خلال قمة مجموعة العشرين التي استضافتها نيودلهي في سبتمبر / أيلول الماضي، كشفت الهند عن مشروع طموح أٌطلق عليه اسم "الممر الاقتصادي الجديد بين الهند والخليج وأوروبا" المعروف اختصاراً بـ "ايمك" ليحظى بدعم من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وقادة دول الخليج لا سيما ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
وسوف يتضمن الممر الاقتصادي، بحسب قادة العشرين، إنشاء خطوط للسكك الحديدية، فضلاً عن ربط الموانئ البحرية وجوانب أخرى. وتتوقع الولايات المتحدة أن يساهم الممر في تنشيط التنمية الاقتصادية من خلال تحسين الاتصال والتكامل الاقتصادي بين آسيا والخليج وأوروبا.
ويتألف المشروع من ممرين منفصلين؛ إذ يربط الممر الشرقي الهند بالخليج، فيما سوف يربط الممر الشمالي الخليج بأوروبا.
وفور الإعلان عن المشروع، قال بايدن إن الممر سيوفر "فرصاً لا نهاية لها" للدول المعنية، فيما قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إن المشروع "سيكون رابط البيانات الأكثر مباشرة حتى الآن بين الهند والخليج العربي وأوروبا".
من جانبه، قال رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إن الممر الجديد سيكون "الأساس للتجارة العالمية لمئات السنين القادمة".
•ماذا عن مسار التطبيع؟
أدت الحرب بين إسرائيل وحماس إلى تعليق التقدم في التخطيط والبدء بتنفيذ على خلفية هجمات الحوثيين على سفن الملاحة الدولية في البحر الأحمر. وعلى وقع ذلك، يراود الخبراء الشك حيال مستقبل المشروع.
وقال الخبراء إن أبرز ثمار المشروع ستتمثل في تعزيز التكامل الاقتصادي والشراكة داخل الشرق الأوسط من خلال الربط بين الإمارات والسعودية والأردن وإسرائيل فيما سيعتمد الأمر برمته على تحقيق السلام الإقليمي.
لكن حرب غزة قلبت الوضع الأمني رأساً على عقب، فضلاً عن أن الاستنكار الشعبي في السعودية والإمارات تجاه القصف الإسرائيلي لغزة أدى إلى تقويض مسار التطبيع بين إسرائيل ودول عربية خاصة السعودية.
وفي ذلك، قال بايدن إنه يعتقد أن أحد الدوافع وراء قرار حماس مهاجمة إسرائيل في السابع من أكتوبر / تشرين الأول الماضي كان مسار التطبيع بين إسرائيل والسعودية، مضيفاً "ليس لدي أي دليل على ذلك، لكن حدسي يخبرني أن ذلك بسبب التقدم الذي نحرزه نحو التكامل الإقليمي لإسرائيل والتكامل الإقليمي بشكل عام".
ويذكر أن حركة حماس هي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.
وقد تعهدت السعودية بضخ استثمارات بقيمة 20 مليار دولار لتنفيذ المشروع سيذهب جُلها لإنشاء شبكة السكك الحديدية، لكن يبدو أن مستقبل المشروع بات مرهوناً بتطور الحرب بين إسرائيل وحماس في ضوء أن تنفيذه سوف يتطلب مستوى غير مسبوق للتعاون بين إسرائيل وجوارها العربي.
ورغم عدم توقف قطار التطبيع، لكنه تعثر عقب هجوم حماس الإرهابي على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي؛ إذ أبلغت الرياض واشنطن في وقت سابق من الشهر الجاري بأنها لن تقيم علاقات مع إسرائيل، إلا إذا جرى الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة.
وفي السياق ذاته، سلطت هجمات الحوثيين على الملاحة الدولية في البحر الأحمر الضوء على ضعف الفرص التجارية أمام المخاوف الأمنية. فرغم أن الممر الاقتصادي الجديد لن يعبر البحر الأحمر، إلا أن مساره إلى الهند سيمر عبر مضيق هرمز الذي يعد أحد أهم الممرات المائية في العالم وأكثرها نشاطاً، والذي تتمتع إيران فيه بنفوذ ملحوظ.
•"لا ممر بدون تركيا"
ويقول الخبراء إن مشروع الممر الاقتصادي أثار الكثير من علامات الاستفهام حول جدوى تنفيذه خاصة في ظل معارضة دول إقليمية مثل تركيا حيث أعرب رئيسها رجب طيب أردوغان عن موقف أنقرة قائلا: "لا يمكن أن يكون هناك ممر بدون تركيا".
وتؤكد تركيا على دورها التقليدي كجسر بين الشرق والغرب تجارياً، فيما تروج لممر بديل يعرف باسم مشروع "طريق التنمية" يربط ميناء الفاو العراقي بتركيا وصولاً إلى أوروبا بمشاركة عشر دول إقليمية هي السعودية وتركيا وسوريا والأردن والكويت والبحرين وقطر والإمارات والبحرين وإيران.
ونقلت وكالة "الأناضول" الرسمية للأنباء عن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان قوله إن "الطريق التجاري لا يتعلق بالتجارة لوحدها، بل هو انعكاس للمنافسة الجيواستراتيجية."
وقال بعض الخبراء إن الممر الاقتصادي الجديد ذا طابع سياسي بقدر أهميته الاقتصادية حيث يحمل في طياته تحدياً لمبادرة "الحزام والطريق" التي أطلقتها الصين عام 2013 بهدف بناء شبكة اقتصادية وبنى تحتية تربط آسيا بأوروبا وأفريقيا لتعزيز النفوذ العالمي للصين من شرق آسيا إلى أوروبا من خلال جعل الدول في جميع أنحاء العالم تعتمد بشكل متزايد على الصين.
ويُضاف إلى ذلك الشكوك حيال عمليات تنفيذ وتمويل الممر الاقتصادي الجديد حيث يتطلب ضخ استثمارات ضخمة وتدشين تعاون واسع النطاق عبر الحدود. فرغم أن وثيقة الإعلان وصفت المشروع بأنه سيكون "جسراً أخضراً ورقمياً عبر القارات والحضارات"، إلا أنه لم يتم إجراء دراسة جدوى حيال تيسير عملية نقل الطاقات المتجددة والهيدروجين النظيف عبر كابلات وخطوط أنابيب من خلال الممر.
•عين الهند على الخليج
ويقول خبراء إنه بغض النظر على الجدل حيال الجدوى الاقتصادية للممر، فإن ما بات جلياً يتمثل في مساعي الهند إلى تطوير علاقاتها مع بلدان الشرق الأوسط ؛ إذ قام رئيس وزرائها بزيارة الإمارات وقطر كجزء من استراتيجية بلاده الدبلوماسية لتعزيز العلاقات مع دول الخليج.
وخلال تواجده في أبو ظبي، وقع مودي معاهدة استثمار ثنائية لتعزيز العلاقات الاقتصادية، خاصة أن الإمارات تعد ثاني أكبر سوق لصادرات الهند. وقد وقع البلدان العام الماضي اتفاقية تجارة حرة بهدف تعزيز التجارة غير النفطية.
وفي فبراير / شباط الجاري، وقعت الإمارات والهند اتفاقية إطارية لتشغيل الممر الاقتصادي.
وفي مؤشر إيجابي على الرغبة الدولية لتنفيذ الممر الاقتصادي الجديد، قامت فرنسا مؤخرا بتعيين جيرار ميسترالي، الرئيس التنفيذي السابق لشركة إنجي، مبعوثا خاصاً لتمثيل فرنسا في المشروع. وفي مقابلة مع شبكة "بلومبرغ، قال ميسترالي إنه حريص على تحقيق بعض التقدم الملموس في تنفيذ المشروع، مضيفاً "أود أن أدعو ممثلي الدول الأعضاء الأخرى في الممر لحضور اجتماع خلال الشهرين المقبلين".