عندما بدأ الحوثيون إطلاق الطائرات المسيّرة والقذائف والصواريخ صوب إسرائيل وحركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر، كان من البديهي أن نتساءل عن الأهداف التي تسعى الجماعة إلى تحقيقها. على أي حال، ليس لليمن أي مصالح ملموسة في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، كما أنه لن يجني أي فائدة مادية من مضايقة الملاحة الدولية. وبينما يرد التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة على هجمات الحوثيين -وهو أمر قد يستمر لبعض الوقت -فإن صياغة استراتيجية فعّالة لاستعادة الردع تتطلب فهم دوافع الخصم.
يتمتع الحوثيون -كما يبدو -بوضع جيد يؤهلهم من تحقيق خمسة أهداف متداخلة في تدخلهم لصالح حماس في الوقت الذي تكافح فيه إسرائيل لطردهم من غزة في أعقاب هجمات 7 أكتوبر. كما حققت إيران إنجازات هائلة عبر الحوثيين بينما تخوض صراعها متعدد الجبهات والأبعاد.
أولًا، يسعى الحوثيون إلى تحقيق مكاسب سريعة على الساحة الدولية إبان فترة قاتمة في الساحة المحلية. البؤس الاقتصادي ليس حالة استثنائية، بل هو سمة من سمات نظام الحوثيين: إنهم يفرضون ضرائب باهظة، ويبتزون ما تبقى من الاقتصاد في اليمن، كما أن الافتقار إلى أي نظام قضائي نزيه سيجعل من ممارسة الأعمال التجارية في اليمن أو تفكير أي شخص في الخارج في الاستثمار أمرًا مستحيلًا. تتنامى بين كثير من اليمنيين حالة استياء من نظام الحوثيين الذي يعيّن أفراد عائلته ورفاقه في مناصب عليا بينما يتدهور وضع المواطن اليمني العادي.
ومما زاد الطين بلة، أن جماعة الحوثيين تعطّل وتستنزف الجهود الدولية لمساعدة اليمنيين الأكثر تأثرًا. وفي ضوء تدمير الجماعة لاقتصاد اليمن الضعيف بالفعل وقوتها الدبلوماسية المحدودة، فإن أفضل رهان للحوثيين لاستمالة الولاء اليمني لنظامهم (أو على الأقل عدم المعارضة) هو توجيه قوتهم العسكرية لمواجهة الإسرائيليين المكروهين.
ثانيًا، ربما سعى الحوثيون إلى إثارة ردود فعل من المجتمع الدولي، مثل الغارات الجوية التي شنتها (الولايات المتحدة وبريطانيا) في 11 يناير، لتبرير البؤس المستمر لليمنيين. قد يبدو هذا غير منطقي بالنسبة لمعظم الغربيين، لكنه منطقي تمامًا بحسب منطق الحوثيين. إذا لم تتمكن الجماعة من تحسين نوعية الحياة، فإنها تحتاج إلى إيجاد تفسيرات جديدة لتبرير سبب ضرورة تحمل اليمنيين الفقر، حتى أثناء الهدنة مع التحالف الذي تقوده السعودية.
هدفهم ليس بالضرورة زيادة المصاعب على اليمنيين، بل إعادة توجيه الإحباطات اليمنية بمعقولية إلى الخارج. تحتاج الجماعة إلى “جاني” جديد بعد توقف القصف السعودي، وهو تبرير الحوثيين لفقر اليمن، بسبب الهدنة. إن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة هو المرشح المثالي للعب دور الشرير بالنسبة للحوثيين. ولذا، يجب على الحلفاء بقيادة الولايات المتحدة في المنطقة الرد على هجمات الحوثيين بحسم. كما يجب عليهم أيضًا الحذر من استخدام الحوثيين أي رد في دعايتهم للاستهلاك المحلي.
ثالثًا، لتجنب استهدافهم أو الضغط عليهم من جيرانهم الذين يفضلون الاستقرار على الفوضى، سعى الحوثيون إلى تخويف الدول الإقليمية. لقد فعلوا ذلك بشن هجمات على إسرائيل فوق المجال الجوي لأراضي الدول العربية المجاورة أو بطرق تضر بمصالح تلك الدول. ثم حاولوا تصوير أي شخص يعارض مثل هذه الهجمات على أنه مؤيد لإسرائيل، للضغط على شرعية تلك الأنظمة داخليًا، وحذروا من أن أي شخص يعارض موقف الحوثيين معرض لخطر أن يصبح هدفًا. وأجبر هذا معظم الدول العربية المناهضة لهجمات الحوثيين على المعارضة بصمت، هذا إن وُجِد. البحرين هي الاستثناء الملحوظ. ومن المهم أن السعودية الغنية والقوية، وهي قوة إقليمية، اضطرها جيرانها الحوثيون إلى اتخاذ مواقف صعبة وخانعة إلى حد ما حول هذه القضايا، نظرًا لإرهاقها لسنوات في القتال باليمن والتركيز على تنفيذ رؤية 2030.
رابعًا، يسعى النظام في صنعاء إلى إظهار مكانته لرعاته في طهران. إنهم سيستفيدون من إثبات جدارتهم. وفيما يتعلق بالحوثيين، فإن إثبات كفاءتهم وقدرتهم بأنهم قادرون على تقديم عائد ممتاز من الاستثمار لإيران قد يتحول إلى تمويل إضافي من طهران وربما وصول أكبر إلى أسلحة إيرانية أكثر تطورًا. وقد يخلق هذا بعض التنافس بين الحوثيين وغيرهم من الوكلاء والشركاء الإيرانيين
حول هوية العضو الأكثر قيمة في “محور المقاومة”. وفي هذه الحالة، سوف تستفيد إيران من مثل هذه المنافسة.
خامسًا، مع استهداف المصالح الأمريكية والإسرائيلية بطرق يصعب الرد عليها، يهدف الحوثيون إلى تقويض هيبة الولايات المتحدة وإسرائيل في المنطقة. تتلخص رؤية الحوثيين للعالم في “صرخة” الجماعة أو شعارها “الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام”.
يمكن لهجمات الحوثيين التي تتسم بهذا الطابع، اعتمادًا على الرد، أن تؤثر على الولايات المتحدة وإسرائيل في مختلف النواحي، ومن بينها الشراكات الدفاعية واتفاقيات التطبيع. وكل من الأيديولوجية الكامنة وراء هذا الهدف واستراتيجية تنفيذه مستوحاة مباشرة من قواعد اللعبة الإيرانية.
تمكنت إيران أيضًا من إحراز نجاحات بعد 7 أكتوبر. فقد وحدت الجبهات لأول مرة في صراع غزة من خلال شن هجمات يومية على المصالح الأمريكية أو الإسرائيلية من لبنان، والعراق، وسوريا، والضفة الغربية، وغزة، واليمن. وباستخدام شريكها جماعة الحوثيين، أظهرت إيران أيضًا نفوذها في زمن الحرب ليس على الخليج العربي ومضيق هرمز -ممرات الشحن الرئيسية -فحسب، ولكن أيضًا على نقطة اختناق أخرى في مضيق باب المندب.
وبالمثل، حطم الحوثيون الأرقام القياسية في عام 2023 باستخدام الصواريخ الباليستية المضادة للسفن لاستهداف السفن التجارية لأول مرة. ويمثل إطلاقهم صاروخًا باليستيًا على إسرائيل، الذي اعترضه نظام الدفاع الصاروخي “السهم”، أول حادثة قتال في الفضاء. ولم تؤدِ مثل هذه العمليات إلى نجاح الحوثيين فحسب، بل قدمت أيضًا خبرة قيمة في ساحة المعركة ودروسًا مستفادة لإيران. يحتفظ الحرس الثوري الإيراني بسفينة تسمى بهشاد، التي تمد الحوثيين بالمعلومات الاستخبارية. وكان هذا ضروريًا -على الأرجح -في نشر صواريخ باليستية حوثية لاستهداف السفن التجارية والسفن الحربية الأمريكية والأوروبية. كما كان تدريب الحرس الثوري الإيراني وخبرته لا غنى عنها في إطلاق الصواريخ الباليستية.
من غير المرجح على ما يبدو أن يكون الحوثيون قد خططوا بالضبط لكيفية سير الأمور، ومع ذلك يجب على التحالف المناهض للحوثيين بقيادة الولايات المتحدة أن يبذل جهودًا لمفاجأة صنعاء ورعاتها في طهران. وكان ذلك عكس ما حدث عندما تلقى الحوثيون تحذيرًا مسبقًا قبل ضربات التحالف بعد فترة طويلة لا متناهية من المداولات الغربية بشأن اتخاذ إجراء. ويجب على التحالف أيضًا أن يسعى إلى اختلاق معضلات غير مريحة للجماعة ورعاتها مع إظهار للحلفاء الإقليميين أنه من الأفضل لهم التصدي للحوثيين بدعم من الولايات المتحدة بدلًا من الانصياع لنظام الحوثيين المتطرف. ويمكن للولايات المتحدة وحلفائها أن يتسببوا في نتائج عكسية لهجمات الحوثيين باستخدام مجموعة مناسبة من القوة العسكرية والبراعة.
لقراءة المادة من موقعها الأصلي، في هذا الرابط:
https://sanaacenter.org/ar/translations/21926#ma_aldhy_yhrk_alhwthyyn