[ خزان تجميع مياه الامطار في حوف ]
تعاني قرى ريفية لا حصر لها من قلة الخدمات الأساسية في شتَّى أنحاء اليمن، لكن نقص المياه الصالحة للشرب هو أكبر التحديات التي يواجهها الكثيرون في هذه المجتمعات المحلية الأكثر احتياجاً. ويُعد الحصول على المياه الصالحة للشرب عملاً روتينياً يومياً، ودائماً ما تقع المسؤولية عن جلبه تقريباً على كاهل النساء والأطفال. وهذه المشكلة تزداد سوءاً مع تغير المناخ الذي يؤدي إلى اشتداد شح سقوط الأمطار وعدم انتظامها.
ولتحسين إمكانية الحصول على مياه صالحة للشرب ومساندة الأسر اليمنية في ثلاث قرى، عمل البنك الدولي وشركاؤه مع المجتمعات المحلية لبناء خزاناتها لتجميع مياه الأمطار. وعلاوةً على تيسير الحصول على مياه الشرب النظيفة، يدفع المشروع أجور العمال المحليين مقابل مشاركتهم في إنشاء خزانات تجميع المياه في القرى الثلاث: "العدن" بمديرية بعدان - محافظة إب، و"العنين" بمديرية وصاب العالي - محافظة ذمار، و"حوف" بمحافظة المهرة.
ويقوم المشروع على تقنية بسيطة يمكنها القيام بدور تزداد أهميته في التخفيف من آثار الاحتباس الحراري العالمي وتحسين الأحوال المعيشية لكثيرين، لا سيما لمن يعيشون في المناطق الريفية.
تقول "حلياء الجلال" -وهي من سكان قرية "العدن" وأمٌ لستة أطفال- إن أسرتها كانت تضطر إلى السير على الأقدام مسافات طويلة لجلب المياه. وتضيف قائلة: "كان جلب المياه من الينابيع يُسبِّب لنا معاناة كبيرة. وتوقف كثيرُ من أطفالي عن الذهاب إلى المدرسة حتى يتفرَّغوا لأداء هذه المهمة كل يوم".
"وبعد أن كبر أطفالي، بدأنا نعتمد على نقل المياه بالشاحنات، ولكن الأسعار باهظة. وكنا نضطر إلى ادخار المال، وفي بعض الأحيان للاختيار بين شراء الماء وشراء الطعام".
لقد ساعدت الخزانات المنزلية لتجميع مياه الأمطار في القرية في تخفيف الأعباء على "حلياء" وأسرتها. تقول "حلياء": "لم نعد نضطر إلى تحمُّل عناء جلب المياه من أماكن بعيدة. فقد وضع خزان تجميع مياه الأمطار الجديد نهاية لبؤسنا".
وبالنسبة للخزانات التي يتم فيها تجميع مياه الأمطار من أسطح المباني وغيرها من الأسطح غير المسامية، فيتم بناؤها من الحجارة والمواد المتوفرة في معظم القرى اليمنية. وكان الشيء الوحيد الذي يُضطر الناس إلى شرائه هو الإسمنت لبناء الجدران الداخلية والحديد لبناء سقف الخزان.
العمل مقابل الماء
علاوةً على توفير المياه، يتيح المشروع أيضاً فرص عمل بأجر للمواطنين المحليين الذين يعملون في بناء الخزانات.
يقول "مُحمَّد الجمال"، وهو أبٌ لعشرة أطفال من قرية "العدن" أيضاً: "كان برنامج النقد مقابل العمل حافزاً لنا لبدء بناء خزانات تجميع مياه الأمطار المنزلية... لم نعد نضيع المال على شراء المياه من الشاحنات الصهريجية، ولكن الأهم من ذلك أنني سعيدُ أن أطفالي لن يتوقفوا بعد الآن عن الذهاب إلى المدرسة لجلب المياه".
يعد اليمن واحداً من أكثر البلدان معاناة من شح المياه في العالم، حيث يعاني 18 مليوناً من السكان من عدم القدرة على الحصول على المياه المأمونة أو الصرف الصحي، ومن المرجح أن يكون توفير المياه الصالحة للشرب من أكبر المشاكل التي سيواجهها أبناء اليمن في السنوات القادمة. ومما يزيد الأمر تعقيداً أن الصراع ترك آثاراً شديدة على البنية التحتية للمياه، ناهيك عن أن التفاوت في متوسط تساقطات الأمطار السنوية، وتعرض بعض مناطق اليمن بالفعل لنوبات الجفاف، يمثلان مشكلتين أدى تغير المناخ إلى تفاقمهما.
يقول "محمد جبران" العضو السابق في المجلس المحلي لمديرية "وصاب العالي" (محافظة ذمار) إن شح المياه الذي تعاني منه المنطقة بدأ يُقوِّض الهيكل الاجتماعي المحلي. ويضيف قائلاً: "غالباً ما يجري جلب المياه من الينابيع التي تبعد مسيرة ساعة ونصف على الأقل من القرية. ويحمل الأطفال أوعية مياه بلاستيكية فوق رؤوسهم، مما يُلقي عليهم أعباء ثقيلة بدنياً وعقلياً". واستدرك بقوله إنه نظراً لأن هذه المهمة غالبا ما يتم القيام بها مرتين في اليوم، فإن عدد الساعات التي تستغرقها يؤدي إلى توقف الكثيرين عن الذهاب إلى المدرسة. وقد اضطر هذا كثيراً من السكان إلى النزوح للعيش في ضواحي المدن.
وأضاف قائلاً: "لكن الماء النظيف أصبح الآن قريباً من بيوتنا. وأتاح هذا لكثير من الأطفال، لا سيما الفتيات، العودة إلى المدرسة ومواصلة دراستهم".
تمكين المجتمعات المحلية
ثمة منفعةٌ أخرى للخزانات المنزلية لتجميع مياه الأمطار تتمثل في أنها مكَّنت المجتمعات المحلية من تجميع مياه الأمطار بكميات كبيرة وتخزينها في خزانات لاستخدامها في المستقبل بدلاً من الاعتماد على برك تجميع المياه العامة الملوَّثة.
يقول "ياسر جمعان" مسؤول مشروعات المياه والبيئة في الصندوق الاجتماعي للتنمية بمحافظة المهرة المجاورة: "كان السكان في حوف يعانون كثيراً من شح المياه. وهذه المعاناة زادت بسبب الأسعار المرتفعة للشاحنات الصهريجية لنقل المياه، وكانت النتيجة أن أسراً كثيرة لم يكن بمقدورها تحمل تكلفة هذا الخيار. ولكن بناء خزانات تجميع مياه الأمطار العامة أعاد الابتسامة على وجوه الناس".
ويضيف "على باكريت" -وهو من سكان مديرية حوف وعمره 41 عاماً- قائلاً: "في بعض الأحيان كنا نمكث أياماً بلا ماء، ولكن المشكلة انتهت، فما نحن فيه الآن بمثابة الحلم الذي تحقَّق".
وتأتي مشاريع الحفاظ على المياه في إطار المشروع الطارئ للاستجابة للأزمات في اليمن التابع للمؤسسة الدولية للتنمية والذي يقوم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بتنفيذه بالاشتراك مع الصندوق الاجتماعي للتنمية، ومشروع الأشغال العامة في اليمن. وساند المشروع حتى الآن إنشاء 1279 خزاناً من الخزانات العامة لتجميع مياه الأمطار و30686 خزاناً من الخزانات المنزلية في عموم اليمن، مما وفر قرابة 900 ألف متر مكعب من المياه النظيفة.
ويقوم البنك الدولي أيضاً بدعم الجهود واسعة النطاق لتحسين الحصول على المياه والصرف الصحي لملايين الأشخاص في اليمن من خلال شراكات مماثلة مع الوكالات التابعة للأمم المتحدة مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، واليونيسف، ومكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع، ومنظمة الصحة العالمية.
كما تجدر الإشارة إلى أن حوالي 3.36 ملايين شخص تمكنوا من الحصول على مصادر المياه المحسنة في المناطق المتضررة من وباء الكوليرا في البلاد وذلك من خلال المشروع الطارئ للصحة والتغذية؛ كما حصل 3.24 ملايين شخص على خدمات الصرف الصحي.
أما المشروع الطارئ للخدمات الحضرية المتكاملة في اليمن، الذي يغطي 16 منطقة حضرية، فقد أعاد تأهيل أحد أنظمة توفير المياه بالإضافة إلى إعادة تأهيل عدد 113 بئراً، مما أتاح إمكانية الحصول على المياه والصرف الصحي لأكثر من 1.1 مليون يمني. علاوة على ذلك، فقد تم من خلال هذا المشروع تركيب ثمانية أنظمة للطاقة الشمسية الكهروضوئية لآبار المياه المستخدمة في الأغراض البلدية، بالإضافة إلى تركيب 40 نظاماً من أنظمة الطاقة الشمسية الكهروضوئية لآبار المياه في المجتمعات الريفية.