تواجه النساء اليمنيات العديد من التحديات المختلفة منها الاجتماعية والاقتصادية، لاسيما الأقلية من ذوي البشرة السوداء، إذ يعتبرنّ أكثر الفئات تعرضا للعزلة والحرمان من الحقوق الأساسية، منها الحق في التعليم منذُ الصغر.
الثلاثينية إشراق حسان إحدى النساء من فئة ذوي البشرة السوداء في محافظة لحج (جنوب البلاد)، تسكن في حارة العمال بمديرية الحوطة واستطاعت بالرغم من الحياة الصعبة التي عاشتها ولا تزال بأن ترسم لها طريق النور بالتحاقها بفصول محو الأمية هناك وانتزاع حقها في القراءة والكتابة.
•التمسك بالحلم
تقول إشراق بأنها درست للصف الثاني بمدرسة حكومية في مقتبل عمرها، ثم توقفت عن الدراسة لأسباب أسرية بالرغم من رغبتها وتمسكها بالتعليم، والسبب يعود إلى زواجها في سن مبكر بعمر 14 عامًا، لكنها لم تتخلَ عن الحلم، وقررت الالتحاق بفصول محو الأمية بعد ذلك بسنوات وكان قد أنجبت ثلاثة أطفال.
تضيف، "كنت أرغب كثيرا باستكمال دراستي وتمكنت من ذلك رغم أنني أصبحت أم، وفعلت ذلك، حيث استأنفت دراستي من حيثما توقفت ودرست حتى الصف الخامس في مدرسة الحوطة".
توضح إشراق في حديثها، بأنها أثناء دراستها في محو الأمية لم تجد نظرة التمييز حاضرة بقوة في المجتمع هناك كونها من فئة المهشمين، بينما كان الوضع طبيعيًا أكثر، وأن وجدت العنصرية كانت لم تواجهها ولا تدعها تؤثر عليها، إضافةً إلى وجود الكثير من النساء من أبناء جلدتها في نفس الفصل الدراسي.
وتتابع، "وإن كانت النظرة التمييزة موجودة نسبيًا لكن لم تؤثر عليّ خصوصا مع وجود العديد من النساء مثلي بنفس الفصل وكذلك مع تشجيع ودعم زوجي، وهذا ساعدني كثير للاستمرار بالدراسة".
وتستطرد إشراق، "أردت أن أزيل ظلام لازمني سنوات طفولتي ومراهقتي وشبابي وفعلاً تحقق الحلم وحاليًا استطيع أن أكتب واقرأ، وأذاكر لأطفالي، وأيضًا أتمكن من قراءة الرسائل ولوحات الإعلانات والعناوين بالشوارع خاصة عندما أذهب لمركز الأمومة والطفولة بلحج والأسواق، وفعلاً التعليم شيء مختلف ويعطي طاقة إيجابية وثقة".
•طموح منكسر
تقول إشراق في سياق حديثها إن طموحها كان أكبر بكثير في سنوات عمرها الفائتة يفوق مربع القراءة والكتابة، وبأن تحصل مثل أي امرأة وفتاة من استكمال الدراسة في المدارس والاستمرار حتى الوصول إلى المرحلة الجامعية، لتحققها طموحها بأن تصبح طبيبة لكنها لم يحدث ذلك.
تضيف بانكسار، "كنا في جهل ولا توجد المقدرة للوضع المعيشي لأسرتي الفقيرة وتواجد الأمراض وضعف البيئة المحيطة بنا والتمييز كوننا من فئة المهمشين، كل ذلك وضع حاجز لعدم الوصول لتحقيق هذا الحلم"، لكن الأمل تجدد لدى أشواق لوهلة، وذكرت بأنها تشعر بالاكتفاء الأن مع قدرتها من القراءة والكتاب.
لأشواق حلمًا آخرًا تسعى فيه لتعليم أطفالها وإكمال دراستهم، حيث بجانب دراستهم بالمدرسة تذهب بهم إلى "معلامة" عند أحد شيوخ العلم للتقوية وهو مكان أشبه بالدروس الخصوصية الإضافية، "لا أريدهم يلاقون نفس مصيري بالأمية، حيث لدي بنت بالصف الأول ثانوي، وكذلك أخرى بالصف التاسع، وثالثة بالصف الثامن، وطفل بالصف الخامس، وأبذل أنا وزوجي ما بوسعنا لتعليمهم"، تتابع.
•أمية طاغية
ترى السيدة انتصار كرد، مديرة عام مكتب محو الأمية وتعليم الكبار بلحج، أن فئة ذوي البشرة السوداء من أكثر وأكبر الفئات التي يجتاحها شبح الأمية لأسباب كثيرة منها تداعيات الحرب والأوضاع الاقتصادية المتدهورة التي تمر بها البلاد، ونفسها الأسباب التي ساهمت بانتشار الأمية أيضًا لدي فئات المجتمع الأخرى.
تقول انتصار بأنه لا توجد إحصائية خاصة وكاملة بنساء هذه الفئة على وجه التحديد في فصول محو الأمية هناك، لكن بلغ عدد النساء الأميات عامة في 10 مديريات بلحج نحو 1659 امرأة من ضمنهن المهمشات، خلال عامي2021 و2022، وكل فصل يحتوي من 20 إلى 30 شخص من الجنسين منها 10 نساء من المهمشات بكل فصل.
وتشير إلى أنه يوجد 50 امرأة من ذوي البشرة السوداء حاليا بفصول محو الأمية على مستوى مديرتين فقط وهما "الحوطة وتبن"، بينما العدد أكبر من ذلك فهناك الكثير منهن بحاجة للالتحاق بفصول محو الأمية لو كان هناك توسع في عقود العمل، لافتةً إلى أنه حاليًا هناك 104 عقد فقط متوفر وهذا لا يغطي الاحتياج اللازم والمطلوب.
•فصول في تجمعات سكنية
بحسب انتصار، فقد عملوا في المكتب على فتح فصول لمحو الأمية في مناطق المهمشين، نتيجة قلة الفصول المخصصة بالمدارس، مثل أحياء "العمال، والحد الأحمر، ومنطقة الدبا بمديرية الحوطة"، وبعد التأكد من مقدرتهم على القراءة والكتابة فإن المجال لاستكمال التعليم في المدارس لثلاث سنوات إضافية ويقدمون المساعدة لمن يرغب بذلك.
وتناشد المسؤولة الحكومية في حديثها، وزارة التربية والتعليم والحكومة، بأن يولوا قطاع محو الأمية وتعليم الكبار اهتمام كبير وذلك لما أفرزته الحروب من نتائج وخيمة أدى إلى انتشار أكبر عدد من الأميين وخاصة بين الفئات المهمشة بالمجتمع، وتوفير الكتاب المدرسي.
كما تدعو المنظمات خاصة من لديها تدخلات في مديريات لحج بخصوص برامج محو الأمية إجراء مسح أولي من أجل تثبيت قاعدة بيانات أساسية وواقعية لأنه وفقًا لما ذكرته، لا يوجد حتى الآن أي قاعدة بيانات رسمية للأميين سواء الصادرة بعام 2004.
•توجه نحو التعليم
لوحظ بشكل لافت توجه من فئة ذوي البشرة السوداء بالمحافظة مؤخرًا لتعليم فتياتهم حتى مرحلة الثانوية العامة وإن كان بنسبة ضئيلة تقدر بنحو 10 بالمائة بعد ما كان هناك حرمان للفتاة المهمشة بالحصول على حقها في القراءة والكتابة من أسرتها لعدة أسباب منها الفقر، والتمييز العنصري بالمدارس وأحقية الذكور في التعليم، كما تقول مدير مكتب حقوق الأنسان بلحج، حياة الرحيبي.
وهناك خمس فئات تعليمهم يمثل التحدي الرئيسي في اليمن ويجدون صعوبة في الوصول إلى التعليم البديل غير النظامي في اليمن وهم " النازحين، المهمشين، ذوي الإعاقة، الفتيات، والأطفال الفقراء" بعد أن ساهمت عدة إشكاليات في ازدياد نسبة الأمية بالبلاد ومنها حالة الحرب الأهلية والصراعات السياسية، والوضع الاقتصادي المتدهور، والمناطقية، وفق الحريبي.
في ذات السياق، تشير مدير عام المرأة في تعلم الكبار في عدن وباحثة في التعليم البديل غير النظامي، نبيلة دعدع، إلى أن الأمية في اليمن تمثل مشكلة قومية حيث أن نسبتها مرتفعة وصلت إلى أكثر من 62٪ إجمالي نسبة عدد السكان.
وتعتقد دعدع بأن هذه النسبة لا يمكن التوقع بالحصول على مردود إيجابي في تعزيز التنمية المستدامة 2030، ما لم يتم استحداث استراتيجيات وبرامج وطنية تعمل على تقويض أسس هذا الجهل وهذا التخلف، ولن يكون ذلك إلا من خلال تعزيز برامج تعليم الكبار، حيث أصبح تعليم الكبار وتعليمهم القوة الدافعة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وبخصوص فئة المهمشين تقول دعدع بأن معدلات التسرب ترتفع في الأطفال المهمشين إلى87٪، والفتيات أكثر عرضة ليكونوا خارج المدرسة من الأولاد ويعود السبب لعدم التحاق الفتيات في المدرسة من البداية، مشيرةً إلى أن نسبة الأمية بين المهمشين في بعض المحافظات مثل: تعز تصل إلى 90٪ للنساء و50٪ للرجال، ويوجد حوالي 83٪ من أرباب المهمشين في عدن أّميون أيضًا.
أنتجت هذه المادة ضمن مشروع "تقاطعات" الذي تنفذه مؤسسة نسيج للإعلام الاجتماعي بدعم من مركز الحوار العالمي (كايسيد).