بعد انتهاء الهدنة في اليمن في الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول، يواجه اليمنيون مصاعب أكثر بعد عودة المتحاربين إلى الميدان والبدء من حيث توقفوا قبل شهور. فإلى أين يسير اليمن الآن؟ وما مصير السلام؟
بعد ستة أشهر من وقف إطلاق النار، عاد الطرفان المتحاربان في اليمن: الحوثيون المدعومون من إيران والحكومة المعترف بها دوليا ومدعومة من السعودية، إلى الحرب رسميا بعد عدم النجاح في تمديد الهدنة. وهذا يقود الصراع، الذي وصفته الأمم المتحدة بأسوأ كارثة إنسانية، إلى عامه الثامن.
ولدى سؤال المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، السويدي هانز غروندبيرغ، من المسؤول عن فشل المحادثات بين الحوثيين والحكومة اليمنية؟ أجاب بدبلوماسية في بيان قائلا "أقدر موقف الحكومة اليمنية الإيجابي من اقتراحي".
وكان هدف المحادثات تمديد الهدنة لمدة ستة أشهر أخرى، لكن بحسب الأمم المتحدة فإن الحوثيين، على عكس الحكومة اليمنية، لم يكونوا مستعدين لتقديم تنازلات على المدى الطويل.
وحسب المحللة السياسية اليمنية المقيمة في واشنطن، فاطمة أبو الأسرار، الباحثة في معهد الشرق الأوسط، فإنه من الواضح أن "ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران، فضلت التخلي عن العملية (السلمية) والعودة إلى العنف [...] لأنه ليس لديهم حافز لتقاسم السلطة"، حسبما جاء في مقال لها على الموقع الالكتروني للمعهد. وعلاوة على ذلك، فإن انفتاح جماعة الحوثي الجديد على الدعم الإيراني، يؤكد استراتيجيتها السياسية والعسكرية.
"طهران أنكرت لفترة طويلة دورها في دعم الحوثيين، رغم الأدلة على عكس ذلك"، تقول أبو الأسرار في حوارها مع DW وتضيف أن "الحوثيين كانوا يتحدثون بشكل متزايد عن علاقتهم مع إيران".
في بيان نشره على تويتر بعد ساعات قليلة من انتهاء الهدنة، أكد أحد المتحدثين باسم الحوثيين على تعزيز موقفهم في اليمن. وجاء في الرسالة أن الحوثيين منحوا شركات النفط في السعودية والإمارات الفرصة "لترتيب أوضاعها والمغادرة..."
وبالنسبة لينس هايباخ، الباحث في معهد "GIGA" لدراسات الشرق الأوسط ومقره هامبورغ، فإن هذا التحذير الصريح يشبه أعلى حالة تأهب محتملة لنظام الدفاع السعودي. وقال لـDW: "في ضوء الأهمية الدولية المتزايدة للسعودية كمورد للنفط، أطلق الحوثيون أكبر تهديد لها في الوقت الراهن". وهذا التحذير لن يمر مرور الكرام في السعودية، فقد أظهرت الهجمات التي نفذها الحوثيون على منشآت النفط في السعودية، ضعفا عسكريا لدى المملكة.
وتجدر الإشارة إلى أن الحرب في اليمن بدأت عام 2014 باستيلاء الحوثيين على شمالي البلاد، بما في ذلك العاصمة صنعاء ومطارها الدولي وميناء الحديدة غربي البلاد. وتصاعدت حدة الصراع بعد عام، عندما تدخل التحالف الذي تقوده السعودية لدعم الحكومة المعترف بها دوليا. وليس سرا أن الحرب في اليمن يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها حرب بالوكالة بين العدوين اللدودين: إيران الشيعية والمملكة العربية السعودية السنية.
الخيار الأفضل.. استراتيجية الخروج
لكن رغم ذلك، نظرا لأن الحرب الآن في عامها الثامن ولا مؤشر على حل عسكري، فليس مفاجئا أن السعودية أصبحت أقل استعدادا لمواصلة القتال ضد الحوثيين المدعومين من إيران، يقول عدنان طبطبائي، الرئيس التنفيذي لـ"مركز البحوث التطبيقية بالشراكة مع الشرق" (CARPO) بمدينة بون في ألمانيا. ويضيف لـDW: "لدى السعودية رغبة متزايدة في إنهاء الحرب في اليمن بأسرع ما يمكن، وذلك لأسباب أمنية واقتصادية".
وأردف طبطبائي أنه فيما يتعلق بالسياسة الأمنية، كان من المستحيل تحييد التهديد الأمني من شمال اليمن من خلال العمليات العسكرية ضد الحوثيين منذ عام 2015.
وعلاوة على ذلك، فإن استمرار الحرب كان له تأثير سلبي على السعودية أيضا، وفي هذا السياق يقول طبطبائي: "تسبب الحرب تكاليف باهظة، علاوة على أنها تقوض الجاذبية الدولية للمشاريع العملاقة الطموحة مثل مدينة نيوم، مما يؤدي إلى أن تصبح الاستثمارات الدولية مترددة"، ويضيف أن هذا "يؤدي إلى استعداد الرياض للتشاور مع طهران".
الاضطرابات الحالية في إيران التي أعقبت وفاة الشابة مهسا أميني (22 عاما)، وأدت إلى ضغط عالمي على النظام الإيراني "تزيد من عدم القدرة على التنبؤ بمستقبل عملية السلام في اليمن، لأن الحوثيين وإيران لديهما مصلحة مشتركة في استمرار هذه الحرب"، تقول الباحثة السياسية في معهد الشرق الأوسط، فاطمة أبو الأسرار.
•تكلفة بشرية عالية للحرب
وفي حين أن وقف إطلاق النار قد جلب بعض الهدوء والراحة نتيجة تراجع العمليات العسكرية بشكل كبير ووصول المزيد من المساعدات الدولية بواسطة الطائرات والسفن؛ فمن المتوقع الآن أن يتغير الوضع إلى الأسوأ بالنسبة للسكان المدنيين.
وحسب تقرير منظمة "هيومن رايتس ووتش" المدافعة عن حقوق الإنسان لهذا العام، فإن حرب اليمن أدت إلى مقتل نحو 250 ألف شخص، ونزوح أربعة ملايين داخل البلاد، وحوالي نصف السكان يعانون من انعدام الأمن الغذائي. ومع ذلك، فإنه بالنسبة للجهات الإقليمية الفاعلة، يبدو أن الكارثة الإنسانية في اليمن لا تمثل عاملا جديرا أن يؤخذ بعين الاعتبار.
ويقول طبطبائي إن "الاعتبارات الأمنية في السعودية وإيران ستكون العامل الوحيد الدافع للسلام في اليمن". ويختم كلامه بالقول: "تحديداً، بمجرد اقتناع الطرفين أنهما سيكونان أفضل حالا مع إنهاء هذا النزاع، فسوف يلتزمان بوقف جديد لإطلاق النار".