بعد استهداف جماعة الحوثيين في اليمن سفينة الشحن روبيمار المحملة بآلاف الأطنان من الأسمدة والوقود منتصف الشهر الفائت، أثار غرق السفينة البريطانية في الثاني من آذار/ مارس مخاوف كبيرة بين اليمنيين، وسط تحذيرات دولية من حدوث كارثة بيئية في المياه الإقليمية اليمنية، الأمر الذي زاد فضول الكثيرين بشأن الأضرار المتوقعة على الثروة السمكية والحياة البحرية.
تعود الحادثة إلى الثامن عشر من شباط/ فبراير الفائت، حين استهدف الحوثيون السفينة التي يبلغ طولها 171 متراً وعرضها 27 متراً وتحمل أكثر من 41 ألف طن من الأسمدة والديزل، بعدد من الصواريخ خلال إبحارها في البحر الأحمر، ما أدى إلى تعرضها لإصابة بالغة، وجعلها مهددة بالغرق على بعد نحو 16 ميلاً عن البر اليمني.
ومنذ وقوع الحادثة، أطلقت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، استغاثات متكررة من أجل تفادي حدوث الكارثة، لكنها قوبلت بالتجاهل من قبل الدولة المالكة للسفينة أي بريطانيا، وغيرها الكثير من المنظمات المهتمة بالبيئة. وبعد أسبوع قالت القيادة المركزية الأمريكية "سنتكوم" إن الهجوم على روبيمار تسبب بأضرار جسيمة للسفينة وتسريب بقعة نفط بطول 18 ميلاً (29 كيلومتراً)، وأوضحت أن المياه تتسرب ببطء إلى السفينة.
وبعد أيام غرقت روبيمار وفق ما أعلنته الحكومة اليمنية، في حين أجلي طاقمها المكون بشكل أساسي من سوريين ومصريين إلى جيبوتي، لتصبح أول سفينة تلاقي هذا المصير بفعل هجمات جماعة الحوثيين، وأشارت الحكومة في بيان إلى أن الغرق حدث بالتزامن مع الرياح الشديدة، وأن الأمر كان متوقعاً بسبب ترك السفينة من دون أي تدخل دولي.
•كارثة بيئية
يقول لرصيف22 الخبير النفطي واستشاري تنمية الموارد الطبيعية، د. عبد الغني عبدالله جغمان، إن ما يقرب من 21 ألف طن متري من سماد كبريتات فوسفات الأمونيوم التي كانت تحملها السفينة، تشكل خطراً بيئياً على الموائل والكائنات في البحر الأحمر.
ويؤكد جغمان أن غرق السفينة بهذه الكمية من السماد ستنتج عنه كارثة بيئية بكل المقاييس، خاصة أن الأسمدة ستذوب في المياه، مما قد يؤدي إلى تلويث البيئة البحرية. ويتابع: "كبريتات فوسفات الأمونيوم هي سماد شائع الاستخدام في الزراعة، لكن إطلاقه في البحر يمكن أن يؤدي إلى اختلال توازن المغذيات والإضرار بالنظم البيئية المائية".
ويضيف جغمان: "العناصر الغذائية الزائدة من الأسمدة قد تؤدي إلى التخثث، وهي عملية تنمو فيها الطحالب والنباتات المائية بسرعة بسبب زيادة توافر العناصر الغذائية، وهذا يمكن أن يؤدي إلى استنفاد الأكسجين، والإضرار بالأسماك والكائنات البحرية الأخرى". ويستطرد: "البحر الأحمر موطن للشعاب المرجانية والحياة البحرية المتنوعة، لذا يمكن أن يؤثر جريان الأسمدة سلباً على صحة المرجان مما قد يؤدي إلى ابيضاضه".
ويرى أنّ السفينة الغارقة تمثل خطراً تحت سطح الماء على السفن الأخرى، التي تُبحر في مسارات الشحن المزدحمة عبر باب المندب، ومن الممكن أن يتسبب الاصطدام بالسفينة المغمورة بمزيد من الأضرار البيئية وتعطيل حركة المرور البحرية.
يتطلب الوضع مراقبة دقيقة واتخاذ التدابير المناسبة لمعالجة التأثير البيئي، ولدرء أي مخاطر مستقبلية، يوصي د. جغمان الجهات الحكومية والرسمية بإرسال "فريق لأخذ قياسات ورصد لتقييم الأثر البيئي ومتابعته على مدار الساعة، وتحديد حدود ومكان التلوث، وبالتالي تحذير الصيادين ومرتادي تلك المنطقة من سفن تجارية أو صيادين بالابتعاد عنها ومتابعتها لحين تلاشي الضرر".
•تهديد للسلاسل الغذائية
يتحدث لرصيف22 الأستاذ المساعد في كلية العلوم البيئية والأحياء البحرية في جامعة حضرموت، عبد الباسط الغرابي، ويشير إلى أن روبيمار بدأت بالغرق تدريجياً، ثم مالت على مؤخرتها لتنزل بشكل عمودي وتصل للقاع على عمق 150 متراً في البحر.
وتنعكس مخاطر حمولة السفينة الغارقة كما يقول على الحياة البحرية بشكل كبير، سواء تسرب النفط أو غيره من مركب فوسفات الامونيا، التي تستخدم كسماد غير عضوي للنباتات بهدف تحسين الإنتاج، فالفوسفات مادة غير عالية السمية، لكن خطورتها تكمن في ذوبانها السريع في الماء، وانتشارها العالي، وبالتالي يصعب إزالتها مستقبلاً إذا اختلطت مع مياه البحر، وستكون تأثيراتها خطيرة على الأحياء والبيئة البحرية في منطقة البحر الاحمر بشكل عام، وكذلك غابات أشجار المانجروف التي تنتشر في المنطقة.
وسيسبب تسرب النفط أضراراً على الطحالب والكائنات وحيدة الخلية، وهي مصادر غذائية هامة غنية بالأحماض الأمينية والدهنية سهلة الامتصاص لجميع أنواع الأسماك، وبفقدها تفقد الأسماك الغذاء مما يؤدي إلى ضعفها وحتى موتها.
إلى جانب ذلك، يلفت الغرابي إلى أن التسرب النفطي يؤثر على الهائمات النباتية التي تعيش على سطح الماء، وهي المسؤول الأول عن تثبيت الطاقة وإنتاج الأوكسجين في البيئة البحرية بواسطة عملية التركيب الضوئي، كما أن الملوثات النفطية تدخل إلى البنية الخلوية للملايين من الكائنات الحية النباتية الكبيرة منها والدقيقة، ومن ثم تصل إلى الأسماك، وبالنهاية تصل إلينا نحن البشر. ويضيف: "لا بد من التدخل لحصر بقعة الزيت الناجمة عن الغرق والتخلص منها بكافة الطرق، كي لا يصل التلوث إلينا".
•مخاطر مستقبلية
وعن المخاطر المستقبلية التي قد تترتب في حال لم يتم التدخل وحصر التلوث والتخلص من بقع النفط والحد من انتشارها، يقول الغرابي إن هذه المخاطر قد تكون بيئية وحيوية واقتصادية بل واجتماعية، فبقعة النفط ستحجب أشعة الشمس وتمنع وصولها إلى أعماق البحر، وهذا بدوره يؤثر على الطحالب والنباتات التي تقوم بالبناء الضوئي، الذي هو مصدر الغذاء الرئيسي لكل الحياة البحرية، الذي ينتقل عبر السلسلة الغذائية من الهائمات الخضراء إلى غير الخضراء إلى القشريات ثم الأسماك والإنسان.
ويتابع: "سيؤدي خفض نسبة الأكسجين إلى اختناق الكائنات الحية ونفوقها وانخفاض عددها، وبالتالي انخفاض إنتاج الثروة السمكية، وهذا سوف يؤثر بشكل كبير على الصيادين الذين يعتاشون من هذه الثروة، الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة العاطلين عن العمل".
ويزيد أن هذه المواد الكيميائية والنفط ستؤثر على جودة الأسماك والأحياء البحرية، وعلى مذاقها ورائحتها، وخفض نسبة الإنتاج الذي يعد أحد المصادر للعملة الصعبة، ولذلك سوف يؤثر على مستوى الدخل القومي.
ويقول لرصيف22 صبري لجرب، المدير العام لهيئة أبحاث علوم البحار والأحياء المائية فرع حضرموت: "ستؤثر الملوثات التي تسربت من سفينة روبيمار على الحياة البحرية، خصوصاً الأسمدة، أما النفط فهو محمل بالمعادن الثقيلة مثل الرصاص والكادميوم والزيبق، وعند تشبع البحر بهذه المواد الثقيلة فإنها تترسب في قاعه، وبعد فترة من الزمن تتفاعل مع مياهه ومن ثم تضر البيئة البحرية والنظام البيئي برمته".
وفي ظل عدم وجود تقارير رسمية توضح حجم الكارثة البيئية المتوقعة جراء السفينة الغارقة، وأثرها في المياه اليمنية والبلدان المجاورة، ثمة أخبار تتحدث عن وصول خبراء أمميين لتقييم الوضع، وتشاور الحكومة اليمنية مع المجتمع الدولي حول الشراكة للتخطيط لمكافحة التلوث الناجم عن الغرق، ومراقبته ومنع انتشاره، خاصة أن البحر الأحمر مغلق ومساحته صغيرة ومن السهل انتشار التلوث فيه دون ظهور آثاره بشكل سريع.
كما تسعى منظمات بيئية لمتابعة الأمر وتقييمه وجمع معلومات حول السفينة وما كانت تحمله من مواد بشكل دقيق، مع محاولة تقديم المشورة لأفضل الطرق لتفادي الكارثة المتوقعة.