اليمن: وقائع القصف الدامي على المدنيين.."لم يتبق جسد أو جثة مكتملة"
يمن فيوتشر - صفية مهدي: الخميس, 22 ديسمبر, 2022 - 02:25 مساءً
اليمن: وقائع القصف الدامي على المدنيين..

تسبق الإصابة صوت الانفجار، الذي لن يكون مسموعاً بالضرورة للضحية الذي سقط مغشياً عليه، كما حصل مع شاهد عيان وضحية، كتُبت له النجاة من سقوط قذيفة في مدينة تعز جنوبي اليمن، في 24 يناير/ كانون الثاني 2019، لكنها كانت قد قتلت فتاة في الـ15 من عمرها وجرحت 20 آخرين، إصابات 14 منهم خطيرة. 
في المحافظة ذاتها لم تترك قنبلة أخرى ناتجة عن قصف جوي، استهدف منزلاً، أي ناجين أو مصابين، كانوا داخل المنزل، بحسب شهادة أحد أفراد الأسرة، والناجي من غارتين جويتين وقعتا في الـ28 من يونيو/ حزيران 2019. 
الواقعتان اللتان تتجه الاتهامات في إحداهما، إلى قصف مدفعي منسوب لمسلحي جماعة أنصار الله (الحوثيين)، والثانية لطائرات التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات، هما حادثتان مأساويتان، من عدد كبير من الحوادث التي ذهب بسببها الآلاف من الضحايا المدنيين منذ سنوات. 
وينقل تقرير حديث صادر عن مواطنة لحقوق الإنسان (اليمنية) ومنظمة السلام الهولندية باكس في ديسمبر/ كانون الأول الجاري، رواية الشاهد في الحادثة الأولى، وهو سائق دراجة نارية يبلغ من العمر 20 عاماً، أصيب في طريقه عندما ضربت قذيفة هاون، منطقة الساحة بمديرية القاهرة في محافظة تعز.
يقول سائق الدراجة: 
"فجأة حدث ذلك الانفجار المخيف والنار. دفعَنا بعيدًا عن الدراجة النارية، التي بدورها انقلبت، وارتطمنا بالأرض. شعرت بأنّني قد أصبت، ورأيت الكثير من الدماء عليّ. ركضتُ وأنا أصرخ: ساعدوني! ثم أغمي عليّ مرة أخرى. لا أتذكر أيَّ شيء بعد ذلك، خرجت من وحدة العناية المركزة في اليوم الثالث بعد الحادث". 
وحسب التقرير "يتّهم شهود العيان والضحايا جماعة أنصار الله (الحوثيين) بارتكاب هذه الواقعة، حيث كانوا متمركزين على بعد 800 متر، شمال الموقع المستهدف. وبالاستناد إلى بقايا القذيفة، تم التعرف عليها بأنّها قذيفة هاون عيار 120 ملم”.


•قصف جوي يحول منزلًا إلى أشلاء
في تعز نفسها، لكن هذه المرة في مديرية خدير، كان ستة مدنيين بما فيهم أطفال، يتواجدون في منزل، عندما ضربته غارة جوية في 28 يونيو/ حزيران 2019، أعقبتها أخرى. يوثق التقرير شهادة أحد أفراد الأسرة الناجين "لم يتبقَّ جسدٌ أو جثة واحدة مكتملة، سواء من الضحايا البالغين أو الأطفال. ولم يكن هناك ناجون أو مصابون. ولم يتم العثور حتى على نصف مكتمل لجثة واحدة بين القتلى”.
يقول الشاهد "عادت الطائرة الحربية، وسمعنا صوت تحليقها القوي بعد الضربة الأولى، لكنّنا لم نتمكن من رؤيتها. بدأنا نركض خارج المنزل، بينما استمرّ صوت تحليقها في السماء، وخرج من تبقى من أفراد الأسرة، زوجات إخواني وأطفالهن، وهم يبكون ويصرخون بشكل هستيريّ وخارجٍ عن سيطرتهم. لم يعد بداخل المنزل سوى أشلاء أسرتي التي استهدفتها الضربة الأولى".  صور الموقع وبقايا الأسلحة، كما يوثقه تقرير مواطنة وباكس، تشير إلى أنّ الوزن التقديري للذخيرة المستخدمة كان (250-500) كجم.


•10 وقائع موثقة بين مئات مماثلة 
يوثق التقرير، عشر وقائع تضرر فيها مدنيون من جراء استخدام الأسلحة المتفجِّرة في مدن وقرى يمنية، وهذه الوقائع هي تلك التي تمكنت منظمة مواطنة، من تقديم وثائق مفصّلة مدعومة بموادّ مصوَّرة ومقابلات مستفيضة مع شهود عيان وناجين منها. 
وتقول المنظمة إنها قامت بين سبتمبر/ أيلول 2014 و31 أغسطس/ آب 2022، بزيارة مواقع وتوثيق لما عدده 1044 غارة جوية استهدفت مدنيّين وأعيانًا مدنيّة. تسبّبت هذه الغارات بمقتل 3618 مدنيًّا، بينهم 459 امرأة و,207 أطفال، وإصابة 3973 مدنيًّا آخرين، بينهم 464 امرأة و1013 طفلًا. كما أدّت هذه الغارات إلى تدمير أو وقوع أضرار بمئات الأعيان المدنية، كالمنازل والمدارس والمستشفيات وغيرها من المرافق الخدمية. 
وخلال الفترة ذاتها، قامت المنظمة، بزيارة وتوثيق 805 هجمة برية أسفرت عن مقتل 751 مدنيًّا، بينهم 122 امرأة و310 أطفال، وإصابة 1885 مدنيًّا آخرين، بينهم 288 امرأة و785 طفلًا. وأسفرت هذه الهجمات عن تدمير أو إلحاق أضرار بمئات الأعيان المدنية، مثل المنازل والمدارس والمستشفيات.


•انتهاك للقانون الدولي الإنساني
في جميع الحوادث التي يوثقها التقرير، يقول الأخير إنه تمّ استخدام أسلحة متفجّرة، أبرزُها القذائفُ غير الموجّهة، والقذائف التي تُطلَق من الجوّ، في مناطق مأهولة بالسكان. وتُشير الأدلة الخاصة في بعض هذه الوقائع إلى ارتكاب الأطراف لأفعالٍ تنتهك القانون الإنساني الدولي، فعلى سبيل المثال "عندما تُصيب ذخائر يبدو أنها موجّهة هدفًا مدنيًّا، في هذه الحالة، قد يستند الهجوم إلى معلومات خاطئة حول الهدف، ولكن يمكن أيضًا أن يكون الهدف المدنيّ مستهدَفًا عن قصد، على الرغم من أنّ هذا غير مسموحٍ به بموجب القانون الدولي الإنساني. بينما تكون الأدلة في وقائع أخرى أقلّ وضوحًا"، ومع ذلك فإن "القاسم المشترك بين جميع هذه الوقائع هو أنّها تُظهِر نمطًا من الضرر الإنساني الجسيم الذي يتجاوز ما أحدثته هذه الهجمات من إصابات ووَفَيَات مباشرة، ويمتدّ إلى التسبُّب بمعاناة نفسية خطيرة في أوساط المدنيين، وفقدانهم لمصادر دخلهم ومنازلهم”. 
ويُقدر تقرير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، عدد ضحاياها مع نهاية العام 2021، بنحو 21780 مدنياً بين قتيل وجرح، كنتيجة مباشرة للأعمال العدائية منذ بداية النزاع في اليمن. ولا يشتمل هذا الرقم سوى على الإصابات التي كان من الممكن تسجيلها والتحقُّق منها بشكل مستقل، إذ يقول التقرير إنه "من شبه المؤكّد أنّ الأرقام الحقيقية أعلى من ذلك بكثير"، إلى جانب الآثار غير المباشرة- بما في ذلك نقص الغذاء والرعاية الصحية والبنية التحتية، تسببت الأعمال العدائية تسبّبت في مقتل ما يقرب من 377,000 شخص في اليمن، خلال الفترة من عام 2015 إلى عام 2021، فقاً لذات المصدر. 

 

•مساءلة ووقف بيع الأسلحة
من جانبه، يطالب التقرير الذي جاء في 25 صفحة، الدول ذات الصلة إلى "إدانة الاستخدام الواسع النطاق للأسلحة المتفجِّرة في المدن والقرى اليمنية، والانضمام إلى الإعلان السياسي الدولي بشأن تعزيز حماية المدنيّين من العواقب الإنسانية الناجمة عن استخدام الأسلحة المتفجِّرة في المناطق المأهولة بالسكان"، كما يطالب "الوقف الفوري لبيع الأسلحة أو نقلها إلى جميع أطراف النزاع، سواء كانت دولًا أو جهات فاعلة من غير الدول"، وكذلك تعليق "مبيعات الأسلحة إلى التحالف حتى يُظهِر بشكل ملموس احترامَه الكامل للقانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان، في عملياته التي ينفِّذها في اليمن. 
وعلى ذات الصعيد، يشدد تقرير مواطنة لحقوق الإنسان ومنظمة السلام الهولندية (PAX)، على أهمية دعم "الجهود الرامية إلى ضمان المساءلة عن الجرائم الدولية، والمساهمة فيها، وتقديم التعويضات السريعة والفعّالة والكافية، فضلًا عن تقديم أشكال أخرى من التعويضات للمدنيّين المتضرِّرين"، وذلك على سبيل المثال، من "خلال إنشاء آلية دولية مستقِلّة للمساءلة الجنائية في اليمن أو إحالة الوضع في اليمن إلى المحكمة الجنائية الدولية لمحاسبة الجناة".


التعليقات