في المشهد الختامي لفيلم الدار البيضاء عام 1942، يخرج همفري بوجارت في الضباب مع عدوه العرضي بينما يخططون لخطوتهم التالية معاً، ويقدم الجملة الكلاسيكية الآن: "لويس، أعتقد أن هذه هي بداية صداقة جميلة".
الاتفاق السعودي الإيراني الأخير الذي توسط فيه مسؤولون صينيون وأعلن للعالم في 10 مارس / آذار ليست نفس اللحظة تماماً، وليست بالضبط بداية شراكة مزدهرة، ومع ذلك، فهو يمثل بداية فصل جديد في الصراع والدبلوماسية في الشرق الأوسط.
وفي تقييم واقعي للاتفاقية، أكد وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان آل سعود أنها لا تعني أن جميع الخلافات بين البلدين قد تم حلها. إلى الحد الذي ظهرت فيه تفاصيل الاتفاقية، تبدو أشبه باتفاقية عدم اعتداء أكثر من كونها قائمة مفصلة من الحلول للقضايا والخلافات التي تحتاج القوتان الإقليميتان إلى حلها من أجل تقليل التوترات بينهما حقاً. هناك خلاف بين السعودية وإيران حول لبنان وسوريا والعراق والبحرين، وأخيراً وليس آخراً، على اليمن، حيث كانت المنافسة بينهما الأشد، وحيث الرهانات الاستراتيجية ربما تكون الأعلى بالنسبة لكليهما، وللسياسة الخارجية للولايات المتحدة.
* الآثار الفورية
إن وجود وثيقة مكتوبة موقعة بين إيران والسعودية يؤكد النية الجادة من جانب البلدين لبدء فصل جديد في علاقتهما، فصل يقوم على الاحترام المتبادل لسيادة الطرف الآخر وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخر وشؤون الدول الأخرى. ستكون النتيجة الملموسة الأولى للاتفاقية تبادل السفراء لأول مرة منذ إغلاق السفارتين في الرياض وطهران عام 2016. دون الإشارة إلى التوترات الإقليمية عامة، ومع ذلك، لم يتجاوز الوعد بتعزيز السلام والتعاون الإقليميين، على أساس الاتفاقات السابقة بين البلدين في عامي 1998 و2001. والاجتماع المخطط له بين وزيري خارجيتهما له أهمية أيضاً، نظراً لأن الموقعين لاتفاق بكين كان كبار المسؤولين الأمنيين في البلدين وليس كبار الدبلوماسيين. وبحسب ما ورد دعا العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لزيارة الرياض.
على الرغم من أنه لا يشير إلى استيلاء على دور الولايات المتحدة ووجودها في الشرق الأوسط، فإن الدور المركزي للصين في إبرام الصفقة الإيرانية السعودية يمثل قفزة مؤكدة في الدبلوماسية الصينية العالمية، ويمثل وضع قدماً في باب دبلوماسية الشرق الأوسط. بالنسبة للصين، التي لها مصالح تجارية في كلا البلدين، فإن التوسط في الاتفاقية يوفر مزيداً من النفوذ على رأس ما تم تحقيقه بالفعل في اتفاقية 2021 لتبادل النفط الإيراني بالاستثمارات الصينية و35 صفقة جديدة مع المملكة العربية السعودية، والتي تم الاتفاق عليها خلال زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ للرياض في ديسمبر الماضي.
* التداعيات على اليمن
التقى الرئيس شي برئيس مجلس القيادة الرئاسية اليمني، رشاد العليمي، في ديسمبر 2022، مما يشير إلى اهتمام الصين بجهود السلام في اليمن، وكذلك الاستثمار في جهود إعادة الإعمار في اليمن، عندما تبدأ.
يتناسب هذا بشكل جيد مع سياسة الصين في إرساء الأساس لبناء النفوذ والدور المستقبلي لنفسها في سياسات الشرق الأوسط. وإذا أسفرت المحادثات السعودية الإيرانية المستقبلية عن اتفاق بشأن اليمن، فستكون الصين قد لعبت دوراً غير مباشر في تحقيق نهاية سلمية للصراع.
ومع ذلك، فإن تحقيق السلام في اليمن أمر معقد بما يكفي لأولئك المشاركين بشكل مباشر في العملية، ومن غير المرجح أن يشهد تدخلاً صينياً مباشراً في الوقت الحالي.
أصبحت عملية تحقيق السلام في اليمن أكثر تعقيداً مع مرور الوقت منذ بداية الحرب في عام 2015.
على الرغم من أن الانقسامات الداخلية الناجمة عن التأثيرات الخارجية أو تسببت بتفاقمها على الأقل، إلا أنها معقدة بما يكفي لتتحمل أي انسحاب محتمل للقوات الأجنبية. لا تزال هناك ثلاث روايات رئيسية تحيط بعملية السلام في اليمن، تحتوي كل منها على تعقيداتها الخاصة.
أولاً، إن رواية الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً هي نفسها إلى حد كبير تلك التي سادت في عهد الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي، كما ظهر في خطاب رئيس مجلس القيادة الرئاسي في الأمم المتحدة خلال تقرير مبعوث الأمم المتحدة الأخير لمجلس الأمن. تماشياً مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216، يرغب مجلس القيادة الرئاسي في استعادة "الحكومة الشرعية اليمنية" إلى مقر السلطة في صنعاء ونزع الأسلحة من الميليشيات، وخاصة من جماعة الحوثي، الموجودة حالياً في عاصمة البلاد. وهذا بالتأكيد يضع مجلس القيادة الرئاسي على مسافة ما من الحقائق السياسية والعسكرية على الأرض. تشير جميع المؤشرات إلى أنه لم يتم إبلاغ مجلس القيادة الرئاسي، ناهيك عن التشاور بشأن المحادثات بين السعودية والحوثيين أو بشأن الصفقة السعودية الإيرانية.
ثانياً، أصبح المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي، على الرغم من أنه ليس القوة الوحيدة المتنافسة على السلطة في جنوب اليمن، صوت المنطقة في الحوار الداخلي، وتحالف بشكل وثيق مع الإمارات العربية المتحدة، وأبدى رغبته في الاستقلال في أي محادثات سلام مستقبلية. نظر المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي كان ينتقد المحادثات السعودية الحوثية، بتشكك في الاتفاق الإيراني السعودي، خوفاً - مثله مثل مجلس القيادة الرئاسي وحزب الإصلاح الإسلامي - من أن الاتفاق قد يصب في مصلحة الحوثيين ويسمح لهم بالبقاء في السيطرة على شمال اليمن.
ثالثاً، الحوثيون، على الرغم من انفتاحهم على محادثات السلام مع مبعوث الأمم المتحدة هانز غرندبرغ، والمملكة العربية السعودية، وبشكل غير مباشر مع الولايات المتحدة، يصرون في تصريحاتهم الإعلامية والرسمية على أن هدفهم الأساسي يبقى "تحرير" اليمن من كل تدخلات خارجية والعودة إلى الدولة الموحدة، وهو هدف يتعارض مع مواقف المجلس الرئاسي والمجلس الانتقالي الجنوبي وعلاقاتهما الحالية مع السعودية والإمارات. كما أن الحوثيين لا يخجلون من إعادة تأكيد هويتهم كحزب ديني ذو مهمة إلهية - وهي رواية تثير القلق العميق بين القوات اليمنية والمواطنين غير الخاضعين لسلطتهم حالياً.
* القضايا ذات الاهتمام الفوري
حتى لو نجح التقارب الإيراني السعودي في تخفيف التوترات بين الرياض والحوثيين، فلا بد أن الظروف على الأرض ستظل غير متأثرة ما لم تتم معالجتها بشكل مباشر من قبل الفصائل اليمنية المعنية. تعز والحديدة ومأرب ثلاث مناطق صراع على الخطوط الأمامية بين الحوثيين والقوات المتحالفة ضدهم. جميع هذه الثلاث مناطق ذات أهمية حيوية، وبالتالي يصعب على أي جانب الاستسلام. مدينة تعز، على سبيل المثال، لاتزال تحت الحصار من قبل الحوثيين على الرغم من المناشدات العديدة من قبل الحكومة اليمنية والرياض والمبعوث الأممي غروندبرغ، وينظر إليها الحوثيون على أنها بوابة إلى الشمال ويجب أن تظل مغلقة لإحباط أي احتمال للهجوم على صنعاء. تجدد القتال في مأرب بعد فترة وجيزة من الاتفاق بين الرياض وطهران، وهو مؤشر على قلق الجانبين من أن أي تقارب بين القوتين الإقليميتين قد يتركهما في مواقع هشة عسكرياً حول المدينة الاستراتيجية.
ما وراء الخطوط الأمامية النشطة يكمن القلق بشأن خطوط الحياة الاقتصادية والاستراتيجية التي يحاول كل طرف من أطراف النزاع تأمينها لمستقبل غامض قد يترك فيه اتفاق السلام البلاد منقسمة. وبالتالي، يتطلع كل جانب إلى تأمين منطقة قابلة للحياة اقتصادياً وجغرافياً قبل فوات الأوان. ومن الأمثلة على ذلك مأرب وموانئ المكلا والحديدة، حيث يعتبر الأولان حيويان لإنتاج النفط وتصديره، والأخير حيوي كمنفذ للشمال إلى البحر واستيراد مختلف السلع والبضائع.
في غضون ذلك، منذ مشاركتها الأولية في حرب اليمن، أظهرت الإمارات العربية المتحدة بشكل متزايد أهدافاً استراتيجية منفصلة عن تلك الخاصة بالمملكة العربية السعودية. من ناحية، فإن احتلالها لجزيرة سقطرى ووجودها العسكري في جزيرة ميون دليل على رغبتها في السيطرة على الأصول البحرية الممتدة من دبي عبر البحر الأحمر وحتى شمال إفريقيا. بالإضافة إلى ذلك، فإن حقيقة أنها تمول وتدرب وتسيطر إلى حد كبير على القوات في جنوب اليمن يشير إلى اهتمام دائم بالحفاظ على نفوذ يتجاوز أي اتفاق سلام محتمل في البلاد. قد تؤدي هذه المصالح والطموحات إلى بقاء الإمارات خارج الاتفاق الإيراني السعودي، على الأقل فيما يتعلق بمستقبل اليمن.
* علامات إيجابية
على الرغم من كل العقبات التي لم يتم التغلب عليها بعد، فإن تلميح المملكة العربية السعودية إلى أنها ستكون على استعداد للاستثمار في المشاريع الاقتصادية والتجارية في إيران، إذا التزمت الأخيرة تماماً بالاتفاقية الجديدة، هو بالتأكيد علامة على جدية اهتمام المملكة بالتقارب مع إيران كخصم، وكذلك دعوة الملك سلمان للرئيس رئيسي لزيارة الرياض. في اليمن، أحدث إشارة إلى تحسن محتمل هي الإعلان الأخير للحوثيين والمجلس الرئاسي عن اتفاق لتبادل الأسرى يقال إنه سيطلق سراح ما يقرب من 900 فرد محتجزين حالياً من قبل الجانبين. ومع ذلك، يبقى أن نرى ما هو نفوذ إيران على الحوثيين، وبالتالي ما قد تكون قادرة على تقديمه فيما يتعلق بتنازلات الحوثيين للرياض وللحكومة اليمنية المعترف بها دولياً. إذا كانت التقارير حول استعداد إيران لوقف شحنات الأسلحة إلى الحوثيين كجزء من اتفاقية سلام دقيقة، فإن مثل هذا الموقف سيكون بالفعل تطوراً مهماً. ومع ذلك، قد يكون من السابق لأوانه معرفة ما إذا كان هذا مجرد تكهنات أو أكثر بقليل من تلميح من إيران أنه في مرحلة ما في المستقبل، وبشرط أن يبدو أن السلام في اليمن يتقدم، فقد تكون على استعداد للتوقف على الأقل عن نقل بعض شحنات أسلحتها الأكثر تقدماً إلى اليمن.
لا يزال يتعين رؤية دليل على أسس سلام حقيقي في اليمن، ولا يزال من الممكن أن يحدث الكثير داخل اليمن وفي المنطقة الأوسع لإبعاد قطار سلام حسن النية عن مساره. ومع ذلك، يمكن لإيران أن تضمن، على الأقل، ألا تهاجم صواريخ الحوثي الأهداف السعودية، وهو ما سيكون كافياً لإبرام اتفاق عدم اعتداء متبادل بين السعودية والحوثيين. يمكن أن يكون مثل هذا الاتفاق بمثابة حجر الزاوية لسلام أوسع في اليمن. بدلاً من ذلك، إذا لم تتعاون الإمارات العربية المتحدة ولم يضغط السعوديون من أجل اتفاقية أكبر، فإن مثل هذه الصفقة ستؤدي عندئذٍ إلى تقسيم شبه دائم لليمن، مع قيام كل من اللاعبين المتعددين بتأمين مصالح إقليمية و/ أو وطنية ضيقة، ولكن دون ضمان فوائد السلام الكاملة لشعب اليمن.