لا يزال الصراع الذي طال أمده في اليمن يطرح مخاوف بيئية رئيسية، مع استمرار المشكلات المتعلقة بالبنية التحتية النفطية والافتقار إلى جهود الإدارة البيئية. ينصب التركيز العالمي الحالي بشكل أساسي على إيجاد حل لسفينة النفط القديمة "صافر"، التي تحمل أكثر من مليون برميل من النفط وهي معرضة لخطر الغرق، مما قد يتسبب في كارثة بيئية واسعة النطاق. ومع ذلك، فقد زادت حوادث أصغر تتعلق بناقلات النفط في عدن والمكلا وجنوب سقطرى في اليمن في السنوات الأخيرة، مما تسبب في أضرار بيئية وتهديد سبل عيش السكان المحليين. سيغطي هذا التقرير الاستقصائي السفينة المتحللة قبالة ساحل جزيرة سقطرى.
في أوائل نوفمبر 2019، اجتاحت الأمواج سفينة متهالكة تسمى "Gulf Dove" (حمامة الخليج) تحمل ما يقرب من 7000 طن متري من المشتقات النفطية على ساحل ديليشا شرقي عاصمة سقطرى حديبو. منذ تلك الفترة وحتى الآن، لم تتخذ الجهات الحكومية ذات الصلة، بما في ذلك الهيئة العامة للشؤون البحرية والهيئة العامة لحماية البيئة، أي إجراءات أو تدابير لإزالة السفينة.
وتشير تقارير تفتيش الهيئة العامة للشؤون البحرية إلى أن الناقلة تابعة لشركة "عبر البحار للشحن" المملوكة لأحمد العيسي رجل الأعمال الثري في واردات النفط. كما تعلن أنها سفينة متهالكة بدون تصاريح تشغيل وغير مناسبة للإبحار.
وقال الدكتور جمال باوزير مدير ادارة حماية البيئة البرية والبحرية، في الهيئة العامة لحماية البيئة بعدن، إن "حوادث التسرب النفطية المتتالية في السنوات الاخيرة واللامبالاة التي تظهر في التعامل معها تضر بالبيئة وتشكل خطرا على الانسان والثروة البحرية. على الساحل الجنوبي".
حقيقة أن ناقلة "Gulf Dove" تتحلل قبالة سواحل ديليشا منذ عام 2019 هي تأكيد على مدى القصور الذاتي وعدم الانتباه إلى العواقب التي قد تلحق بساحل الجزيرة وتشوه صورتها الجميلة والشعاب المرجانية والغنية بالموارد السمكية. وأضاف باوزير أنه لا بد من اتخاذ إجراءات عاجلة لتجنب كوارث هذه الناقلات المتناثرة فوق مياه خليج عدن.
تشكل ناقلة النفط "Gulf Dove" المتحللة خطراً بيئياً على قرية ديليشا التي تقع شرق ميناء هولف على بعد 15 كيلومتراً من العاصمة حديبو، وعلى سبل عيش سكانها الذين يعملون في مهنة الصيد. تركت مهجورة على الساحل تلحق ضررا أيضا بصناعة السياحة في سقطرى أبرز الجزر العربية واليمنية.
وقال محمد سالم أحمد، مدير ميناء سقطرى: "ليس لدينا بيانات ومعلومات كافية حول سفينة Gulf Dove التي تم التخلي عنها على ساحل ديليشا منذ عام 2019، ويتحمل مالك الناقلة والسلطات المختصة المسؤولية الكاملة عن وجودها، حيث أنها تشكل جريمة جنائية وخطيرة".
على الرغم من أن المادة 351 من القانون البحري اليمني رقم 15 لسنة 1994 تنص على أنه إذا غرقت سفينة أو جنحت أو هُجرت داخل المياه الإقليمية اليمنية، يجب على ربانها أو مالكها أو أي شخص يقوم مقامه إبلاغ السلطة البحرية المختصة فور وقوع الحادث وإزالته في غضون ثلاثة أشهر. إذا لم يتم ذلك خلال الفترة المذكورة، يمكن للسلطة البحرية المختصة، إذا لزم الأمر ودون إشعار مسبق، إزالة السفينة على نفقة مالك السفينة. ومع ذلك، منذ نوفمبر 2019، لم تتخذ السلطات الحكومية المعنية أي إجراءات قانونية مهمة فيما يتعلق بـ"Gulf Dove".
وقال سالم حواش مدير الهيئة العامة لحماية البيئة في سقطرى، إنه يتعين على فريق فني التوجه إلى السفينة المهجورة وتقييمها على الأرض من قبل مختصين في الهيئة العامة للشؤون البحرية، بمشاركة الهيئة العامة لحماية البيئة في الجزيرة.
في حين تشير المعلومات التي تم جمعها إلى أن مالك "Gulf Dove" استخدمها كمستودع نفطي عائم بعد أن انجرفت إلى ساحل ديليشا، إلا أن سالم حواش ينفي ذلك، مؤكداً أن السفينة لم تصل إلى الساحل عمداً وأنها انجرفت إلى الساحل خلال الإعصار. ومع ذلك نسي حواش أن الجهة الرقابية الحكومية المعنية لم تزر الموقع للتحقيق في الحادث منذ عام 2019.
تشير المعلومات التي جمعناها إلى حدوث تسرب من مخلفات مزيج النفط تسببت بها "Gulf Dove"، مما يشكل تهديداً على السواحل والحياة البحرية والسكان المحليين والبيئة والصيادين. وأقر سالم حواش بأنه لم يقم أي فريق متخصص بزيارة ميدانية خلال السنوات الثلاث الماضية لتفقد السفينة المهجورة على ساحل ديليشا والتحقق من التسرب.
وأرجع عدم التحقيق في الحادث من قبل الهيئة العامة للشؤون البحرية والهيئة العامة لحماية البيئة إلى الفراغ السياسي والإداري الذي شهدته الجزيرة خلال السنوات الثلاث الماضية. وأضاف أنه منذ تعيين المحافظ الجديد في 1 أغسطس 2022، يحاولون تشكيل فريق فني لمراجعة حادث السفينة وتقييم وضعها الحالي عن كثب، وسيتم اتخاذ الإجراءات القانونية بشأن الحادث.
سلط الباحث البيئي ورئيس المشروع في منظمة (PAX) للسلام، ويم زويجننبرغ، الضوء أيضاً على المخاطر والحالة المتداعية لـ"Gulf Dove" في سلسلة من التغريدات.
يقول المستشار البيئي أحمد سعيد سليمان، إن تحطم "Gulf Dove" على الشاطئ محملة بآلاف الأطنان من المشتقات النفطية هو أهم كارثة بيئية لشاطئ رأس حالوف (Ras Halof). لأشهر، سحبت الأمواج ودفعت السفينة داخل وخارج ساحل ديليشا، وسحقت الشعاب المرجانية تحتها، بينما تجاهلها مشغلو السفينة.
وأضاف أنه حتى قبل تحطمها، شكلت "Gulf Dove" خطراً على الساحل بسبب إهمال مشغليها، وتحديداً باستخدام طرق بدائية لتفريغ النفط من السفينة. استخدام خراطيم قديمة لضخ الزيت بدون أي أدوات أو إجراءات أمان في حالة تسرب النفط أو وقوع حادث بدائي ومتهور. يجب أن يتم الضخ بواسطة عوامات خاصة تحافظ على الخط مرئياً على سطح الماء حتى يتمكن الفريق الفني من الاستجابة بسرعة في حالة حدوث تسرب للنفط.
ويقول سليمان: "إن آثار العملية البدائية لتفريغ النفط تغير أيضاً بيئة الشاطئ بإلقاء آلاف الأطنان من الرمل أثناء تحميل وتفريغ السفينة، وهذا يدل على إهمال وعدم مبالاة مشغلي السفينة تجاه مخاطر تلوث مياه البحر".
كما أكد سليمان أن السفينة غير صالحة للعمل حاليا بعد الأضرار الكبيرة التي لحقت بجسمها ومحركها (الذي يتسرب منه) بعد اصطدامها بالصخور لأول مرة على ساحل ديليشا. وأضاف سليمان أن "الحديد المتعفن الموجود على السفينة تحت الماء والمواد الكيماوية المجهولة ومخلفات السفن والمشتقات النفطية المتبقية عليها تشكل مخاطر بيئية على الكائنات البحرية وتعطل ملجأها".
أحمد العيسي يملك عدة سفن متداعية في موانئ عدن والمكلا، بعضها راسي في الميناء، بينما غرق البعض الآخر، مما تسبب في أضرار لا رجعة فيها للساحل والبيئة.
تشير تقارير الهيئة العامة للشؤون البحرية إلى أن جميع السفن الـ12 المتهالكة والمهددة بالغرق على سواحل عدن منتهية الصلاحية وغير مسجلة وليس لديها أعلام ولا تصاريح تشغيل، وقد تم إيقافها من الملاحة البحرية قبل بدء الحرب في اليمن في آذار / مارس 2015، وجميعها تنتمي إلى شركة "عبر البحار للشحن" التابعة لشركة العيسي.
قامت منظمة (PAX) للسلام بتفصيل التهديد الذي تشكله هذه السفن والتسرب الأخير الذي تسببت فيه ناقلة النفط "لؤلؤة أثينا" في خليج التواهي في عدن.
قبل تسع سنوات، تحطمت ناقلة (Champaion1)، وهي سفينة متهالكة وخارجة عن الخدمة، دون المعايير وتعتبر من الناحية القانونية غير مناسبة للإبحار. كما تديرها وتملكها شركة "عبر البحار للشحن" التابعة لشركة العيسي، وترفع علم سيراليون. يبلغ طولها 96 مترا وعرضها 16 مترا. في 9 يوليو 2013، غادرت ميناء عدن إلى ميناء المكلا محملة بـ4.770 طناً مترياً من وقود الديزل من مصفاة عدن، وتحطمت على ساحل المكلا في منطقة مشرف في 10 يوليو 2013.
كشف مدير فرع الهيئة العامة لحماية البيئة في حضرموت، سالم باقحيزل، أن كمية الديزل المتبقية في خزانات (Champion1) المهددة بالانقسام إلى نصفين، وتحمل ما يتراوح بين 1000 و1500 طن متري من الديزل. وأضاف أن كارثة بيئية وبحرية حقيقية تنتظر مدينة المكلا. إذا لم يتم اتخاذ تدابير فورية لتجنب هذه الكارثة قبل نهاية عام 2022.
في 16 أغسطس 2022، أصدرت الهيئة العامة للشؤون البحرية ومؤسسة موانئ البحر العربي بيانا في جريدة 30 نوفمبر الرسمية، دعا فيه أصحاب السفن الغارقة والمهجورة في مينائي المكلا والمهرة (لم يذكر التقرير سقطرى)، على وجه السرعة لإزالة حطام سفنهم من الموانئ خلال خمسة عشر يوماً من الإعلان بموجب أحكام القانون البحري اليمني رقم 15 لسنة 1994، أو إزالتها على نفقة أصحابها.
وقال صحفي البيانات ومدقق الحقائق فاروق مقبل الكمالي: "قضية ناقلات النفط ومشتقاته العائدة لشركة عبر البحار للشحن وجميعها تابعة لرجل الأعمال العيسي، واحدة من القضايا الشائكة، وأصبحت أكثر من 15 ناقلة نفطية نفايات بحرية، وفوقها محملة بأطنان من الهيدروكربونات السامة والمميتة".
في عام 2008، تعد جزيرة سقطرى واحدة من أكبر الجزر العربية واليمنية، وقد تم إدراجها في قائمة التراث العالمي لليونسكو لتنوعها البيولوجي الغني. هناك أكثر من 900 نوع من النباتات، 37% منها مستوطنة، ولا توجد في أي مكان آخر في العالم، وأكثر من 290 نوعاً من الطيور، و11 نوعاً مستوطنة، وحوالي 680 نوعاً من الأسماك، و230 نوعاً من الشعاب المرجانية الصلبة (5 منها مستوطنة)، و30 نوعاً من الشعاب المرجانية الناعمة، و300 نوعاً من القشريات (7 منها مستوطنة)، و490 نوعاً من الرخويات، و230 من الطحالب، واخرين.
قال الدكتور عبد القادر الخراز، أستاذ تقييم الأثر البيئي بجامعة الحديدة والرئيس السابق للهيئة العامة لحماية البيئة، إن "وجود Gulf Dove على ساحل ديليشا منذ عام 2019 يشكل مخاطر بيئية حقيقية على التراث العالمي- الجزيرة المدرجة ".
واضاف الخراز: "يشكل بقاء السفينة المتداعية مخاطر كبيرة على البيئة البحرية والبيئة الساحلية في ديليشا، حيث تنتشر الشعاب المرجانية، وهناك تنوع كبير في الأسماك. سيؤدي تآكل بدن السفينة إلى تسمم وربما موت الأسماك في المنطقة، إلى جانب التأثير على السكان الذين يعملون بشكل رئيسي في الصيد، كما أنها تحتوي على النفط والمشتقات المخزنة فيه، وحتى لو كانت بكميات قليلة، سيكون لها تأثير عند تسربها، وحدثت التسريبات بالتلف. إن سفن العيسي في مواقع اخرى كثيرة بالمكلا وعلى شواطئ عدن".
في الختام، فإن "Gulf Dove"، التي تم التخلي عنها على ساحل سقطرى منذ عام 2019، (Champion1) في المكلا حضرموت، وجميع الناقلات والسفن المتدهورة المعرضة لخطر الغرق قبالة سواحل عدن، كلها أمثلة على السفن "دون المعايير" والتي تعتبر قانونياً غير صالحة للإبحار وفقاً للمواد 350 و351 و355 على التوالي من القانون البحري رقم 15 لسنة 1994، بالإضافة إلى أحكام القانون رقم 16 لسنة 2004. بشأن المحافظة على البيئة البحرية من التلوث. ومع ذلك، بسبب الفساد والإهمال الحكومي، تبحر هذه السفن دون أي مراقبة أو عمليات تفتيش مناسبة، وعندما تتحطم، يتم التخلي عنها من قبل أصحابها على الشاطئ، ووجودها يعيق الملاحة ويهدد الأمن القومي ويؤثر سلبا على البيئة.
في ظل المخاطر التي تشكلها ناقلة النفط صافر، يجب ألا نتجاهل المخاطر التي تشكلها العديد من السفن المتهالكة المتسربة والمهددة بالغرق قبالة سواحل عدن والمكلا وسقطرى. ويتعين على المجتمع الدولي والحكومة اليمنية إزالة هذه السفن المهجورة وحماية البيئة وسكان المدن الساحلية في جنوب اليمن من الكارثة القادمة.
(*) بسام القاضي، باحث علمي وصحفي يغطي قضايا المناخ والبيئة. من أجل هذا التقرير، أجرى مقابلات مع الصحفيين المعنيين، وممثلي السلطات الحكومية، والنشطاء المحليين.