اليمن: “تحت القصف”.. العنف الأسري ضد النساء
يمن فيوتشر - مواطن- عبدالله علي: الأحد, 01 يناير, 2023 - 07:23 مساءً
اليمن: “تحت القصف”.. العنف الأسري ضد النساء

 خلال السنوات الماضية توسعت ظاهرة العنف ضد المرأة في اليمن؛ إذ تشكو النساء اليمنيات من التعرض للعنف الجسدي من قبل الأزواج والأهالي وسط غياب القوانين، وتقاعس السلطات المعنية في بلد احتلت المرتبة الأخيرة في مؤشر الفجوة بين الجنسين، الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي لمدة 13 سنة متتالية. 
وإلى جانب معاناة النساء من سوء التغذية، وعدم الحصول على الرعاية الصحية، والحرمان من الحقوق المشروعة، تتعرض المئات من النساء في اليمن للتعنيف، بنسبة تصل إلى 63%، بداية من اندلاع الحرب في البلاد قبل أكثر من سبع سنوات؛ حسبما يشير تقرير  منظمة هيومن رايتس ووتش.
وتدخل الحرب في اليمن عامها الثامن، والتي تسببت بمقتل مئات الآلاف من المدنيين ونزوح الملايين، فيما تصفه الأمم المتحدة بأسوأ أزمة  إنسانية في العالم.


•بين الحرب والعنف
في ظل اتساع دائرة العنف ضد النساء في اليمن ترى أستاذ علم الاجتماع بجامعة تعز الدكتورة انتصار الصلوي بأن: “الحرب أدت إلى تغير الكثير من السلوكيات الحياتية، وانعكست سلبًا على القيم والمبادئ والتعاملات المجتمعية، مشيرةً إلى أن الأوضاع المعيشية جعلت الإنسان أكثر عنفًا سوى بين أسرته أو مع أفراد المجتمع المحيط به”.
وأضافت الصلوي لـ مواطن: “ارتفعت نسبة الجريمة والعنف الأسري خلال السنوات الماضية؛ خصوصًا العنف الموجه ضد النساء؛ سواء من قبل أزواجهن أو أهلهن، لافتة إلى أن الحرب أنهكت الإنسان اليمني نفسيًا وصحيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وتعليميًا، وانعكست سلبًا على مختلف جوانب الحياة”. 
وخلال السنوات الماضية تضاعفت معاناة اليمنيين بمختلف المحافظات اليمنية الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي أو مناطق سيطرة الحكومة نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية، وانقطاع الرواتب الحكومية، وانعدام فرص العمل، وذلك بدوره انعكس سلبًا على الاستقرار الأسري، وساهمَ بتوسيع ظاهرة العنف الأسري بشكل غير مسبوق.
السيدة حنان سعيد، اسم مستعار لامرأة 35 عامًا، وهي أم لخمسة أطفال تعرضت للعنف الجسدي من قبل زوجها، حتى اضطرت إلى الفرار إلى منزل والدها، في حي الصافية في العاصمة اليمنية صنعاء. 
كرهت حنان الزواج وعاشت أسوأ أيامها طوال فترة عيشها في بيت زوجها؛ فمنذ أن تزوجت به قبل عشر سنوات كان لا يكاد يمر شهر من دون أن تتعرض للعنف الجسدي، لكنها كانت تصبر وتتحمل كل ذلك التعنيف خوفًا على أطفالها حتى نفذ صبرها وقررت الانفصال، حسب قولها.  
تضيف  حنان لـ مواطن “في ساعة متأخرة من الليل في يوليو / تموز 2020 أقدم زوجها على الاعتداء عليها بالضرب حتى سألت الدماء من رأسها، وهو ما جعلها تصل إلى قناعة تامة بأن الحياة معه لم تعد صالحة، وقررت الهروب إلى بيت أهلها وطلبت الطلاق، وظل والدها يتنقل في المحاكم حتى تمكن من إجبار زوجها على الطلاق”.
تلفت حنان إلى أنها وجدت نفسها تعيش بسلام في منزل والدها بعد قررت الانفصال عن زوجها، الذي كان يعنفها بشكل متواصل خصوصًا عقب توقف راتبه الحكومي في أيلول / سبتمبر 2016 على غرار مئات الآلاف من الموظفين الحكوميين المنقطعة رواتبهم في مناطق سيطرة الحوثيين. 
 ومع تفاقم الأوضاع المعيشية وانقطاع الرواتب الحكومية، تحملت بعض النساء عبء تأمين الغذاء لأفراد عائلتهم؛ خصوصًا في المناطق الريفية وسط  معيشة متدنية فرضتها الحرب التي تعصف بالبلاد منذ ثمان سنوات.


•مشكلة متجذرة
لا يقتصر تعنيف النساء في اليمن على الأزواج فقط؛ إذ تتعرض نساء للعنف من قبل أقاربهم وأهاليهم؛ إذ إن تعنيف النساء تعد مشكلة متجذرة في البلد الذي تحكمه العادات والتقاليد والتنشئة المجتمعية القائمة على مبدأ سلطة الرجل على المرأة. 
 الطفلة نسيبة قايد 15 عامًا تعرضت للعنف الجسدي من قبل شقيقها الأكبر، حتى كُسرت يدها اليسرى وظلت تعاني من الحادثة لفترة طويلة. تنحدر نسيبة من ريف محافظة إب الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي وسط اليمن، ويعمل والدها بالأجر اليومي في مدينة عدن جنوب اليمن، وشقيقها الأكبر يعمل سائق حافلة داخل المدينة، لكنه عند عودته إلى المنزل دايمًا يعتدي بالضرب على شقيقته من دون سبب مستغلاً غياب والده.
يروي أحد جيران نسيبة تفاصيل مأساوية حول تعرضها للضرب المبرح من قبل شقيقها، يقول لـ مواطن: “ذات مرة أقدم على ضربها بطريقة بشعة لافتًا إلى أنها كانت تصرخ بصوت مرتفع حتى يسمعها كافة جيران الحي”. 
ويرى المدافع عن حقوق الإنسان المتخصص في قضايا المرأة  ياسر المليكي بأن : “العنف الأسري مشكلة متجذرة في الإرث الثقافي والاجتماعي والديني، مشيرًا إلى أنه في اليمن أكثر تعقيدًا بسبب التقاليد القبلية والاجتماعية المحافظة والمتشددة تجاه المرأة، وهي راسخة في الوجدان الشعبي بفعل عوامل كثيرة؛ أبرزها السلطة الذكورية على المرأة في بيت أبيها، أخيها، زوجها، وحتى ابنها”. 
ويقول المليكي في ظل العادات والتقاليد القبلية المتشددة فإنه ليس عيبًا أن يضرب الرجل أخته، زوجته وحتى أمه، يمكن تقبل ضرب الابنه نوعًا ما، لافتًا إلى أن القانون جذر هذه المشكلة في سماحه بقتل المرأة حال وجودها بفراشه مع رجل آخر، وبالتالي سمح للرجل تعنيف المرأة تحت هذا السبب، مشيرًا بأنه أمر معيب في القانون ويشجع على العنف تجاه المرأة.
توافقه في الرأي أستاذ علم الاجتماع بجامعة تعز الدكتورة انتصار الصلوي قائلة: “النظرة النمطية والدونية والتنشئة المجتمعية القائمة على مبدأ سلطة الرجل على المرأة يعتبر من الأسباب الرئيسية وراء تعرض النساء للعنف الأسري، لافتة إلى التهميش والاحتقار المعتمد التي تتعرض له النساء في المجتمع اليمني والعربي”.
وأضافت الصلوي “عدم حصول المرأة على الفرص والموارد التي يحصل عليها الرجل؛ مثل التعليم والعمل والمساواة بينهما في الحقوق والواجبات وتغيبها عن مناصب صنع القرار جعل المرأة في موقف الخائف، وهو ما يجعلها عُرضةً للعنف”.


•عنف بلا حساب
مع غياب الدولة منذ أكثر من سبع سنوات لا تكاد تخلو يوميات اليمنيين من مشاهدات أو الاستماع إلى قصص وحكايات مؤلمة ومآسٍ حزينة لنساء تعرضن للتعنيف من قبل أزواجهن أو أهلهن  في مناطق سيطرة جماعة الحوثي المدعومة من إيران، أو مناطق سيطرة الحكومة المدعومة من السعودية والإمارات. 
وفي ظل غياب الدولة، وغياب دور المنظمات الحقوقية من الصعب الحصول على إحصائية دقيقة بعدد الحالات للنساء اللواتي يتعرضن للعنف؛ إذ إن غالبية الحالات لا يتم الإبلاغ عنها سوى بعض الحالات التي يتداولها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، وبعض وسائل الإعلام المحلية في البلاد.
تقول الصحافية اليمنية سماح عملاق  لـ مواطن: “تقاعس السلطات المعنية في البلاد من القيام بدورها في محاسبة منتهكي حقوق المرأة شجع الكثير من الرجال على الاعتداء على نسائهم، لافتة إلى ارتفاع نسبة الجريمة والعنف ضد النساء في اليمن بشكل لافت؛ خصوصًا عقب اندلاع الحرب”. 
يوافقها الرأي المليكي مؤكدًا: “لا توجد سلطة في اليمن تواجه هذا الأمر؛ فالعقلية الذكورية التي تهيمن على المؤسسات تتغاضى عن هذه الأفعال، وتترك الرجل وشأنه مشيرًا إلى أن دور منظمات المجتمع المدني يكاد يكون ضعيفًا ولا يتحرك إلا بتمويل، ويواجه بسلطة ذكورية أيضًا”. 
“محاربة ظاهرة العنف الأسري تبدأ من سن قانون صارم يجرم العنف تجاه المرأة، ويصون كرامتها والحد من تغول السلطة الذكورية”. هكذا ختم المليكي حديثه، فهل اليمن قادرة على فرض قوانين إلزامية تحمي النساء من العنف، في ظل تفشي العنف في جميع البلاد من نفس هؤلاء الرجال الذين يعنفون نسائهم؟.


التعليقات