بعد ثماني سنوات من الجمود أعيد تنشيط الجهود لدفع اليمن نحو تسوية سياسية - بمساعدة القيادة القوية من الرئيس الأمريكي, جو بايدن, الذي أعطى الأولوية لإنهاء الصراع في اليمن في بداية ولايته، ومن ثمَّ تم تجديد الهدنة التي توسطت فيها الأمم المتحدة بين الأطراف المتحاربة - المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران والتحالف العسكري بقيادة السعودية الذي يقاتل لاستعادة الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً- والتي تم الاتفاق عليها في بداية شهر رمضان في أوائل شهر أبريل / نيسان في فترة الشهرين الثالثة حتى وإن كان ذلك فقط بعد أن مارس المفاوضون العمانيون ضغوطاً هائلة على الحوثيين لقبول التمديد.
كان لاتفاق وقف إطلاق النار مكونان رئيسيان: 1- وقف جميع العمليات العسكرية الهجومية البرية والجوية والبحرية داخل اليمن وخارجه.
2- تجميد المواقع العسكرية الحالية على الأرض اليمنية، مع إجراءات بناء الثقة التي من شأنها تهيئة البيئة من أجل تسوية سياسية مستقبلية بين الأطراف المتحاربة.
و لكن العديد من اليمنيين ما زالوا متشككين بشأن آفاق محادثات السلام مع الحوثيين، فغالباً ما يقولون إن هذه الجماعة ليسوا مخلصين في السعي إلى حلٍ سلميٍ للصراع ، نظراً لاستمرار عنفهم وخطابهم ضد خصومهم.
ولم يُبدي الحوثيون أي اهتمام أبداً بعملية سلام أو تسوية تفاوضية، ولا يسعون بنشاط للمشاركة في جهود خفض التصعيد.
و عبر الحوثيون في بياناتهم العلنية واجتماعاتهم الخاصة عن موقف ثابت جعل أي محادثات سلام تستجيب لمطالبهم ، مثل فتح مطار صنعاء؛ مما يوفر لهم ميزة نسبية في حال تراجعوا عن تنفيذ التزاماتهم من الصفقة.
ويثير هذا سؤالاً مهماً حول ما إذا كان الحوثيون على استعداد لتقديم تنازلات، فإن صعوبة التوصل إلى اتفاق بشأن إجراءات إنسانية بسيطة مثل تخفيف حصار مدينة تعز الذي دام سنوات، قد يجعل من الصعب التفاؤل بشأن استعدادهم لتقديم تنازلات بشأن القضايا الأساسية المتعلقة بتقاسم السلطة والحكم وتنفيذ نظام سياسي يمكن لجميع اليمنيين المصادقة عليه.
وفقاً لتحليل البيانات التي قدمها مرصد الهدنة اليمني، فإن استخدام الحوثيين لهجمات الصواريخ والطائرات بدون طيار والمدفعية، شكل 97 بالمائة من انتهاكات الهدنة.
علاوة على ذلك، فإن آثار هجوم الحوثيين على حي سكني في تعز في شهر يوليو - قبل أسبوعين فقط من تجديد الهدنة - حيث أصيب 11 طفلاً وقتل واحد، يُعد إدانة من الأمم المتحدة.
وقد عززت عودة الجماعة السريعة إلى العنف الشكوك بأن الحوثيين ربما ينتظرون وقتهم ببساطة قبل تجديد هجومهم العسكري بمجرد انتهاء وقف إطلاق النار.
وقد استفاد الحوثيون مؤسسياً وشخصياً من صعود اقتصاد الحرب، ذلك إلى جانب التزامهم الأيديولوجي بمتابعة أهدافهم السياسية والدينية من خلال الصراع والعنف.
فكلما تمكن الحوثيون من مواصلة الحرب، زادت قدرتهم على التحكم في موارد الدولة مع الاعتماد على المساعدات والضرائب غير القانونية والمزيد من التمكين الاقتصادي الذي يحافظ على المستوى الأعلى لمحتوى حركتهم مع الوضع الراهن.
لقد ساعدت ملايين الدولارات العائدة إلى مناطق الحوثيين من خلال سيطرتهم على خزائن البنوك والموارد الطبيعية والضرائب المفروضة على السفن التي ترسو في الحديدة وتحصيل أرباح قطاع الاتصالات وكذلك الضرائب على الصناعات الرئيسية، على إدارة بعض الآثار السلبية للفساد. وكذلك الحفاظ على دعم أتباعهم من خلال تحويل المساعدات لمقاتليهم والأسر التي تعتمد عليهم.
في غضون ذلك، فإن مواردها تدخل في الجهود الحربية، كما رأينا في موكبها العسكري الكبير الذي عقد في بداية سبتمبر، بعد شهر من تجديد الهدنة، وفي انتهاك لإتفاقية وقف إطلاق النار في الحديدة التي تم عقدها في (ستوكهولم) في نهاية عام 2018.
في حين أشار الخبراء في كثير من الأحيان إلى أن الحوثيين قد يرون في الحد من العنف وسيلة لتحقيق الشرعية الدولية، و يمكن القول إن هذه الشرعية قد تم تحقيقها بالفعل.
حيث تعترف الأمم المتحدة بهم على أنهم طرف الصراع الرئيسي في اليمن وعملت على تأمين مطالبهم في مبادرات السلام المختلفة، وقد تمت الإشارة إلى زعيمهم بلقبه الديني "السيد"، والذي يرفض العديد من اليمنيين استخدامه بسبب الدلالة الطبقية والممتلكات اللاهوتية المرتبطة به.
وبالمثل، أشارت الأمم المتحدة والوكالات الأخرى إلى الحركة باسم "أنصار الله"، وهو اسم يعتقد العديد من اليمنيين أنه يضفي الشرعية على حركة الحوثيين كمؤسسة سياسية، وقد كان الحوثيون يحاولون إعادة تسمية أنفسهم باستخدام هذا الاسم للإبتعاد عن أن يُنظر إليهم محلياً على أنهم جماعة محلية متمردة على أساس سعي الحوثيين إلى السلطة المطلقة من خلال التمرد والعنف.
و خلال ست سنوات من الصراع مع حكومة علي عبد الله صالح السابقة من 2004 إلى 2010، توسطت الأمم المتحدة في المفاوضات مع حكومة عبد ربه منصور هادي في سبتمبر 2014، ومفاوضات (ستوكهولم) في ديسمبر 2018، ويُعد سجل الحوثيين في إبرام الاتفاقات ثم انتهاكها أمر شائع.
نصت صفقة (ستوكهولم) -التي كانت مستعجلة وغامضة في كتابتها - على وقف فوري لإطلاق النار في الحديدة، حيث استعد التحالف السعودي بالتعاون مع القائد العسكري اليمني (طارق صالح) لمعركة برية لإخراج الحوثيين من المدينة الساحلية، و لو نجح ذلك الهجوم المخطط له، كان قد قطع وصول الحوثيين إلى البحر الأحمر وحد ذلك من وصولهم الإقليمي إلى العاصمة صنعاء، وعدد قليل من المناطق الأخرى التي يسيطرون عليها في الشمال.
ومع ذلك، إضافةً الى إزالة التهديد الذي يتعرض له موقعهم في الحديدة، فقد أعاد الحوثيون المدعومون من إيران نشر جميع قواتهم لتعزيز قبضتهم على الحديدة، والتوسع بشكل أعمق في الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة في الجوف والضالع، وبدء هجوم وحشي في مأرب، أدى ذلك إلى نزوح ملايين الأشخاص وعرضهم للخطر وذلك عكس المكاسب التي حققتها الحكومة اليمنية منذ بداية الصراع.
من المرجح أن تتجنب قيادة الحوثيين التوصل إلى تسوية سياسية لأن أي اتفاق لتقاسم السلطة سيترك جزءاً كبيراً من مؤسستهم السياسية والاستخباراتية دون سيطرة كاملة، وهذا يعني أيضاً أنهم سيخسرون قدراً كبيراً من القوة السياسية والاقتصادية التي لن تكون متاحة لهم على الفور في تسوية سياسية تفاوضية.
إضافة إلى ذلك، فقد تسببت الانقسامات القائمة بالفعل بين أعضاء مليشيات الحوثي، وخاصة من جانب الأعضاء الذين لا يشعرون بأنهم مدينون بالفضل لإيران، في انعدام الثقة الداخلية و التي لا يريد الحوثيون فضحها، حيث تشير هذه الديناميات إلى أن الحوثيين ليسوا مستعدين تماماً لتسوية سياسية.
على الرغم من سجل الحوثي الإشكالي، فإن التخلي عن المفاوضات لا يُعد خياراً، وذلك لأن فشل المفاوضات قد يعني نتيجة أسوأ لمستقبل اليمن، كما أنه و بلا شك سيترك سلطة الحوثيين مسيطرة دون منازع في المناطق التي يسيطرون عليها حالياً، وهو ما لا يصب في مصلحة اليمن أو المنطقة الأوسع.
وبالتالي ، فإن القضية التي تدعم التوصل إلى حل تفاوضي للصراع بالنسبة للحكومة اليمنية والمجتمع الدولي هي كيفية ضمان أن أي اتفاق سلام سيتضمن حواجز حماية مناسبة لمنع تراجع الحوثيين.
قد تؤدي التحسينات الأخيرة في المناخ الإقليمي إلى زيادة احتمالات نجاح المفاوضات، و توفر عودة السفراء الإماراتيين والكويتيين إلى طهران، وكذلك المقترحات السعودية للارتقاء بالحوار الثنائي مع إيران إلى المستوى الوزاري و قنوات ثنائية للتواصل مع النظام الإيراني وفرصة للضغط من أجل التعاون الإيراني في السياسة اليمنية التي تتوسط فيها مفاوضات الأمم المتحدة.
وبالمثل، فإن إمكانية العودة المتفق عليها إلى إنفاذ الاتفاق النووي الإيراني يمكن أن تعمل أيضًا على تقليل التوترات الإقليمية وتحسين احتمالات نجاح المفاوضات.
لا يزال من غير الواضح، ما إذا سيكون لدى الحكومة الإيرانية الرغبة أو القدرة على الضغط على الحوثيين للتوصل إلى حل سياسي في غياب التزام الحوثيين.
لكن التحدي الذي يواجه الأمم المتحدة والمجتمع الدولي سيتجاوز مجرد التوصل إلى اتفاق والتأكد من التزام الحوثيين بشروطه.
وذلك لأنه يجب أن تضمن الأمم المتحدة تحييد الحوافز للعودة إلى العنف وأن الشروط لاتفاقية سلام مستدام من شأنها أن تعامل جميع الأطراف المعنية بشكل عادل لكي تكون العملية عادلة، حيث يجب التعامل مع انتهاكات الاتفاقية بسرعة، ويمكن الاتفاق على العقوبات مسبقاً وذلك لمعالجة عدم الامتثال.
علاوة على ذلك، و نظراً للنشاط العسكري المتزايد حول مدينة تعز، يجب على الأمم المتحدة اتخاذ تدابير لحفظ السلام لمنع توسع الحوثيين في مناطق جديدة.
وبالتالي، فإن أي اتفاق سيتطلب مشاركة مطولة من قبل المجتمع الدولي لرصد التنفيذ، و يجب أن يشمل ذلك عدداً كافياً من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة لفرض شروط الاتفاقية، والإشراف على أي عناصر سياسية للاتفاقية، والتمثيل المتساوي للمرأة والشباب والمجتمع المدني في المؤسسات الحاكمة بالإضافة إلى أي جولة جديدة من المحادثات داخل المجلس الوطني.
وسيتكون إطار الحوار من مجموعة أصدقاء اليمن، التي تضم ما يقرب من 40 حكومة ومنظمة دولية تشكل أقرب شركاء اليمن الدوليين، وذلك يُعد عنصراً أساسياً في المشاركة الدولية لدعم المبعوث الخاص للأمم المتحدة لتعزيز الانتعاش السياسي والاقتصادي والأمني لليمن في المستقبل.
-جيرالد فييرشتاين سفير أمريكي سابق في اليمن.
-فاطمة أبو الأسرار باحثة غير مقيمة في معهد الشرق الأوسط ومحللة أولى في مركز واشنطن للدراسات اليمنية.