تحقيق: "تتفق السلطات المختلفة على انتهاك حقوق النساء"... مرافقة "محرم" شرط لسفر المرأة داخل اليمن
يمن فيوتشر - رصيف22- زهور ناصر- رعد الريمي: الأحد, 13 نوفمبر, 2022 - 03:18 مساءً
تحقيق:

لم يشفع لشروق العزي (40 سنةً) اصطحابها خالها معها لتتمكن من السفر من صنعاء إلى محافظة عدن، بواسطة حافلة نقل عام، وذلك وفقاً لتعليمات أمنية صارمة بوجوب أن يرافق المرأة اليمنية "محرم"، لتتمكن من التنقل بين المحافظات.

أوقفت شروق في واحدة من نقاط التفتيش الحوثية الكثيرة بين المحافظتين، وخضعت لتحقيق طال قرابة عشر ساعات وفقاً لروايتها، وذلك لأنها لم تستطع أن تثبت أن الشخص الذي معها هو بالفعل خالها.

تحاول الاحتفاظ بهدوئها، وهي تروي لرصيف22 قصة ذلك الموقف الذي واجهته في أواخر تشرين الأول/ أكتوبر المنصرم: "قالوها في وجهي: كيف نعرف أن هذا الرجل هو خالك؟". واشترطوا عليها أن تبرز بطاقة الهوية الخاصة بأمها لكي يطابقوا اسمها الثلاثي مع الاسم الموجود في بطاقة الهوية العائدة لخالها.

استغرق الأمر عشر ساعات متواصلة من النقاش المرهق مع عناصر نقطة التفتيش، قدّم خلالها الخال معلومات عائلية تفصيلية ليثبت أنه خال شروق، وليس شخصاً يدّعي ذلك.

تتخلى عن هدوئها، وتقول بغضب: "أخبروني، وهم يمنّون عليّ بالموافقة على العبور بعد كل ذلك الوقت، بأنني يجب أن أجلب معي بطاقة هوية أمي الأصلية بحال سافرت مع خالي مرة أخرى".

 

تعليمات شفوية

منع سفر المرأة بين المحافظات في اليمن، من دون محرم، سارٍ، ويُفرَض بشيء من التركيز على وسائل النقل العام الخارجة من مناطق سيطرة الحوثيين، ويُطبَّق منذ بعض الحين في المناطق الأخرى من اليمن أيضاً.

لم نحصل على تفاصيل مكتوبة من مكاتب السفر التي تواصلنا معها في صنعاء وعدن وتعز. كل ما عرفناه من بعض الموظفين أنها تعليمات تلقوها من "إدارة البحث الجنائي في شرطة العاصمة عدن"، أو أنها تعليمات تلقّوها من سلطات الأمر الواقع الحوثية، كل بحسب المنطقة التي يعمل فيها.

لكن بالعودة قليلاً إلى الوراء، وجدنا أن الإجراء فُرض عام 2015، في صنعاء، وبعدها بثلاث سنوات طبّقته عدن كذلك، وأخذت مكاتب السفر تمنع المرأة من استخدام وسائل النقل، إذا لم يكن برفقتها محرم.

والمحرم باختصار، وفقاً للخبيرة في القانون وحقوق الإنسان هبة عيدروس، هو "الذكر من أقرباء الأنثى الذين لا يجوز لها شرعاً الاقتران بهم، كالأب والجد والشقيق والعم والخال".

تقول عيدروس لرصيف22 إن النص الوحيد في القانون اليمني الذي ورد فيه لفظ "المحرم"، هو المادة السابعة من القانون الرقم (20) لعام 1992، الذي ينظّم الأحوال الشخصية والزواج.

والمحرم هو الرجل الذين لا يجوز للمرأة الزواج منه، لسببٌ يكون إمّا قرابةٍ، أو رضاعٍ، أو مصاهرة، ويحلُّ لها الظهور أمامه من دون الحجاب الشرعي، ومصافحته، ومرافقته في السفر.

ولأن تطبيق تعليمات وجوب مرافقة المحرم يكتنفها الكثير من الغموض، كان علينا التواصل مع الجهات المعنية في إدارة البحث الجنائي، لكننا لم نحصل على إجابة، فعدنا للتواصل مع مكاتب السفر، ومن بينها شركتا "البراق للنقل البري"، و"أرحب للسفر"، فأكد ممثلان عنهما أنهما تلقّيا تبليغات شفويةً بمنع سفر النساء من دون محرم، والعقوبة المترتبة على مكاتب السفر هي حجز السائق مع المركبة.

وخلال حوارات جانبية أجريناها مع سائقين يعملون مع هذه المكاتب، لم يُشِر أيٌّ منهم إلى عقوبة فُرضت عليهم أو على زملائهم لنقلهم نساءً بلا محرم، وأكدوا أنهم يتجنبون ذلك بتنفيذ التعليمات، وذكروا أنها تُطبَّق فقط على مركبات النقل العام، ولم يسمعوا بأن ذلك يشمل المركبات الخاصة المتنقلة بين المحافظات.


ذكورية المجتمع

يقول أستاذ علم الاجتماع السياسي المساعد في جامعة تعز ياسر الصلوي لرصيف22 إن "الملامح التقليدية ما زالت حاضرةً، وإلى حد كبير، في تركيبة المجتمع اليمني الذي تحكمه سلطة أبوية، وهي التي تحدد مكانة المرأة وموقعها الاجتماعيين".

ووفقاً لهذا المفهوم، تُترجَم النظرة المجتمعية إلى المرأة باحتلالها مكانةً دونيةً مقارنةً بالرجل، ويُقيّم سلوكها وتصرفاتها وفقاً لذلك، ويُفرض عليها أن تكون تابعة بنحو عام.

ويضيف الصلوي لتأكيد وجهة نظره: "في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، ما تزال القبيلة هي التنظيم الاجتماعي السائد إلى حد كبير، وثقافة الأبوية هي جزء من الثقافة القبلية، وتالياً فهذه المناطق تنظر إلى المرأة بدونية مقارنةً بمناطق أخرى من اليمن".

ويعتقد أن التصورات الدينية لدى الناس، والتي يصفها بالمغلوطة، هي التي عززت تلك الثقافة، واستُغلّت بمبررات وتفسيرات دينية "تلوي عنق الحقيقة، ولا تقدّم تفسيرات صحيحةً للنصوص الدينية".

ويتهم الصلوي جماعة الحوثي بتقييد حرية المرأة في السفر من محافظة إلى أخرى، وتصوير ذلك على أنه يتناسب مع ثقافة المجتمع اليمني وعاداته، ويستدرك: "كأن القرار سيحافظ على هوية الشعب اليمني!". لكنه في الوقت ذاته، لا ينفي أن القرار حظي بقبول عند الناس في المناطق الأخرى غير الخاضعة للحوثيين، ويعزو ذلك إلى "عدم إدراك الناس لضرر القرار على المرأة، وعلى تطور المجتمع وتطلعاته إلى أن يعيش حياةً طبيعيةً في إطار الدولة الواحدة".

الناشطة المدنية ياسمين علي (اسم مستعار) جرّبت حظها مع مكاتب السفر، لكنها مُنعت منه لعدم وجود محرم يرافقها. تقول لرصيف22، بشيء من الاستياء: "أردت في نيسان/ أبريل الماضي، الحصول على تذكرة سفر من صنعاء إلى تعز التي تبعد عنّا 256 كيلومتراً فقط، لكن الموظفين رفضوا، وأخبروني بأن عليّ جلب محرم معي!".

وذكرت أن موظفاً في أحد مكاتب السفر عرض عليها حلاً، وهو أن يرسل لها شقيقها بطاقته الشخصية، وأن يكتب أنه يسمح لها بالسفر، كنوع من التساهل، لكنها رفضت بشدة.

وتساءلت: "ضحايا الحرب كانوا بالآلاف، فماذا لو لم يتبقَّ لديّ محرم، هل سيتعيّن عليّ عدم السفر إلى محافظة أخرى أبداً؟".

نائب وزير الخارجية في حكومة صنعاء، حسين العزي، نشر على حسابه على توتير، مدافعاً عن تعليمات وجوب مرافقة محرم للمرأة في السفر: "نظرتنا لأي شيء تصبح خاطئةً عندما ننظر فقط لأجزاء محددة من الصورة، فالذي يقف مثلاً ضد -المحرم- يظن بأن التمسك به انتقاصٌ للمرأة، لكنها نظرة غير صحيحة، فكم من امرأة عزيزة تعرضت للأذى فقط لأنه لم يكن حواليها محرم يحميها ولو وُجد لفداها بدمه وهذا لا شك منتهى الإجلال".

وذكر العزي أن "المحرم" في حالات معيّنة يتجاوز كونه تقليداً دينياً، إلى كونه حاجةً أمنيةً أيضاً، "فالاستهداف بات يطال رجالاً بأشنابهم، ولعل في ما نقلته هيومن رايتس في تقريرها من حالات الانتهاك المروع ضد بعض شباب المرتزقة المخدوعين في معتقلات سرية، ما يكفي لمراجعة تصوراتنا السلبية والمتطرفة أحياناً تجاه تقاليد"، من دون أن يوضح تاريخ نشر التقرير الذي أشار إليه.

 


حقٌ مسلوب

في الأول من أيلول/ سبتمبر 2022، نشرت منظمة العفو الدولية على موقعها الخاص تقريراً عن منع الحوثيين سفر النساء من المناطق الخاضعة لهم، من دون وجود محرم أو دليل كتابي من محرم لا يمانع سفر المرأة.

هذه الإجراءات كانت موجودة منذ فترة غير قصيرة، ولكنها شُدّدت بدءاً من نيسان/ أبريل 2022، مما أعاق قيام كثيرات من اليمنيات بأعمالهن، ولا سيما العاملات في المجال الإنساني المضطرات إلى السفر.

ودعت نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية ديانا سمعان سلطات الأمر الواقع الحوثية، إلى وضع حد لشرط المحرم على الفور، لأنه يمثّل "شكلاً من أشكال التمييز القائم على النوع الاجتماعي ويرسّخ التمييز الذي تواجهه النساء في اليمن على أساس يومي".

وأكدت حاجة النساء اليمنيات، وبنحو عاجل، إلى أن يكنّ قادرات على التنقل بحرية في جميع أنحاء البلاد من أجل العمل، وطلب الرعاية الصحية، وتقديم أو تلقّي المساعدات الإنسانية.

وطالبت المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين للتوقف عن فرض شرط المحرم على النساء. وقالت: "يعيش اليمن بالفعل أزمةً إنسانيةً كارثيةً، وهنالك الآن خطر حقيقي للغاية من أن تُحرم النساء والفتيات من تلقّي المساعدات إذا استمر منع العاملات في المجال الإنساني من السفر من دون محرم".

ودعت منظمة مواطنة لحقوق الإنسان، وهي "منظمة يمنية مستقلة معنية بالدفاع عن حقوق الإنسان وحمايتها"، في بيان أصدرته في آذار/ مارس 2022، جماعة الحوثي إلى التوقف فوراً عن استهداف النساء وحضورهن في الحياة العامة.

وقالت رئيسة المنظمة رضية المتوكل إن هذا "ليس سوى جزء صغير لتفاصيل من ممارسات عديدة تبيّن توجهاً خطيراً لتقويض وجود النساء في الحياة العامة، وإنهاء كل المكاسب التي كافحت من أجلها على مدار سنوات"، مؤكدةً عدم حاجة النساء إلى مَن أسمتهم "حراس الفضيلة"، ولا إلى مزيد من القيود، وإنما "هن في حاجة إلى احترام حقوقهن وحرياتهن الشخصية، ومُساءلة كل مَن ينتهك تلك الحقوق".

ونبّهت المتوكل بأسف إلى أن النساء من الحلقات الأكثر تهميشاً في اليمن، وأنهن يخشين الحديث عن المضايقات والانتهاكات التي يتعرضن لها، "نتيجة الوصمة الاجتماعية التي غالباً ما تُلقي باللوم عليهن".

ووفقاً لحقوقيين وناشطين مدنيين وسياسيين، يعاني اليمن من تردٍ بالغ في تطبيق القوانين المعنية بحقوق الإنسان بنحو عام، وحقوق النساء بنحو خاص، مع إقرارهم بأن وضع النساء في المناطق الخاضعة للسلطة الشرعية ربما تكون أفضل إلى حد ما مقارنةً بالمناطق التي يسيطر عليها الحوثيون.

يشير إلى ذلك المحامي والناشط الحقوقي، ذي يزن السوائي، بقوله إن حقوق الإنسان في اليمن أصبحت في أدنى المستويات عالمياً، وتتمثل في ممارسات "التضييق على حياة الصحافيين وحرياتهم، وكذلك التي تستهدف المدافعين عن حقوق الإنسان والمرأة والمدنيين والطواقم الطبية وغيرهم".

ويقول لرصيف22 إن اليمن يعيش هذا الوضع منذ ثماني سنوات، متهماً جماعة الحوثي عبر سلطات الأمر الواقع، بارتكاب انتهاكات ممنهجة ضد المدنيين "حتى أصبحت خطراً على حياتهم في ظل غياب المنظمات الحقوقية الدولية والوطنية والقوانين المعنية بحقوق الإنسان".

ويرى السوائي كذلك أن المناطق الخاضعة لسلطة الشرعية أفضل حالاً من المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون من حيث "حرية الرأي والتعبير وحق التجمع والتظاهر وتشكيل الجمعيات والمؤسسات المدنية وحق النشر والصحافة وغيرها من الحقوق المكفولة في القانون"، في حين أن الحوثيين، وفقاً لما يتهمهم به، "ينتهكون حقوق المدنيين علناً، ومن دون أي رقابة أو حماية من قبل المجتمع الدولي".

ومن بين الانتهاكات التي يقول إن الحوثيين يرتكبونها "تقييد الحقوق السياسية والفكرية وغيرها من الحقوق المكفولة في القوانين الدولية والتشريعات الوطنية، وإغلاق مقرّات الصحف والقنوات الإعلامية، واعتقال الصحافيين والمحامين والمدافعين عن حقوق الإنسان، ومنع تأسيس المنظمات الحقوقية وإغلاق مقراتها"، وهي من الممارسات التي جرّمتها المعاهدات والمواثيق الدولية.

وينص الدستور اليمني الصادر في العام 1991، وتعديلاته لغاية العام 2015، إلى أن "المواطنين متساوون جميعهم في الحقوق والواجبات العامة"، ووفقاً لذلك فإن الإجراء الذي اتخذته جماعة الحوثي في صنعاء، والشرعية لاحقاً في مناطقها، بمنع سفر المرأة إلا بوجود محرم وتعميم ذلك على مكاتب النقل الجماعي في مناطقهم، مخالف بنحو صريح للدستور، حسب ما أجمع متخصصون في القانون تحدثنا إليهم.

تشخّص هبة عيدروس الإجراء بقولها لرصيف22: "حق التنقل للمواطن اليمني هو حق أصيل، نصت عليه المواثيق والعهود الدولية والدستور اليمني، ولم يميّز أي منها بين رجل وامرأة، لذلك فإن تدخّل الدولة أو السلطات هو دون أساس قانوني، بل إصدار أوامر أو نصوص مثلها يُعَدّ مخالفةً دستورية واضحة".

تتفق معها المحامية والحقوقية رغدة المقطري، وتعبّر في حديثها إلى رصيف22 عن مدى جسامة مخالفة تطبيق هذه الإجراءات للقانون الدولي وحقوق الإنسان، وتوضح: "نصت المادة الثانية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، على أن التمتع بالحريات والحقوق يكون دونما تمييز بين أيّ نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين...".

وفي النطاق المحلي، ترى أن منع المرأة اليمنية من السفر، إنْ لم يكن معها محرم، مخالفة صريحة للدستور اليمني النافذ، "الذي كفل حرية التنقل للجميع في المادة 57 ضمن الباب الثاني المتعلق بحقوق وواجبات المواطنين الأساسية، وكذلك مسودة الدستور الصادرة عن مؤتمر الحوار الوطني التي كفلت الحق ذاته في المادة 80 منها".

وتضع المقطري هذه الإجراءات ضمن ما قالت إنها حملة تحريض واسعة تستهدف النساء وتعمل على تقييد حقوقهن بهدف تكبيل الحقوق والحريات العامة ومنعهن من ممارستها، وتعدّها مؤشراً خطيراً على تراجع حقوق النساء في اليمن.

ودعت إلى تحرك جاد، وإلى "مزيد من النضال النسوي"، وإلى تدخل دولي وأممي واسع لكبح "هذا التراجع الخطير في مستوى حقوق المرأة"، مطالبةً المنظمات بـ"رصد وتوثيق مثل تلك الانتهاكات ومحاسبة مَن تسوّل له نفسه ارتكابها بحق النساء".

 


أعداء وإخوة ضد المرأة

تشير آثار علي محمد، رئيسة "مؤسسة سلام لمجتمعات مستدامة" (PASS)، وهي مؤسسة مدنية تعمل في "تعزيز قيم المدنيه والتعايش وتعزيز التنمية المستدامة"، إلى أن المرأة تحظى بمنزلة غير مُرضية لدى جميع أطراف النزاع في البلاد، وتقول لرصيف22: "مع الأسف الشديد، السلطات أو أطراف الحرب بمختلف مسمياتها، سواء الرسمية -المعترف بها دولياً- أو سلطات الأمر الواقع، قد تختلف في الكثير من الأمور في ما بينها، لكنها تتفق على انتهاك حقوق الإنسان بشكل عام، والنساء بشكل خاص، وفي كل مرة تزداد الأمور سوءاً".

وترى أن لا معنى لمنع سفر المرأة من دون محرم سوى بث مزيد من "الفوضى والانتهاكات ضد النساء"، وتقول: "من المخجل صدور مثل هكذا قرارات. لقد فتحت ذريعة الفوضى والحرب الباب لاتخاذ قرارات تعسفية تطال حرية تنقل النساء وعملهن، وهو حق أصيل لهن مثلهن مثل الرجال".

وتحذّر عضوة الفريق النسوي الاستشاري للمبعوث الأممي إلى اليمن، المحامية عفراء حريري، من مغبة محاولة فرض مثل هذه القرارات في الوقت الراهن، وتقول لرصيف22: "يبدو أن هنالك نظاماً سياسياً جديداً متبعاً، بأن تفرض الجهات المسيطرة على الأرض قرارات أحاديةً، وَمن لا يرضخ لها تُتّخذ في حقه الجزاءات، ثم تتحول إلى ما يشبه القوانين الواجبة التطبيق".

وتلاحظ حريري أن قرارات كفرض مرافقة محرم على النساء، لا تُتَّخذ من أجل تحسين الخدمات الأساسية والوضع المعيشي، وإنما "تكرَّس ضد النساء والفتيات، على أساس أن هذه القرارات هي قواعد جاءت بها الشريعة الإسلامية التي تُفسَّر حسب الأهواء والأمزجة"، تقول بانفعال.

بالرغم من التزام مكاتب السفر العام بتعليمات تمنعها من أن تقلّ في حافلاتها نساءً بلا محرم، إلا أن هنالك مَن يرى بأنه قرار غير ملزم، وهذا تحديداً ما تلفت إليه ممثلة اليمن في لجنة حماية النساء والفتيات في جامعه الدول العربية فاطمة محمد يسلم. تقول لرصيف22: "بسبب الأوضاع غير المستقرة أمنياً، يُفضَّل سفر المرأة مع محرم، لكن ليس على وجه الإلزام، كون معظم بيوت اليمن، بسبب هذه الحرب العبثية، بلا ولي، وتكاليف السفر والإقامة في ظل الظروف الحالية لا تساعد على تحمّل محرم، ولكن الذين يتخذونها ذريعةً لمنعها من التنقل لا يقرّون بما أجيز لها من السفر ضمن عصبة نساء. فلماذا يقيّدون حريتها ويفرضون واقعاً قد يحرمها من أبسط حقوقها؟".

وتستغرب عدم إقران القرار بالأسباب الموجبة له، وتدعو إما إلى الإفصاح عن ذلك أو إلى إلغاء القرار، وتعود للقول: "لأن مَن تريد ارتكاب الخطأ أو الفاحشة أو غيرهما من الأمور التي ربما استدعت فرض القرار، فإنها سترتكبه ربما حتى بالشراكة مع المحرم أيضاً".

وتضيف أن هنالك أثراً سلبياً كبيراً على مَن ليس لديها محرم، وفَرضت الظروف عليها السفر لفرص عمل أو علاج أو غيرها من متطلبات الحياة الملحة، سواء أكانت يافعةً أو شابةً أو كبيرةً أو حتى كهلةً، فالمنع لا يحدد سنّاً معيّناً.

وفي محاولة للتأكد من مدى التشدد في تطبيق القرار، قام معدّا التقرير بالتواصل مع مكتب للنقل العام (حجبنا اسمه وموقعه لدواعٍ أمنية)، وألحّا على الموظف فيه بالسماح لامرأة بأن تستقلّ الحافلة إلى صنعاء من دون أن يرافقها محرم.

ولم يستغرق الأمر طويلاً حتى وافق الموظف، وقال إنه سيدرج اسمها ضمن أفراد إحدى العائلات من دون علمها. مثّل ذلك شكلاً من أشكال التحايل التي تستخدمها مكاتب السفر للتقليل من الخسائر التي تتعرض لها، جرّاء قرار منع سفر النساء بلا محرم.

ويبدو أن ذلك نجح أيضاً مع صفاء علي (35 سنةً)، وتعمل مع منظمة إغاثية في صنعاء، إذ حاولت في الرابع من تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، إقناع العاملين في مكتب سفر، بالسماح لها بركوب حافلة إلى عدن من دون محرم، لكنهم رفضوا.

تقول لرصيف22 إن راتبها بالكاد يكفي متطلبات أسرتها، وأن يرافقها محرم في السفر فهذا يعني عبئاً مالياً كبيراً، لأنها ستضطر إلى تحمّل نفقات سفره ذهاباً وإياباً، فالمنظمة التي تعمل لصالحها غير معنية بذلك.

ولهذا لجأت إلى دفع مبلغ إضافي، لكي يضمنّوها مع أفراد عائلة على الرحلة عينها، وعاشت ساعات طويلةً من القلق، لأنها كانت تضطر إلى الرد على استفسارات عناصر نقاط التفتيش على الطريق، بكثير من الخوف خشية اكتشاف أمرها.

هي لا تريد تكرار تلك التجربة، لهذا قررت ألا يتضمن برنامج عملها أي سفر إلى خارج صنعاء، وتقول بحزن: "أستطيع أن أتماشى مع القرار، وأجعل ابن أخي يرافقني في السفر، لكنني أشعر بأنها إهانة ضدي كإنسانة يُفترض أن تتمتع بالحد الأدنى من الحرية".


التعليقات