وجدَ أفراد أمن الدِّحِي في محافظة تعز- منطقة الحَبيل طفلا مُعاقا في السادسة من عمره مرميا بجوار أحد براميل القمامة عقب تلقيهم بلاغًا بذلك، حيث قاموا بنقله إلى مستشفى السويدي في النقطة الرابعة.
في المسنشفى تبين أن الطفل لا يستطيع المشي أو الكلام، إضافة إلى أنه يعاني من ضمور في الدماغ، وفيروس الكبد، وسوء تغذية حاد، بحسب تشخيص الطبيب.
•صمت وحيرة
علامات الاستفهام جليّة على وجوه الحاضرين، الجميع يتساءل: مَن سيتكفلُ به وهو بهذه الحالة؟ لربما كان الوضع مختلفا لو كان الطفل بحالة صحية جيدة.
صمت تام، حيرة طاغية على الجميع، وتفكير يذهب بكل الحاضرين إلى أبعد مدى: ما مصير الطفل؟ هل من المعقول أن يتخلّى والدان عن طفلهما المعاق من دون رحمة أو شفقة أو ضمير؟
•عاملة الإنسانية (النظافة)
هنا تعلن أمّ أسيل (38 سنة) وهي عاملة نظافة في مستشفى السويدي تعز- النقطة الرابع، تكفلها بالطفل والاهتمام به ورعايته رعاية جيدة،
قالت: "أنا سأهتمّ بتربيته ورعايته"، قالتها بقلب أمٍّ مرهف والدموع تقطر من عينيها والغصة واضحة في صوتها.
فكّرت أم أسيل أنه لا بد أن والديّ الطفل عديما الرحمة والضمير، وإلا لما ألقيا بفلذة كبديهما داخل برميل القمامة، بحسب قولها لـ"تفاصيل".
وافقت الجهات الأمنية وإدارة المستشفى على رعايتها للطفل، وأمطر الجميع أمّ أسيل بنظرات إعجاب وإجلال واحترام، تقديرا لما أظهرت مِن موقف إنساني نبيل.
•خوف وقلق
أسيل الراهدي (21سنة) طالبة في جامعة تعز في المستوى الأول - كلية الآداب - قسم الإعلام. تقول: "شعرتُ بقلق وخوف عندما تأخرت والدتي عن موعد وصولها، ومن المفترض أن يكون في تمام الساعة الواحدة ظهرًا، ولم أكن أدرك حينما قررتُ الاتصال بها والاطمئنان عليها أن هذا التأخير سيحمل لي أخا لم تلده أمي.
حينما أخبرتني أمي بسبب تأخرها، انتابتني دموع الفرح والفخر في آن واحد، فخورة بأمي وموقفها الشجاع النابع من صميم قلبها، فقد فازت به من بين كل الحاضرين، ونِعمَ بطاقةُ الإنسانيةِ هو.
أشعر بالفرح لوجود أخٍ لي، فقد تمنّيتُ أن يكون لي أخٌ وسندٌ في هذه الحياة، وفقدتُ الأمل بذلك عندما توفي والدي منذ 17عاما، ومن يومها لم يعد لديّ سوى أمي، وها هو الله قد حقّق أمنيتي الآن ورزقني بأخ".
•صدمة وغرابة
تقول أسيل: "قررتُ الذهاب إلى المستشفى بعد أن أجريتُ مكالمة هاتفية مع والدتي، فأخبرتني فيها بتفاصيل القضية، وعند وصولي كانت الصدمة، لم أكن أتوقع أن يكون بهذا العمر والشكل، يبدو في السادسة من العمر، لكنه يخاف الجميع، رجالا ونساء. ولسوء حالته دخل في غيبوبة، وبقي يومين في قسم الإسعافات، حُوّل بعدها إلى قسم العناية المركزة، ليبقى هناك لمدة 13 يومًا، بقيتُ بجانبه منذ دخوله العناية حتى أفاق، اعتنيتُ به واعتبرته أخي، بل أعتبره جزءا من حياتي، أسميته (محمدا)، وجعلتُ يوم لقائي به، وهو الخامس من مايو، يوم ميلاده، وسأحتفي بهذا اليوم ما حييت".
•حقيبة إنسانية
تضيف أسيل: "لأنني وحيدة أمي، اضطررت إلى أخذ محمد معي صباح كل يوم إلى الجامعة، حتى تتمكن والدتي من ممارسة عملها صباحًا، وإن كانت تعمل براتب زهيد لتوفير المتطلبات الأساسية من أجل العيش وتأمين ما أحتاجه من مصاريف جامعية كي أحقّق حلمي وأصبح مذيعة لها تأثيرها على شاشات التلفزة". وتختم أسيل حديثها: "ليس متعبًا بالنسبة لي أن أحمل أخي محمد على كتفي صباح كل يوم إلى الجامعة، بل، بالعكس، أشعر براحة وسعادة كبيرتين وأدعو الله أن يشفيه". هكذا تحمل أسيل حقيبة الإنسانية إلى جانب حقيبتها صباح كل يوم عند ذهابها إلى الجامعة.
(أنتجت هذه المادة ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر اليمنية الذي تنفذه مؤسسة ميديا ساك للإعلام والتنمية)