بعد أكثر من 6 أشهر، على إطلاقها بلاغات بتعرضها للابتزاز، لم تجد الناشطة اليمنية سارة علوان، أبلغ من محاولة الانتحار، لتوصل رسالة مدوية ودموية، عن الظاهرة الخطيرة التي تنتشر في أجواء ملبدة بالجريمة، وفي مجتمع تصبح نظرته إلى المرأة أداة الجريمة وتفتقر فيه الغالبية من المستخدمين إلى أبجديات الأمن الرقمي اللازمة، إلى جانب غياب السلطات والقوانين الرادعة.
وعلى الرغم مما أحدثته الحادثة الدامية التي جعلت الجريمة قضية القضايا يمنياً في الأسابيع الماضية، إلا أنها ردة الفعل، التي ما كان لها أن تحصل على ما يبدو، لولا أن رصاصة استقرت في جسد سارة علوان ونقلتها إلى العناية المركزة، فيما آلاف من اليمنيات يقعن ضحيةً أو هدفاً للجريمة الالكترونية، من دون أن يكون بوسعهن أن يصرخن، خصوصاً إذا ما كان بوسع الجناة أن يظلوا آمنين من العقاب، حتى بعد إطلاق النداءات والبلاغات الأمنية، التي انتظرت محاولة الانتحار لتلقي القبض على المتهم الأول في الجريمة.
عقب موجة الانتقادات التي واجهتها إدارة الأمن في تعز، اضطرت الأخيرة إلى بث مقطع فيديو لوالد سارة، يتحدث فيه عن أسباب تأخر ضبط المتهم، بصرف النظر عما إذا كانت كافية، لكنها أشارت أيضاً إلى دور سلبي لعبته شركات الاتصالات الخاصة بالهاتف المحمول، بالتأخّر في تقديم معلومات عن أرقام هواتف تم الإبلاغ عنها، وذلك إن لم يكن هناك أطراف أخرى متورطة.
آلاف الضحايا وقضية سارة منذ آذار/مارس
الإعلامي والناشط اليمني بشير سنان والذي يعمل في مبادرة تطوعية لمحاربة ظاهرة الابتزاز، يقول لـ”درج” إن “سارة علوان ضحية من آلاف الضحايا الابتزاز الالكتروني في اليمن، ويرى أنه موضوع على درجة عالية من الخطورة وبدأ يتوسع وينتشر بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة ربما بسبب الحرب وغياب الرقابة والأجهزة الضبطية المناسبة”، في حين أن “قضية سيارة هي القضية الأولى التي ظهرت إلى السطح بوضوح بسبب ما اقدمت عليه من محاولة انتحار”.
ويكشف سنان أن سارة كانت ضحية لجارتها وابن أخت جارتها، حيث جرى سرقة صور من تلفونها الخاص، وتم إبلاغهم كنشطاء مهتمين بمحاربة الظاهرة، في آذار/ مارس 2022، ويقول إنه وبعض المتطوعين سعوا إلى تحديد هوية الجاني بالتعاون مع الأجهزة الأمنية في تعز، حيث “كان الابتزاز من ثلاثة ارقام، وبعد الوصول إلى الجاني “تمت مخاطبة البحث الجنائي والقضية طالت في البحث الجنائي، وسمعنا مؤخراً أن والدها تنازل أو سعى إلى إيقاف القضية بداعي الصلح”، وتابع “انتهى دورنا كفريق تطوع لمكافحة الابتزاز وبطلب من سارة امتنعنا عن نشر هوية المبتز كما نفعل في بعض الحالات إلى أن استجد ما استجد خلال الأسبوع الماضي من محاولة انتحار سببها الضغوط النفسية التي أحاطت بسارة خلال الفترة الماضية وشعورها بالخذلان وظروف أخرى خاصة”.
الحماية الرقمية وثقافة المجتمع
بصرف النظر عن ملابسات قضية سارة علوان، فإنها لا تبتعد كثيراً عن الأسباب التي ترافق الجرائم الالكترونية المشابهة، حيث تقول أحلام المقالح صحفية ومدربة أمن رقمي لـ”درج”، إن ظاهرة الابتزاز انتشرت بشكل كبير مع انتشار التطبيقات والأمن السيبراني، وترى أن الأخير “على قدر ما هو مهم جداً لتأمين الحسابات أو للحماية الرقمية، يمثل أيضاً سلاحاً ذو حدين لأن البعض يستخدمه لتعلم الاختراق والهكر لا الحماية”.
تطوعت المقالح في مجال التدريب في خمسة تدريبات لفتيات على الأمن الرقمي وكان أغلبهن جامعيات، وتقول إنه “كان هناك معلومات جديدة بالنسبة لهن”، وتؤكد على أهمية أن يكون لدى الفتاة “وعي بحماية حسابها وبياناتها وكيف تتعامل مع الروابط المجهولة، وكيف تتجنب الوقوع فيها وإذا حدثت كيف تتعامل مع هذه الأشياء”. على أن الحل للحد من الظاهرة لن يكون فقط بمقابة المبتز بقدر ما يحتاج “وعياً من المجتمع ومن الفتيات أنفسهن باهمية الحماية الرقمية واهمية بناء علاقة قوية مع الأسرة والصديقات”، وتفيد أن الأغلبية ممن يتعرضن لابتزاز الكتروني لا يلجأن للأهل بسبب ثقافة المجتمع، بل يلجأن إلى اشخاص خارج الأسرة وهذا “مشكلة أخرى لأن مش كل الناس يتعاملوا مع الفتاة باهتمام مثل الأسرة”، بحسب رأيها.
الحذر وأخذ الاحتياطات اللازمة
الناشط بشير سنان يكشف عن مساعٍ إلى مأسسة العمل التطوعي لمحاربة ظاهرة الابتزاز، ينصح الفتيات، كما جميع المستخدمين للأجهزة الحديثة ذكورا وإناثاً، بـ”الحذر وأخذ الاحتياطات اللازمة مثل عدم فتح الروابط مجهولة المصدر أو بيع الأجهزة دون إنهاء ذاكرة الجهاز بصورة نهائية”، كذلك عدم تعبئة “الذاكرات” الخارجية والصيانة في محلات مجهولة. ويشدد على “بالإمكان أن نعمل ما يمكن عمله، أو على الأقل ما يمكن عمله في مجتمع محافظ التركيز على مسألة التصوير والابتعاد قدر الإمكان عن تصوير الجلسات الخاصة بالموبايل ووضع الصور الشخصية على الهواتف والتأمين الثنائي أو المصادقة الثنائية على الايميلات ومراجعة كلمات السر وكتابتها ووضعها في مكان آمن”.
إبلاغ الجهات المختصة
على الرغم من اللبس أو الانتقادات المتعلقة بضعف أداء الجهات الأمنية هنا أو هناك، إلا أن الدور الذي يجب أن تضطلع به جهات الضبط، يبقى محورياً للحد من الابتزاز. ويشدد المتحدث باسم الشرطة في تعز المقدم أسامة الشرعبي في حديثه لـ”درج”، على أن قوات الأمن تتخذ “إجراءات سريعة”، بالتجاوب مع البلاغات في مختلف القضايا، ويضيف “ننصح أي مواطنة تتعرض للابتزاز أن تواجه اسرتها وتكون لها سنداً و تتقدم ببلاغ فوري للجهات المختصة”. ويقدم تطمينات للمترددين من أنه “إذا أبلغنا باسم من طبيعة مهامنا وصلبها الحفاظ على سرية المعلومات ولا يمكن السماح بإفشائها وهذه من أبجديات عملنا”.