يعاني المسلمون في جميع أنحاء المعمورة ارتفاع أسعار المواد الغذائية هذا العام في رمضان أكثر من أي عام سابق، وسيتجهون في بعض الدول إلى شراء أرخص اللحوم وبقايا الطعام للإفطار، كما لن تكون هناك ملابس جديدة لأطفالهم، ومع ذلك، يمكن لهذه لأزمة أن تقرب أواصر الصلات داخل هذه المجتمعات.
يقول تقرير لموقع الجزيرة الإنجليزية(Aljazeera.com) -الذي أعدته فيديريكا مارسي- إن أسعار الغذاء والطاقة ارتفعت في جميع أنحاء العالم بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا، والتأثيرات المستمرة لوباء كوفيد-19، والأحداث المتعلقة بتغير المناخ التي تؤثر على الاقتصاد العالمي.
ومع ذلك، أشار التقرير إلى أن بلدان الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا، حيث تعيش الغالبية العظمى من مسلمي العالم، ستكون من بين الأكثر تضررا من ارتفاع الأسعار ونقص الإمدادات الرئيسية.
يقدر برنامج الأغذية العالمي أن 349 مليون شخص في 79 دولة كانوا يعانون انعدام الأمن الغذائي الحاد عام 2022، وليس من المتوقع أن يتغير هذا الرقم كثيرا عام 2023.
•نصف نفقاتهم على الطعام
ونقل التقرير عن الخبيرة الاقتصادية في برنامج الأغذية العالمي فريدريكه غِريب قولها إن ارتفاع أسعار المواد الغذائية يجبر العائلات على خفض النفقات على السلع والخدمات الأخرى، مضيفة أن الفقراء ينفقون أكثر من 50% من دخلهم على الطعام.
اقتصادات منطقة الشرق الأوسط، عموما، تأثرت أيضا بعوامل محلية، مثل الحروب والجفاف والكوارث الطبيعية الأخرى. فأكثر من 90% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر اليوم، بعد 12 عاما من بدء الحرب الوحشية في ذلك البلد. ومن المتوقع أن تتفاقم أزمة تكلفة المعيشة في أعقاب الزلازل المميتة الشهر الماضي، حيث بلغ معدل التضخم في تركيا 55%.
وفي مصر، ارتفع معدل التضخم بشكل حاد، وبلغ تضخم أسعار المواد الغذائية في أكبر دول الشرق الأوسط من حيث عدد السكان 61.8% الشهر الماضي. وقالت غِريب إنه بمجرد أن يتجاوز تضخم أسعار المواد الغذائية 15%، سيؤثر ذلك بشكل كبير على النفقات الأخرى، بما في ذلك المسكن والصرف الصحي والنقل. وتشير بعض التقارير إلى أنه حتى شراء فوانيس رمضان التقليدية قد تضرر.
•لبنان الأكثر معاناة
ومع ذلك، لا توجد دولة في المنطقة تعاني أزمة التكاليف المعيشية الشديدة مثل لبنان، الذي يمر عامه الرابع بأزمة اقتصادية وسياسية واجتماعية عميقة، بينما يستضيف أكبر عدد من اللاجئين بالنسبة للسكان في العالم، وكسرت نسبة التضخم فيه حاجز الـ100 (123% يناير/كانون الثاني الماضي). ولن يتمكن 80% من اللبنانيين من تحمل تكلفة وجبة الإفطار المسائية التقليدية، وفقا لمنظمة المعونة الأميركية للشرق الأدنى وهي مؤسسة خيرية بارزة تعمل في لبنان.
ونقل التقرير عن باتريشيا خضر -المتحدثة باسم منظمة "كير" لبنان غير الربحية- قولها إن الناس يتأقلمون عن طريق تغيير أنماط مصادرهم الغذائية، إذ أصبحوا يذهبون إلى البقالات نهاية اليوم لشراء بقايا الطعام، وإذا لم يتلقوا مساعدات غذائية، فإنهم يقترضون الأرز من الجيران.
•باكستان وإندونيسيا وبنغلاديش
ومثل هذا الواقع، يقول التقرير، نجده في باكستان، حيث تضررت الأسر في جميع أنحاء البلاد التي يزيد عدد سكانها على 200 مليون شخص، فالشهر الماضي بلغ ارتفاع معدل التضخم رقما لم يبلغه منذ نصف قرن، بسبب العوامل العامة في العالم، وكذلك نتيجة الفيضانات المدمرة والفوضى السياسية.
فمن جهته، قال الخبير الاقتصادي ساكب شيراني، الذي يقيم في العاصمة إسلام آباد، إن الأرقام الحكومية تشير إلى أن القوة الشرائية للمواطن الباكستاني العادي تآكلت بأكثر من 40% خلال العام الماضي.
وفي إندونيسيا، التي تضم أكبر عدد من المسلمين في العالم، وجدت دراسة جديدة أن 70% من المستهلكين من الجيل الذي يتراوح عمره بين 8 و23 سنة يخططون لإنفاق أقل على التسوق في رمضان هذا العام، مقارنة بالعام الماضي.
وفي غضون ذلك، ظل معدل التضخم في بنغلاديش يحوم دون 9% بقليل، وهو مستوى لم تشهده البلاد منذ عقد من الزمان. وبالنسبة لأكثر من مليون لاجئ من الروهينغا الذين فروا من ميانمار ويعيشون في بنغلاديش، فإن البقاء على قيد الحياة يبدو أكثر صعوبة، حيث أعلن برنامج الأغذية العالمي عن خفض ميزانيته الغذائية لهم بالتزامن مع موسم رمضان.
•الفقر المدقع
وفي كينيا، يعيش 17% من سكان البلاد في فقر مدقع، لكن معدل التضخم الذي ثبت بعناد فوق 9% منذ سبتمبر/أيلول الماضي يفاقم من مشاكل معظم الكينيين. وقال نغاو رئيس المجلس الاستشاري الوطني الكيني المسلم (جماعة مجتمعية) إن العديد من الكينيين غير قادرين على الحصول على 3 وجبات في اليوم، لأن السلع باهظة الثمن.
وأشار التقرير إلى نزول المتظاهرين إلى شوارع العاصمة نيروبي وعدة مدن أخرى الأسبوع الماضي للاحتجاج على ارتفاع تكلفة المعيشة، في أول اندلاع كبير للعنف السياسي في الدولة منذ تولى الرئيس وليام روتو السلطة قبل 6 أشهر.
وقال نغاو لن يتمكن كثير من رجال الأعمال المسلمين من إخراج الزكاة هذا العام، وهناك مزيد من الأخبار السيئة.
•الإفطار بالمساجد بدلا من المنازل
وفي الوقت نفسه، في جنوب أفريقيا، قد تؤدي أزمة تكلفة المعيشة في الواقع إلى تقريب الناس من بعضهم بعضا خلال شهر رمضان، إذ قال الشيخ مجمع صفوان ساسمان، وهو مسؤول كبير في مجلس القضاء الإسلامي في كيب تاون (هيئة من القادة المسلمين)، إن مآدب الإفطار الجماعية أصبحت منتشرة، وأصبح تناول الإفطار في المساجد بدلا من المنازل أمرا شائعا.
وأضاف ساسمان أن جمعية مراقبي الهلال، التي كانت تعد 200 سلة غذائية خلال شهر رمضان في السنوات الماضية للأسر الفقيرة، ستقوم الآن بإعداد 350 لمواكبة الطلب المتزايد.
•أميركا وبريطانيا أيضا
ولم تستثن أزمة الغذاء المجتمعات المسلمة بالدول الغربية. ففي الولايات المتحدة، أعلنت مدينة نيويورك أنها دخلت في شراكة مع جمعيتين خيريتين إسلاميتين لتوزيع 7500 وجبة إفطار مجانية على العائلات المحتاجة خلال شهر رمضان.
وفي بريطانيا، قال الرئيس التنفيذي للمؤسسة الوطنية للزكاة الخيرية سهيل حنيف إنه لم ير المجتمع البريطاني المسلم من قبل بمثل هذه الأزمة في تكلفة المعيشة "إنها الأسوأ"، إذ تضاعف إجمالي الطلب على تلقي الزكاة هذا العام مقارنة بعام 2021.
وأشار التقرير إلى أن أسعار المواد الغذائية ارتفعت في المملكة المتحدة بأسرع معدل منذ أكثر من 40 عاما، وبلغ معدل التضخم في المواد الغذائية والمشروبات غير الكحولية 16.8% يناير/كانون الثاني الماضي، وارتفعت أسعار الكهرباء بنسبة 66.7% وأسعار الغاز بنسبة 129.4% خلال 12 شهرا حتى يناير/كانون الثاني الماضي.