تسود مخاوف واسعة في اليمن من تبعات الأزمات الاقتصادية والنقدية والتوترات المتصاعدة في البحر الأحمر، التي تتمثل آخر فصولها بالجدل الذي تشهده بعض المدن اليمنية بشأن تسعيرة وحجم رغيف الخبز.
القلق الذي يساور كثيراً من اليمنيين يتركز حول رغيف الخبز وقرص "الروتي" (من أنواع الخبز) إذ تلجأ الأفران العاملة في بعض المدن اليمنية إلى تقليص حجم الخبز للتعامل مع ارتفاع أسعار وتكاليف مواد إعداده، واستيعاب ما تفرضه السلطات عليها من قرارات تتعلق بطرق البيع التي تلزمها غالباً باعتماد طريقة البيع بالكيلوغرام، بالأخص رغيف الخبز الذي يجري الاعتماد عليه بدرجة رئيسية في وجبة الغداء من قبل كثير من الأسر التي تواجه صعوبة بالغة في إنتاج الخبز المنزلي.
المواطن أديب الشرجبي، من سكان صنعاء، يقول لـ"العربي الجديد"، إن هناك زيادة متصاعدة في الكمية التي يشتريها من أقراص "الروتي"، بسبب النحافة التي تطرأ عليه، وزادت بشكل كبير منذ مطلع العام الحالي. هذا التدهور جعل المواطن إبراهيم غيلان يشبّه حجم قرص "الروتي" بأنه أصبح مثل "القلم"، بالنظر إلى التقلّص الذي شهده مؤخراً في حجمه.
في حين يؤكد المواطن غيث المعمري، من سكان مدينة تعز لـ"العربي الجديد"، أن معظم الأسر لم تعد قادرة على مواجهة أي زيادة في أسعار الخبز و"الروتي"، حتى لو كانت بسيطة ومحدودة ومرتبطة بمعايير تتعلق بالأحجام والأوزان.
يأتي ذلك، في الوقت الذي تعيش فيه مدينة تعز جنوب غربي اليمن، على وقع أزمة مفاجئة حول تسعيرة رغيف الخبز من قبل السلطة المحلية، وتعميمها الإلزامي الذي حدد سعر قرص الروتي الواحد بنحو 60 ريالاً، وسعر الثلاثة أقراص بـ200 ريال، وكذا سعر الكيلوغرام بنحو 1400 ريال، وما رافق ذلك من جدل وتذمر من قبل المواطنين الذين يؤكدون عدم وجود أي مبررات لهذه التسعيرة التي نتج عنها زيادة 20 ريالاً إضافية في سعر الثلاثة أقراص من الروتي (الدولار = نحو 1740 ريالاً).
ويرصد "العربي الجديد"، الذي استطلع أحوال عينة من الأسر في نحو 7 محافظات يمنية، تقلص نشاط مطابخها في إنتاج الخبز المنزلي. ويشير ذلك إلى تزايد اعتماد اليمنيين بشكل كبير، يتجاوز 70%، على شراء رغيف الخبز و"الروتي" لما تبقى من الوجبات، الأمر الذي يجعلهم معرضين للصدمات الناتجة عن أي أزمة عابرة، تؤدي إلى ارتفاع أسعار الغذاء، وانعكاسها على تكاليف وحجم الرغيف، بحسب مراقبين.
خبير التغذية عبد الرحمن السنباني، يقول لـ"العربي الجديد"، إن هناك تغيراً كبيراً في النمط الغذائي لليمنيين، بسبب انعكاسات الأزمة الاقتصادية الناتجة عن الصراع في البلاد، لافتاً إلى نقطة مهمة في هذا الصدد تتعلق بوضعية القمح والدقيق المستورد، حيث إن هناك كميات رديئة تدخل اليمن من وقت لآخر وهي غير صالحة للاستخدام الآدمي.
الباحث الاقتصادي جمال راوح، يلفت في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أن الأزمة أصبحت تطاول ليس فقط المدن، بل أيضاً المناطق الريفية، حيث تتركز النسبة الأكبر من السكان في اليمن، مع تراجع إنتاج الحبوب التي كانت تلبي احتياجاتها الغذائية بنسبة كبيرة، حيث كانت تزرع كثيراً من أصناف الحبوب، مثل الشعير والحنطة والذرة والدخن، وما تتميز به من تعدد أنواع المخبوزات المنتجة منها، وتزايد الاعتماد على الدقيق المستورد في إنتاج الخبز، بالنسبة للأسر القادرة.
وسجلت واردات الوقود والغذاء إلى موانئ الحديدة، التي عادت للاستحواذ على النسبة الأكبر من واردات اليمن، في الربع الأول من العام الجاري 2024، ارتفاعاً ملحوظاً بنحو 30% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي 2023، وفق تقارير رسمية.
في السياق، يشير برنامج الأغذية العالمي، وفق نتاج أحدث استطلاع أعلن عنه مطلع مايو/ أيار، إلى توسع معدل انتشار عدم كفاية استهلاك الغذاء في اليمن، مع وجود حوالي 55% من الأسر التي لا تستطيع الوصول إلى الغذاء الكافي.
البنك وصندوق النقد الدوليان يواصلان من ناحيتهما رسم صورة مقلقة حول الوضع في اليمن خلال الفترة الحالية، جراء التصعيد في البحر الأحمر الذي استعاد نسقه المتصاعد خلال الأيام القليلة الماضية، والذي يُمكن أن يؤثّر سلباً بالنشاط الاقتصادي، من خلال القنوات التجارية والمالية، إلى جانب تأثره بانخفاض الدعم الخارجي، الذي يشمل المساعدات الإنسانية.