[ ارشيف ]
يتوارث الذكور (أب، أخ، زوج، وأبناء) في اليمن النساء كقطعة أثاث، إذ تقع المرأة اليمنية مسلوبة الإرادة في سجن التوارث بين الذكور حتى تستطيع العيش، وبدون ذلك لن تستطيع العيش وممارسة حياتها بشكل طبيعي كإنسان له حق التصرف في شؤونه واتخاذ قرارته بنفسه.
وتعرف الوصاية على المرأة بأنها تكليف ذكر من العائلة لحمايتها، والموافقة والرفض على القرارات التي تخصها دون أن يكون لها الحق في إبداء أي اعتراض أو مقاومة، وإلا ستكون متمردة وتستحق التعذيب الجسدي واتخاذ القرارات التعسفية بحقها بموافقة المجتمع.
وجدت فاتن (اسم مستعار) نفسها ممنوعه من الخروج للدراسة أو العمل بقرار من شقيقها الأصغر منها بعامين، يمنعها من الخروج من المنزل بعد أن صفعها وعنفها جسديا ولفظيا على مرأى الجيران وهي في ذهول من صمتهم، وحين قررت التحدث نهرتها والدتها وألزمتها الصمت والانصياع لأمر أخيها، فاتن مديرة مالية في إحدى الشركات وجدت نفسها بعد وفاة أبيها حبيسة المنزل تعاني من اكتئاب حاد جراء تعنيف أخيها الأصغر لها ووقوف المجتمع في صفه.
الوصاية الجبرية وما تفرضه من قيود على المرأة منذُ طفولتها سواء من قبل الاهل أو المجتمع من تسلط وتحكم له، لها تأثيرات عدة في حياتها ونفسيتها، وتشير الدكتورة نورا خالد (أخصائية نفسية) بمستشفى الأمل، إلى أن العادات والتقاليد والقيم الاجتماعية لها آثار نفسية بالغة على المرأة، إذ تجعلها تعجز عن ممارسة حياتها بشكل طبيعي إن لم تأخذ بجدية، ومن ذلك الشعور بالخوف والقلق الدائمين، السلبية والاستسلام وعدم محاولة تغيير الواقع، فقدان احترام الذات، الشعور بالذنب، الإصابة بمرض القولون، الاكتئاب، لتصل عند حدة الضغط والتعنيف إلى محاولات الانتحار. وتنصح نورا خالد أن يتم تربية الفتيات منذ الصغر على الثقة بالنفس والعمل على تعزيزها.
ليست الوصاية حكرا على مدينة أو منطقة معينة، فالأمر طال حتى المناطق اليمنية التي تعد الأكثر انفتاحا، فها هي لمياء (اسم مستعار) من محافظة عدن، والتي تعيش مع عائلتها بمحافظة إب، حرمت من تحقيق حلمها وإكمال دراستها في الخارج بعد أن حصلت على منحة دراسية، بسبب رفض سلطة جماعة (أنصار الله) السماح لها السفر بمفردها، بالرغم من موافقة والدها وأسرتها إلا أن ذلك لم يكن كافيا لتحقيق حلمها، فأمر الوصاية يصبح موسعا عندما تتدخل السلطة الحاكمة ليطال المرأة حتى عند وجود الوصي عليها من الأهل، لتقبع المرأة داخل أسوار الوصاية دون منقذ يؤمن بأن لها كيان مستقل وتستطيع التصرف، ولا يتم الاكتفاء بالوصاية المفروضة على المرأة من الأهل ومحاولتها للتغلب عليها وكسر تلك القيود لتأتي الدولة وتفرض سلطتها وقيودها، حتى وإن بدا الأهل متفهمين لطبيعة الحياة التي تستلزم ثقة وانفتاح على العالم، ترجع السلطة السياسية لفرض قوانين تقوض من حرية المرأة وتعزز القيود والوصاية عليها، حيث تم منع سفر المرأة إلا بمحرم.
ليس ذلك فحسب، بل يصل الأمر لعدم استطاعة النساء التمتع بالحق في السكن، إذ يرفض المالك تأجير محل السكن لامرأة دون ولي أمرها، وفقا لتعليمات من أقسام الشرطة والإدارة المحلية، وهذا ما يعزز التصور المجتمعي للأنثى وما يدور حولها من شبهات جنسية وأخلاقية إن لم تكن بجانب الرجل (المحرم) حتى وإن كن مضطرات للسكن بمفردهن.
الدكتورة جاكلين منصور، رئيسة لجنة الشؤون الاجتماعية والعمل بالجمعية الوطنية في المجلس الانتقالي الجنوبي، ترى إن اليمني لا يشجع الفتاة على نيل حقوقها، ودائماً ما يتخذ الدين ذريعة من أجل فرض سيطرته على النساء.
القانون اليمني يعاني من هشاشة في سن قوانين تحمي الفتاة وحقها في حياة آمنة حتى وسط عائلتها، وهناك الكثير من الفتيات اللواتي تعرضن للاعتداء النفسي والجسدي من قبل عائلتهن وأخريات يتعرضن للاعتداءات الجنسية والتحرش والاغتصاب، كل ذلك العنف ينعكس سلبا على نفسية المرأة في ظل غياب قوانين رادعة توفر للمرأة الحماية والآمان، بل ويتحد المجتمع ضد المرأة اليمنية حينما تحاول الخروج من تلك الوصاية التي رُسمت لها محطما كل أحلامها وأمنياتها ليتهموها بأنها تأتي بمعتقدات غربية وأنها تخلت عن العرف والدين، ويجب تضيق الخناق عليها أكثر وأحيانا العزلة أو القتل، وحدها المرأة اليمنية التي تسلب من حقوقها وتصادر لتغرق في بحر المعاناة النفسية التي سببها لها المجتمع دون الإشفاق عليها لمعالجتها والنظر لحالتها بعين الإنسانية.
منال مهيم، ناشطة في مجال حقوق المرأة، ورئيسة مؤسسة المستقبل للتأهيل وتنمية الوعي والقدرات بعدن، تشير إلى أن النساء في اليمن يتعرضن لتعسف واضح، لمنعهن من ممارسة حقوقهن المكفولة قانونيا، إذ ترجع أمر الوصاية للإجراءات التمييزية الذكورية، لكون اليمن مجتمع عرفي قبلي، يتم استخدام الوصاية المفرطة كذريعة في بعض المجتمعات المحلية من قبل أولياء الأمور، لحرمانهن من حقوقهن في السفر والدراسة واختيار شريك الحياة وإثبات هويتهن في الحياة.
وفي ظل هكذا وضع، تصبح أي مطالبة لليمنيات بالحصول على حقوقهن في نظر الأغلبية مطالبة بالانحلال لتبرير الرفض القمعي لكل المطالب المشروعة لنساء، فعند تعرض المرأة للانتهاكات من الأسرة أو الأوصياء لمن عليها أن تلجأ؟ كما يذكر المثل "لو غريمك القاضي من تشارع"، وهل على النساء الصمت وسط مجتمع يبرئ الرجل ويرى المرأة مخطئة مهما تعنفت نفسيا وجسديا؟ أم أن عليها المواجهة والنضال لنيل حقها؟
"تم نشر هذه المادة بدعم من JHR صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا".