يواجه اليمنيون أسوأ سيناريو لانعدام الأمن الغذائي خلال أربع سنوات في ظل استمرار التدهور المعيشي بسبب موجات غلاء أسعار السلع والوقود وشح المساعدات الخارجية، ما يضع ملايين الأسر أمام واقع كارثي بينما تلاشت قدراتهم الإنفاقية خلال سنوات الحرب وانهيار الاقتصاد.
وتتوقع الأمم المتحدة أن يبلغ عدد الأشخاص المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن 23.4 مليون شخص بنهاية العام الجاري 2022، وعدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد 19 مليون شخص، في الوقت الذي أكد برنامج الغذاء في آخر تحديث له في أغسطس/ آب الماضي، أن اليمن شهد أسوأ مستوى من التدهور في حالة انعدام الأمن الغذائي منذ أربع سنوات.
وأضحى الوضع المعيشي المتأزم مقلقاً حتى لطرفي الصراع في اليمن. إذ قال مصدر مطلع، فضل عدم الكشف عن هويته في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن الحكومة اليمنية تستشعر الوضعية الخطرة للأمن الغذائي، حيث سارعت مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الجاري إلى اكتشاف الحلول والإجراءات الآنية المتاحة لتقليص التبعات المكلفة التي يخلفها الانهيار السريع في الأمن الغذائي لاسيما منذ اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا.
•اللجوء إلى صندوق النقد
وأضاف المصدر أن الحكومة طلبت تسهيل استفادتها من برنامج النافذة الغذائية الطارئة التي أنشأها صندوق النقد الدولي لمواجهة انعدام الأمن الغذائي، والتي بموجبه تحصل الدولة العضو على تسهيل مالي يساوي 50% من حصتها في الصندوق، بالإضافة إلى الدور الذي يمكن أن يلعبه الصندوق في دعم اليمن للحصول على هذا الدعم للحاجة المتزايدة إليه، وذلك بالتنسيق مع المانحين والدائنين الآخرين لمراعاة وضع اليمن وتمكينه من الاستفادة من هذه النافذة التي صممت لمساعدة الدول المتضررة من الحرب الروسية الأوكرانية والتي تعد اليمن من أكثر الدول تضرراً.
وتقول الحكومة اليمنية إن انعكاسات ارتفاع الأسعار العالمية بسبب الحرب في أوكرانيا أثر كثيراً الوضع الإنساني في اليمن، وذلك مع تزايد انعدام الأمن الغذائي وسط ارتفاع أسعار الغذاء والوقود في الأسواق المحلية ونقص المساعدات الإنسانية وشح الموارد.
المحلل الاقتصادي اليمني فهمي المخلافي، قال لـ"العربي الجديد"، إن ما يحدث من انهيار للأمن الغذائي وتعميق للأزمة الاقتصادية التي يشهدها اليمن أمر طبيعي بالنظر إلى تأثيرات وتبعات أسعار السلع العالمية المرتفعة التي ضاعفت الضغوط التضخمية، وفاقمت انعدام الأمن الغذائي في البلد، إضافة إلى العوامل الداخلية المتمثلة بصدمات اضطراب العملة وتدهور القطاعات المنتجة للغذاء والهجرة المطردة من القطاع الزراعي الذي يعد من أهم القطاعات المنتجة للغذاء والمشغلة للأيدي العاملة.
وأشار المخلافي إلى عوامل أخرى في هذا الصدد منها تضرر البنية التحتية ومرافق الخدمات الاجتماعية الأساسية ومنازل السكان وسبل عيشهم، إضافة إلى التأثيرات والأضرار التي تطاول مناطق الاصطياد السمكي وتدهور مرافق تخزين الغذاء أو صعوبة الوصول إليها.
وسجل استهلاك الغذاء أسوأ مستوى له بحسب بيانات ومؤشرات أممية، والتي عدم تمكن 58% من الأسر في مناطق سيطرة الحكومة، و51% في مناطق سيطرة الحوثيين، من الحصول على ما يكفي لتلبية الحد الأدنى من احتياجاتها الغذائية.
•اضطراب العملة
وقال الخبير المختص في التسويق الزراعي وائل الأهدل، لـ"العربي الجديد"، أن تراكمات أزمات الوقود واضطراب العملة أثرت بشكل بالغ على القطاعات المنتجة للغذاء وتقليص سبل العيش، فقد ضاعفت تكلفة الإنتاج الزراعي بسبب زيادة تكلفة ضخ المياه إلى المناطق الزراعية وارتفاع تكلفة تحضير الأرض وزراعتها ونقل المنتجات إلى الأسواق، في حين أدت عوامل أخرى منها مناخية إلى فرض تأخيرات كبيرة في الزراعة والإنبات والذي تسبب في بطء نمو المحاصيل.
ويتفاقم الوضع مع شح المساعدات الخارجية، ما دعا خبراء اقتصاد ومسؤولين في مؤسسات تمويلية إلى التأكيد على ضرورة دعم صغار المزارعين والمنتجين للحد من قسوة المشهد المعيشي.
وقال هيثم ناصر، المسؤول في مؤسسة محلية تعمل في تمويل المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر في حديث مع "العربي الجديد"، إن دعم وانتشار المشاريع الصغيرة والأصغر يمكن أن يساهم في تغطية جزء من الفجوة التي تخلفها القطاعات الاقتصادية المنتجة للغذاء، إلى جانب توفير بيئة داعمة للاستقرار وصناعة السلام، إضافة إلى كونها من أهم أدوات التشغيل وخلق فرص معيشية وامتصاص البطالة، الأمر الذي يتوجب دعمها في إطار برامج الاستجابة الإنسانية في اليمن لتمكين الفئات الأشد فقراً وتضرراً من تأمين سبل العيش المستدام.