[ ارشيف ]
لم يكن الطفل بدر ناصر المجنحي (8 سنوات) يعلم أنه لن يستطع العودة إلى منزله بعد ذهابه إلى المدرسة برفقة أخيه هاشم وجاره محمد، وجميعهم أطفالا لا يتجاوز أعمارهم العشر سنوات.
في الثلاثين من أكتوبر الفائت وبعد خروج الطفل بدر من المدرسة، مصطحبًا رفقاؤه في التعليم أخيه هاشم (9 سنوات)، وجاره محمد فارع (10 سنوات)وقُبِيل وصولهم إلى منازلهم الواقعة في منطقة المطار القديم الخاضع لسيطرة الحكومة المعترف بها غربي مدينة تعز، سقطت عليهم قذيفة مدفعية لتكن سببًا بالحاقهم إعاقة ترافقهم طول حياتهم، ورعبًا لا يمكن نسياه.
يقول وجدان العوني أحد سكان منطقة المطار القديم، وهو أحد المسعفين للأطفال، إن القذيفة سقطت على حي الصيانة بالمطار القديم، عند عودة الأطفال من المدرسة، وقبل وصولهم البيت التي يمكثوا فيها، حيث يُعدّوا أسرة نازحة.
ويصف العوني ماشهده وقت الحادثة، قائلًا "سمعنا صوت انفجار القذيفة عند الساعة 11 ونصف ظهرًا، خفنا من شدة الصوت، اتجهنا مكان سقوطها لأنه لاحظنا صراخات أطفال، وعند وصولنا لمكان الحادثة وجدنا المكان ممتلئ بالدماء، وأحد الأطفال كانت رجله قد بترت وملقية إلى جانبه، قمنا باسعافهم مع مجموعة من المتواجدين من أبناء الحي".
ويضيف "تم اسعافهم إلى مستشفى الثورة، وصلنا وبعض أجزائهم منتهية، وبعد تلقيهم الاسعافات الأولية، تم نقلهم إلى مستشفى الروضة، ثم بترت رجل الطفل الآخر".
بحسب المحامي والناشط الحقوقي صلاح أحمد غالب، أن مايقوم به الحوثيين من قنص وقصف للمدنيين خاصة الأطفال في مدينة تعز والتي راح ضحيتها موخرًا 5 مدنيين أغلبهم من الأطفال، هو جريمة حرب بشعة ضد الإنسانية والطفولة والتعليم وفقًا لقواعد القانون الدولي الإنساني.
وأضاف: "بدورنا كنشطاء سياسيين وحقوقيين ندعوا المجتمع الدولي إلى إدانة هذه الجرائم والضغط على جماعة الحوثي لايقافها ومحاسبة مرتكبيها".
•استمرار استهداف أطفال تعز
لم تكن القذيفة التي استهدفت الأطفال الثلاثة بحي الصيانة غربي تعز، هي الأخيرة، ماهي إلا ساعات حتى عاود القصف المدفعي للحي ذاته، أدى القصف إلى مقتل طفل لا يتجاوز عمره الخمس سنوات، ووالده.
وتستمر انتهاكات جماعة الحوثي بحق أطفال مدينة تعز منذ 7 أعوام، حيث أصيب 11 طفلاً في نهاية شهر يوليو الماضي، جراء قصف حوثي على حي سكني في وسط مدينة تعز، وتوفي أحد الأطفال الضحايا في اليوم التالي.
وتزامن القصف مع زيارة المستشار العسكري لمبعوث الأمم المتحدة إلى تعز، ضمن الجهود الدولية لتمديد الهدنة الأممية في اليمن التي انتهت في مطلع أغسطس الماضي 2022.
وأفادت شرطة محافظة تعز آنذاك، في بلاغ صحفي، بأنّ "جماعة الحوثي شنّت قصفاً وحشياً على حي زيد الموشكي المكتظ بالسكان وسط المدينة بعدد من قذائف الهاون، أسفر عن إصابة 11 طفلاً دون سنِّ العاشرة، بإصابات بليغة ومتوسطة"، واعتبرت أنّها "خرق واضح للهدنة وتحدٍ صريح لكل المعاهدات والمواثيق المحلية والدولية".
إضافة إلى القصف والقنص التي يتعرض لها أطفال تعز، فهناك أيضًا الألغام والعبوات الناسفة، إذ أنه في الثامن من يونيو الماضي قتل طفلين لا يتجاوز أعمارهم ال14 عامًا، نتيجة انفجار مقذوف للحوثيين من مخلفات الحرب، في قرية الخلفه عزلة المراتبة بمديرية جبل حبشي غربي محافظة تعز.
يقول رئيس منظمة سياج لحماية الطفولة، أحمد القرشي، إنه "يتعرض أطفال اليمن لابشع الجرائم والانتهاكات منذ 2014 بشكل غير مسبوق وفي ظل الانعدام شبه التام لآليات الحماية اللازمة للحد من ذلك تتواصل جرائم الحرب وتتوسع بشكل مستمر".
ويضيف القرشي خلال حديثه أنه وعلى الرغم من أن زراعة ونقل واستخدام الألغام الفردية من جرائم الحرب ذات الآثار البشعة فإن جماعة الحوثي حصرا تستمر في زراعتها بشكل عشوائي ومدمر، يستهدف المساكن والمنشآت والطرقات.
ويؤكد القرشي أن محافظة تعز من أكثر المحافظات اليمنية، تضررًا بانتهاكات الأطفال، ثم تليها محافظة الحديدة غرب البلاد.
•انتهاك حق "التعليم"
أدت الانتهاكات بحق أطفال مدينة تعز، إلى عزوف البعض منهم عن الذهاب إلى المدارس، ولفترات طويلة، وذلك خوفًا من الأسر عن أبناءها نتيجة القصف والقنص المستمر من قبل جماعة الحوثي على الأحياء السكنية بتعز.
في السياق تؤكد الصحفية المتخصصة في مجال الطفولة، آية خالد، أنه من أبشع الممارسات التي يمارسها أطراف الصراع هي الاستهداف المباشر للأطفال بالطرق الإجرامية مثل رمي القذائف على أطفال يلعبون في الحي أو في طريقهم للمدرسة أو حتى قصف المدارس ومايجاورها.
وتقول آية إن "الضحايا الذين يسقطون بمثل هذه الاستهدافات بدون أي ذنب سوى ممارسة أبسط حقوقهم وهي" التعليم أو اللعب" تُعد جريمة وتجاوز لكل العهود والمواثيق الدولية، بخلاف الهلع والذعر الذي يسود في نفوس الأطفال، وردع البعض منهم عن الذهاب للمدرسة مرة أخرى خشية أن يُصيبه أذى أو فقدانه لحب المدرسة بعد أن مات صديقه في إحدى المجازر.
الأمر هذا يشكل ضررًا كبيرًا على الطفل وأسرته نفسيًا واجتماعيًا وصحيًا وتعليميًا ولهذا نمتلك اليوم أكثر من مليوني طفل يمني خارج المدارس حسب تقرير منظمة اليونيسف لعام 2021.
الجدير ذكره أن هذه الجرائم تُضيف عبء جديد على المجتمع وتراكم جديد يُضاف لظاهرة التسرب من المدارس وعمالة الأطفال ولدى البعض قد تودي بحياة أطفالهم للتجنيد في صفوف إحدى أطراف الصراع لينضموا لأكثر من 3600 طفل مجند حسب اليونيسف أيضًا. تضيف آية.
من جانبه يشير صلاح إلى أن جرائم القصف والقنص لها تاثيرات سلبية أخرى عند الأطفال الذين يذهبون للمدارس، خاصة أن حادثة ضحايا الأطفال الأخيرة بالمطار القديم كانت عند عوتهم من المدرسة، حيث أن الأسر في تلك الأحياء باتت تخاف من ذهاب أطفالها للمدرسة خشية أن يتعرضوا لقصف الحوثيين ويكونوا ضحايا كزملائهم.
•انتهاكات بحق الطفولة
في تقرير للجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن، ذكرت إنه تم توثيق عدد من انتهاكات الأطفال في اليمن، خلال الفترة من يوليو 2021 حتى 31 يوليو 2022، وحصلت مدينة تعز على النسبة الكبيرة من هذه الانتهاكات التي تنوعت بين قصف وقنص، وتفجير عبوات ناسفة والألغام.
وذكر التقرير سقوط ضحايا من الأطفال المدنيين بسبب الحرب بلغ عددهم 72 قتيل، وإصابة 194 طفل، فيما تسببت الألغام بقتل
8 أطفال وإصابة نحو 39 طفل، أما بالنسبة لعمليات تجنيد الأطفال فقد بلغت خلال عام بحسب اللجنة 114 حالة تجنيد لأطفال، والطائرات الأمريكية بدون طيار "درونز" تسببت بوقوع طفلين من ضحايا القصف.
وتعد انتهاكات الطفولة من جرائم الحرب التي لا تسقط بالتقادم وعلى ذوي الضحايا الاحتفاظ بأكبر قدر من الأدلة القانونية الموثقة ومقاطع الفيديو للضحايا والشهود وتقارير المؤسسات الرسمية والمنظمات الحقوقية وذلك للاستفادة منها في ملاحقة المرتكبين مستقبلًا. بحسب القرشي.
وفي ظل ضعف عمليات رصد وتوثيق كافة الانتهاكات من قبل المنظمات فإن بعض الجرائم والانتهاكات مهددة بالضياع إن لم يقم ذوي الضحايا بتوثيقها وحفظها بأنفسهم.
إنفوجرافيك تفاعلي يوضح الانتهاكات بحق أطفال مدينة تعز
وتؤكد آية خالد أنه نفسيًا الطفل في المراحل العمرية الأولى تتشكل فيها 50% من شخصيته والتي تعتبر من عمر سنة حتى 12 سنة هذه هي مراحل النمو وتشكيل المدارك حوله والتخطيط الذاتي لنفسه.
فلك أن تتخيل أن يبني طفل أفكاره في بيئة حرب وعلى أصوات القذائف والرصاص!
هذا الضرر لا يلحق بالطفل فقط بل على أسرته أيضًا فهم يعيشون بتضارب مستمر مابين حاضر أطفالهم المُلغم ومستقبلهم الضبابي وهذا يشكل اضطراب على الأسرة أيضًا، بحسب خالد.
وطالبت خالد أطراف الصراع في اليمن باخراج الأطفال من دائرة الصراعات والسياسات التي لا تخصهم.
"تم نشر هذه المادة بدعم من JDH/JHR صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا".