تُعد استمرار هجمات الحوثيين اليمنيين على الشحنات في البحر الأحمر تذكيرًا بأن سلاسل التوريد العالمية لا تزال عرضة بشكل كبير للتعطيل. وبالإضافة إلى ذلك، فإنها تسلط الضوء على كيفية أن انعدام الأمن الغذائي يمكن أن يكون في نفس الوقت نتيجة وسبب للصراع.
و للتعامل مع هذا الأمر، يجب على المجتمع الدولي أن يتحرك بسرعة لدمج القوة الصلبة والقوة الناعمة، وتخفيف العوامل التي تدفع وتجذب الناس نحو الإرهاب والعنف والقرصنة، والتي تشمل ذاتها انعدام الأمن الغذائي.
و تعرّف منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة الأمن الغذائي على أنه "عندما يحصل جميع الأشخاص، في جميع الأوقات، على وصول جسدي واجتماعي واقتصادي إلى كمية كافية من الطعام الآمن والمغذي يلبي احتياجاتهم الغذائية وتفضيلاتهم الغذائية لحياة نشطة وصحية".
و تُشير أحدث إحصاءات الأمم المتحدة إلى وجود ما بين 691 مليون إلى 783 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي، والكثير منهم في الدول الهشة والمتأثرة بالصراعات.
و يُعتبر التعطيل الأخير في حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر ذو سابقة تاريخية. و اسم المنطقة البحرية المعنية هو باب المندب، والذي يترجم إلى "بوابة الرثاء" أو "بوابة الحزن". و في الحلقة الحالية من هذه الدراما البحرية، قد يزداد الحزن لملايين الأشخاص الذين يعتمدون على السلع الحيوية التي تمر عبر هذا المضيق الضيق.
و قد أثر تعطيل الحوثيين لحركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر بالفعل بشكل كبير على حركة وأسعار السلع العالمية في بعض الدول. و تباطأت حركة الحاويات، وحوالي 95% من حركة الشحن بالحاويات التي كانت تجتاز البحر الأحمر في الماضي و يتم تحويلها غالبًا حول القارة الأفريقية، مما يزيد من المسافة بمقدار 5000 كيلومتر تقريبًا في بعض الحالات. و تزيد المسافة الإضافية بالفعل من تكلفة الضروريات مثل الغذاء والدواء والوقود. و لنفس السبب، تزيد هجمات البحر الأحمر من تكلفة المدخلات اللازمة للغذاء والزراعة.
و بالنسبة لأشد طبقات السكان ضعفًا عالميًا، فإن زيادة التكاليف من هذا النوع تهدد بتفاقم الضغوط على الأمن الغذائي وتسبب نتائج سلبية تؤثر على الازدهار والأمن، مما يزيد ذلك من احتمالات حدوث الصراع.
و استجابةً لهجمات الحوثيين على الشحنات في البحر الأحمر التي استمرت منذ اختطاف سفينة مرتبطة بإسرائيل في 19 نوڤمبر/ تشرين الثاني، قامت الولايات المتحدة ببدء عملية الازدهار كجزء من جهود متعددة الجنسيات لحماية السلامة البحرية في المياه المحيطة باليمن. و حصلت العملية على تأييدٍ ضمني من قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الصادر في 10 يناير/ كانون الثاني. و في اليوم التالي، قامت الولايات المتحدة وبريطانيا بشنِّ ضرباتٍ على أهدافٍ حوثية في اليمن.
و حتى 11 يناير/ كانون الثاني، كان يبدو أن عملية الازدهار ستستجيب فقط لهجمات الحوثيين في حالة تمكنهم من إلحاق أضرار بالسفن المدنية أو العسكرية. و قد يرى البعض أن التأخير لمدة شهرين في الاستجابة لهجمات الحوثيين يُشكل ضعفًا في النظام الدولي يمكن استغلاله.
و من غير المرجح أن تقوم أي دولة، باستثناء إيران ربما، التي لديها سابقة في هذا الشأن في مضيق هرمز، باللجوء إلى هذه التكتيكات في ثماني نقاط ضيقة بحرية هامة في العالم. و تشمل هذه النقاط باب المندب في القرن الأفريقي، ومضيق هرمز في الخليج الفارسي، وقناة السويس في مصر، وقناة بنما في بنما، ومضيق جبل طارق بين إسبانيا والمغرب، ومضيق ملاكا بين ماليزيا وسنغافورة وإندونيسيا، والمضائق التركية في تركيا، والرأس الرجاء الصالح في جنوب أفريقيا.
و سواء كانت مقصودة أو ناتجة عن الصدفة، فإن هجمات البحر الأحمر قد زادت شهرة الحوثيين. و قد تستوحي جهات غير حكومية أخرى من استخدام الحوثيين لهذه الهجمات لتحقيق أهداف سياسية وعقائدية وعسكرية. ومن القلق البالغ وجود المجموعات المتطرفة التي تنشط في منطقة باب المندب.
و فوق التحدي الفوري للإرهاب البحري والتمرد، تذكر أحداث البحر الأحمر بدور انعدام الأمن الغذائي في الصراع. كما أوضح (ديفيد بييسلي)، المدير التنفيذي السابق لبرنامج الأغذية العالمي، "هناك الكثير من المعلومات حول كيفية تأثير الصراع على الأمن الغذائي، ولكن هناك قليل جدًا من الأدلة على كيفية تأثير الصراع على الأمن الغذائي، ولكن هناك أيضاً القليل جدًا من الأدلة حول كيف يمكن لانعدام الأمن الغذائي أن يؤدي إلى الصراع أو كيف يمكن للأمن الغذائي أن يساهم في بناء مجتمعات أكثر سلمًا".
ومع ذلك، يمكن أن يكون هناك ارتباط بين انعدام الأمن الغذائي والعوامل التي تعزز الصراع، مثل تجنيد المقاتلين ومعدلات الوفيات والإصابات التي تُضعف الاستقرار في المجتمعات الهشة بالفعل، والنزاعات حول الأراضي والمياه في البيئات محدودة الموارد، وتشريد الكثير من الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي. و في عام 1992، أظهرت المجاعة المأساوية في الصومال كيف يمكن أن يعزز انعدام الأمن الغذائي العجز السياسي والاقتصادي أو الاجتماعي.
و تتمثل السخرية المأساوية من هجمات الحوثيين في أن الجوع يعم جميع أنحاء اليمن نفسه، حيث يعاني 17 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي. و لا شك أن انعدام الأمن الغذائي ما زال يقوض السلام والاستقرار في اليمن. وقد تفاقمت هذه المشكلة بسبب الصراع في اليمن واستخدمت لتطرف اليمنيين لصالح الحوثيين. و قد تؤدي الضربات التي تستهدف مواقع ومنشآت الحوثيين من خلال عملية الازدهار أو بأي وسيلة أخرى بموجب قرار مجلس الأمن إلى تفاقم الكارثة الإنسانية في اليمن إذا تسببت هذه الإجراءات في إلحاق الأذى بالمدنيين أو البنية التحتية المدنية.
كما يجب على الحكومات والهيئات المتعددة الأطراف، وخاصة من خلال الأمم المتحدة، العمل على تأمين التجارة البحرية لتجنب أن يسهم انعدام الأمن الغذائي في تصاعد الصراعات في الشرق الأوسط وفي أماكن أخرى.