“الاستسلام لهذه السلطة بقمع البهائيين يعطيها الموافقة الضمنية بقمع كل عقيدة أو صوت معارض لها”.
ما إن تهدأ صرخات الأقلية البهائية في اليمن بالتنديد بالانتهاكات وحملات القمع والتنكيل التي تمارسها جماعة أنصار الله (الحوثيين) في اليمن ضدهم، حتى تبدأ حملة حوثيّة جديدة تستهدفهم، وهذه المرة استهدفت تجمعاً في منزل أحد نشطاء الطائفة البهائية، لينتهي الأمر بما لا يقل عن 17 شخصاً بينهم 5 نساء، إلى المعتقلات و”الإخفاء القسري”، في تطور هو الأحدث في سلسلة الحملات والاعتقالات التي تستهدف البهائيين في البلاد.
أوضح بيان صادر عن “الجامعة البهائية العالمية” وهي منظمة حقوقية تعنى بشؤون الاقلية البهائية في اليمن وصل “درج” نسخة منه، أن مسلحين حوثيين شنوا “مداهمة عنيفة”، في 25 أيار/ مايو، واستهدفوا “تجمعاً سلمياً”، حيث كان “مجموعة من البهائيين في لقاء في أحد منازلهم يجتمعون لاختيار من يرعى شؤونهم الإنسانية والمجتمعية”، الأمر الذي وصفته الجامعة بأنه “انتهاك واضح لحرية الدين أو المعتقد وحق التجمع وإدارة الشؤون الدينية والمجتمعية كأحد حقوق الإنسان بموجب المواثيق الدولية”.
ممثل مكتب الشؤون العامة للبهائيين في اليمن د. نادر السقاف يقول لـ”درج” إن “سلطات الأمر الواقع الحوثية في صنعاء إلى الوراء، حيث تضاعف وتيرة اضطهادها للأقليات الدينية”، ويضيف “انتهك الحوثيون حقوق البهائيين وغيرهم، مراراً وتكراراً، ويجب أن يتوقف ذلك الآن”.
•مراقبة اتصالات البهائيين
أشار السقاف إلى أن ” الطريقة التي حدثت بها المداهمة، توضح أن الحوثيين كانوا يراقبون اتصالات البهائيين في الاجتماع، وأنهم خططوا لتعطيل الاجتماع الذي كان من المقرر تشكيله وهدفه اختيار من يرعى الشؤون الإنسانية والمجتمعية للبهائيين في اليمن”، كما يكشف عن أن المسلحين جاءوا ملثمين، ووصلو “في بداية الفعالية، وهم يعرفون التاريخ والوقت وعدد الأشخاص الذين كانوا هناك حيث أتوا مع عدد كاف من الحراس المسلحين- رجال ونساء – ليتمكنوا من السيطرة على جميع الحاضرين”.
تحدثت منظمة “هيومن رايتس ووتش” مع شخص شهد اقتحام الاجتماع عبر “زووم” وكان سجل جزءاً من الحادث، وبعد ذلك شارك المجتمع البهائي الدولي مقطع الفيديو على Twitter. قال الشاهد في مقابلة لـ”هيومن رايتس ووتش” إنه بعد نحو 15 دقيقة من الاجتماع، بينما كانوا ينتهون من التعارف، سمع فجأة دوياً “مثل باب يُطرق” ثم كان صراخ في الخلفية.
بحسب الشاهد فإن الأشخاص في الاجتماع بدوا خائفين ووقفوا، ثم دخل أربعة رجال مسلحون يرتدون زي الحوثي ، ودفعوا الناس إلى داخل الغرفة ومنعوهم من المغادرة.
“سمعت أصوات صراخ وبكاء في الخلفية. رأيت وجوههم … أصيبوا بالصدمة وقام بعضهم برفع أيديهم تلقائيًا “. بعد ذلك بوقت قصير، قام أحد الرجال الحوثيين على ما يبدو بإغلاق الكمبيوتر المحمول، ولم يعد الشخص الموجود على Zoom قادراً على رؤية ما كان يحدث بحسب بيان “هيومن رايتس ووتش”..
وفقاً للجامعة البهائية الدولية، تم اعتقال جميع الأشخاص السبعة عشرة وطردهم. لم تستجب سلطات الحوثيين لطلبات عائلات الضحايا للحصول على معلومات حول مصير ذويهم، ما يرجح أنهم تعرضوا للاختفاء القسري.
الأحداث الأخيرة هي جزء من نمط مستمر من اضطهاد الحوثيين للبهائيين. وكان زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي قد ألقى خطابا عام 2018 وصف فيه البهائيين بـ”الكفار” وحث اليمنيين على الدفاع عن بلادهم من “البهائيين وأفراد الأقليات الدينية الأخرى”.
عمد الحوثيون بشكل منهجي الى اعتقال وإخفاء البهائيين وإجبارهم على المنفى بحسب شهادات وتقارير موثقة. في عام 2016 ، داهمت سلطات الحوثيين مؤتمرا تعليميا للبهائيين في صنعاء واعتقلت أكثر من 60 رجلاً وامرأة وطفل. لاحقاً، في 2018، اتهمت سلطات الحوثي 24 شخصاً، 22 منهم على الأقل من البهائيين، بالتجسس والردة في محكمة يديرها الحوثيون من دون مراعاة الأصول القانونية.
عام 2020، أطلق الحوثيون سراح 6 بهائيين احتُجزوا ظلماً لسنوات، لكنهم أجبروهم على خيار المنفى.
يشير السقاف إلى أن هذه المداهمات قد تكون الأولى ضمن سلسلة من الإجراءات التعسفية التي تحاول الأجهزة الأمنية عبرها استهداف البهائيين في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون.
مكتب الجامعة البهائية في اليمن أكد لـ”درج”، أن هذه التطورات شكلت تصعيداً حاداً للنمط المنهجي للممارسات الذي تقوم به السلطات في صنعاء لقمع البهائيين اليمنيين، والذي “لم يتوقف منذ سيطرة الحوثيين على صنعاء إلى يومنا هذا – وهو نمط شمل الاعتقال الجماعي في آب/ أغسطس 2016 لأكثر من 60 من النساء والرجال والأطفال المشاركين في تجمع تربوي وتعليمي نظمه البهائيون”.
ذكر المكتب ايضاً بـ”أمر الاعتقال الذي صدر في نيسان/ أبريل 2017 بحق أكثر من عشرين عضواً بارزاً في المجتمع البهائي اليمني وما تلاه من اعتقالات للعديد من البهائيين، بمن فيهم أعضاء في المؤسسات البهائية؛ وإعلان المحكمة في كانون الثاني/ يناير 2018 بشأن إعدام السيد حامد بن حيدرة علنًا/ تعزيراً”.
•النفي القسري
شهد عام 2020 واحدة من أشهر حوادث النفي القسرية في اليمن، إذ أفرجت الجماعة عن عدد من نشطاء الطائفة البهائيّة، أبرزهم حامد حيدرة ،تحت ضغوط دولية مكثفة، إلا أن الإفراج بقي مشروطاً بمغادرتهم الفورية على متن طائرة خاصة، بإشراف من الأمم المتحدة، التي توسطت في العملية.
سبق أن نددت “أمنيستي” عام 2021 في تقرير لها بممارسات الحوثيين والاعتقالات التعسفية والنفي القسريّ الذي تمارسه بحق المعتقلين المفرج عنهم، إذ تشير الشهادات في التقرير إلى عمليات ترصّد ومراقبة بهدف خطف البهائيين، إذ نقرأ في التقرير شهادة على لسان أحد المعتقلين عام 2017 جاء فيها:
“قبل القبض علي بأسبوع استدعاني مكتب النيابة العامة للاستجواب، لكنني لم أذهب بناء على نصيحة محاميّ. وذات يوم كنت سائراً في الطريق عندما بدأ رجلان يرتديان الزي المدني السير بجواري. كانا يعرفان اسمي. وفجأة دفعاني إلى داخل عربة فان. سألتهما من أنتما؟ فأجابني أحدهما أنه من الإسلاميين، ففزعت لأنّني ظننت أن تنظيم القاعدة اختطفني، لكن الثاني صححه قائلاً إنهما من قوات الأمن، أخذاني بعدها إلى مبنى مكتب الأمن السياسي في صنعاء”.
•الوصاية مرفوضة
يشدد الباحث والحقوقي اليمني د. محمد المحفلي في حديثه لـ”درج” على أن أي وصاية على معتقدات الناس وإيمانهم، أمر مرفوض ويضيف: “الأمر أشد حين ترتبط هذه الوصاية بالقمع والسجن والتعذيب ومصادرة الحريات”، يشير أيضاً إلى إن اعتقال مجموعة من البهائيين اليمنيين “يؤكد أننا ما زلنا نعيش حقب العصور المظلمة التي يدعي فيه مجموعة من البشر حقهم الإلهي في اختيار الإيمان الأمثل للناس”.
يختم حديثه قائلاً: “فيما تتحدث البشرية عن التعايش والحرية والتسامح، تثبت لنا هذه الأحداث كم أننا معزولون خارج سياق التطور البشري”، ويشير إلى أن “كل إنسان حر يرفض مثل هذه التصرفات ليس دفاعاً عن حريات المعتقد فحسب، بل حماية عن قيمة الحرية ذاتها”، إذ إن “السماح للأنظمة القمعية والثيوقراطية بالتدخل في إيمان الناس وعقائدهم سوف يعطيهم السلطة اللازمة لتمرير أي معتقدات أو أفكار أو أيديولوجيات خاصة بهذه السلطة من أجل أهداف سياسية”، كما أن “الاستسلام لهذه السلطة بقمع البهائيين يعطيها الموافقة الضمنية بقمع كل عقيدة أو صوت معارض لها”.