدئة الصراع على الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية، فإنها لن تكون كافية لبناء وقف دائم لإطلاق النار بين الفصائل اليمنية المتنافسة وإعادة بناء دولة يمنية موحدة في نهاية المطاف.
•استهداف موارد الطاقة وعائداتها
بعد وقت قصير من دخول الحوثيين محادثات بوساطة عُمانية مع المملكة العربية السعودية في أكتوبر 2022 بعد انتهاء الهدنة التي ترعاها الأمم المتحدة، شنوا هجمات بطائرات بدون طيار على ميناءين نفطيين في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها. ولم تتسبب الهجمات في أي ضرر للبنية التحتية، لكنها منعت ناقلات النفط الأجنبية من دخول الموانئ، مما أعاق صادرات النفط في وقت كانت فيه عائدات النفط للحكومة اليمنية ترتفع بسبب الارتفاع العالمي في أسعار الطاقة. منذ الهجمات، التي تقدر الحكومة أنها أسفرت عن خسارة مليار دولار في الإيرادات، زادت صعوبات الحكومة في دفع رواتب موظفي القطاع العام، مما أضر بمعنويات الجيش والشرطة.
كما يضغط الحوثيون على المستوردين لإعادة توجيه شحنات الطاقة من عدن إلى الحديدة، المدينة الساحلية الرئيسية المطلة على البحر الأحمر والتي لا تزال تحت سيطرة الجماعة، وبالتالي تحويل عائدات الجمارك من الحكومة. وفقاً لتقارير من مسؤولين حكوميين، حظر الحوثيون مؤخراً استيراد الغاز من مأرب التي تسيطر عليها الحكومة واستبدلوا الغاز المحلي بغاز طهي أغلى ثمناً يتم استيراده عبر ميناء الحديدة، مما زاد من الإجهاد المالي الحكومة. يسيطر الحوثيون على ما يقرب من ثلث أراضي البلاد، والتي تضم 70% إلى 80% من السكان.
•اقتصاد "الدولة" للحوثيين: الإيرادات القانونية وغير القانونية
يستخدم الحوثيون مصادر دخل قانونية وغير قانونية لضمان بقاء سلطة الأمر الواقع وإثراء قيادة الجماعة. خلص تقرير صادر عن فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة بشأن اليمن في فبراير/شباط إلى أن الحوثيين يدرون عائدات عن طريق تحصيل الضرائب والرسوم الجمركية، وكذلك عن طريق المطالبة بشكل تعسفي بالمال عند نقاط التفتيش، ومصادرة الأراضي والممتلكات والودائع المصرفية، والاتجار بالمخدرات على الأرجح. يتم تحصيل حوالي 70% من إجمالي الإيرادات الضريبية في اليمن، بما في ذلك الرسوم الجمركية، في الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون.
أحد مصادر الدخل الرئيسية للحوثيين هو بيع المنتجات النفطية المهربة في السوق السوداء في اليمن. بالإضافة إلى ذلك، زادت واردات النفط عبر ميناء الحديدة بشكل كبير بعد التوصل إلى هدنة إنسانية برعاية الأمم المتحدة في أبريل 2022، مما أدى إلى تحقيق إيرادات جمركية ثابتة للحوثيين، حسبما ذكرت الأمم المتحدة. في حين أن المجموعة لا تسيطر على حقول النفط والغاز في اليمن، إلا أن لديها طموحات لتطوير صناعة الطاقة. دعا مسؤولون حوثيون الشركات الأجنبية إلى الاستثمار في التنقيب عن النفط في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون وحذروا شركات النفط الأجنبية من التعامل مع الحكومة اليمنية. تشير الهجمات العسكرية المتقطعة للحوثيين ضد محافظة مأرب الغنية بالطاقة إلى أنهم لم يستبعدوا بعد الاستيلاء على حقول النفط والغاز. في غضون ذلك، تركز المجموعة على حرمان الحكومة اليمنية من عائدات الطاقة.
•المملكة العربية السعودية وفك ارتباطها العسكري في خطر
كما تضمن تقرير لجنة الأمم المتحدة "مصادر أجنبية" ضمن قنوات إيرادات الحوثيين. في حين أن إيران هي بالتأكيد من بين تلك المصادر، فإن الحوثيين لديهم محفظة متنوعة من مصادر الإيرادات ولا يعتمدون على إيران، مما يساعدهم على الاحتفاظ بالاستقلالية في صنع القرار. نظراً لأن الحوثيين حليف استراتيجي وليس وكيلاً لإيران، فإن التقارب السعودي الإيراني الأخير لن يكون كافياً لتحقيق وقف دائم للتصعيد في اليمن - على الرغم من أنه يقلل بالتأكيد من البعد الإقليمي للصراع.
لم يقتصر الأمر على أن اعتراف المملكة العربية السعودية الضمني بالحوثيين كمحاورين قد شجعهم على المطالبة بالمزيد من المفاوضات فحسب، بل إن حرب الإيرادات التي يشنها الحوثيون ضد الحكومة اليمنية المعترف بها تهدد الأهداف السعودية في اليمن. في الواقع، إذا نجحت الرياض في إبرام صفقة تركز بشكل ضيق على الأمن على حدودها الجنوبية، فقد تتعرض الاتفاقية للتهديد إذا مُنعت الحكومة اليمنية من الوصول الكامل إلى مواردها وعائداتها من الطاقة. من المرجح أن تجدد القوات الموالية للحكومة والجماعات المسلحة الجنوبية الاشتباكات إذا حاول الحوثيون حرمانهم من عائدات الطاقة، حيث سيؤدي ذلك إلى تآكل قدرة الدولة المتبقية للحكومة المعترف بها ويهدد تطلعات الجنوب إلى دولة مستقلة. إذا اندلع القتال المتجدد، فمن المرجح أن تزيد الإمارات دعمها للقوات المناهضة للحوثيين: يحافظ الإماراتيون على روابط سياسية قوية مع القوات المحلية، وفي أواخر عام 2022، وقعت الإمارات واليمن اتفاق تعاون أمني وعسكري.
مثل دوامة التوتر هذه من شأنها أن تقلل من احتمالية وقف إطلاق النار الدائم (أو تمديد الهدنة) ويمكن أن تهدد أمن المملكة العربية السعودية. مع استمرار المملكة في دفعها نحو مخرج تفاوضي من اليمن، فكلما زادت التنازلات التي تقدمها في المحادثات، قد يكون هناك مجال أقل للمناورة تجاه الحوثيين. هذا الاحتمال، مع قدرته على الإسهام في إعادة تأجيج الاشتباكات العسكرية بين الأطراف اليمنية المتصارعة، يمكن أن يعرض للخطر استراتيجية الرياض الخاصة بفك الارتباط العسكري عن اليمن، إذا قدر السعوديون أن مخاطر القتال الدائر تفوق فوائد الانسحاب وفك الارتباط. تؤثر حرب الإيرادات التي يشنها الحوثيون على اليمنيين أولاً وقبل كل شيء، لكنها بعيدة كل البعد عن كونها شأناً يمنياً فقط.