توجهت الانتقادات للقيادة العسكرية المسؤولة عن الشباب اليمنيين الذين دفعت بهم إلى كمين انتهى بمقاطع فيديو بثها الحوثيون، تظهر طوابير طويلة من الأسرى، وبالتالي تبقى قضية الأسرى في اليمن قضية مطروحة بين الجهات المتناحرة.
لا تنتظر الخمسينية اليمنية حفصة أحمد أن ترى ابنها الجندي الأسير لدى قوات "أنصار الله" (الحوثيين) عما قريب، بعد أن علمت أن المفاوضات الأخيرة في جنيف، والتي أفضت إلى اتفاق على تبادل المئات من الأسرى والمعتقلين، لم تتطرق إلى مئات آخرين من الأسرى، وقعوا في أيدي الجماعة دفعةً واحدة منذ سنوات؛ لكن عوائل الكثيرين منهم تلقت تأكيدات بوجودهم في الأسر، الأمر الذي تتطلع إليه عوائل أخرى، لم تتأكد بعد، ما إذا كان أبناؤهم على قيد الحياة، أم أنهم قضوا كآخرين.
وإلى ما قبل تعرضه للأسر، في محافظة صعدة الحدودية مع السعودية في العام 2019، كانت والدة محمد، وهي أم لستة أبناء أغلبهم فتيات، قد سمعت من ابنها الأكبر بين الذكور والبالغ من العمر 25 عاماً، ما يجعلها تطمئن لحصوله على مصدر دخل يمكن أن يسهم في مساعدة العائلة التي تسكن في محافظة تعز جنوبي غرب البلاد، إذ التحق بأحد الألوية العسكرية التي تأسست بدعم من القوات السعودية قرب الحدود مع اليمن، انضم إليه آخرون من أقربائه وفق مصادر في عائلته تحدثت لـDW عربية، تحت ضغط الظروف المعيشية بعد أن قضت الحرب وما رافقها من تبعات اقتصادية، على مصادر دخل مئات الآلاف من الأسر اليمنية، وتحول الالتحاق بالتشكيلات العسكرية والأمنية، إلى واحدة من البدائل للعديد من الشباب، وخصوصاً في المناطق القريبة من جبهات المواجهات.
وقع جنود "لواء الفتح"، الذين كان جلهم من المجندين حديثاً ومن ذوي خبرة محدودة في المعارك، أسرىً في واحدة من أشهر الوقائع التي ما تزال تثير التكهنات حتى اليوم. إذ توجهت الانتقادات في الغالب للقيادة العسكرية المسؤولة عنهم، والتي دفعت بهم إلى كمين انتهى بمقاطع فيديو بثها الحوثيون، تظهر طوابير طويلة من الأسرى، بينهم من تمكنت أسرته من التواصل معه، وآخرون ما يزال مصيرهم غامضاً، في حين قضى آخرون تأثراً بجروح أصيبوا بها ميدانياً أو نتيجة الظروف القاسية في السجن.
•مصير مجهول.. وأسرى شُيعوا كقتلى
على الجانب الآخر، فإن عوائل الأسرى المنتمين لجماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، ليست أفضل حالاً، إذ إن هناك عدداً غير قليل من الأسر لا تعلم شيئا عن مصير أبنائها، كما هو حال أسرة يوسف في صنعاء، التي لا تعلم شيئاً عن مصيره منذ العام 2016، بعد شهور قليلة من تجنيده لدى الحوثيين. وتتابع عائلة اللجنة المعنية بشؤون الأسرى من قبل الحوثيين، بغية مبادلته، لكنها لم تحصل على أي تأكيد بأنه ما يزال على قيد الحياة. لكنها تبقي على أمالها بعد أن أعادت صفقات التبادل السابقة، أسرى لم يكُن يعرف عن مصيرهم شئٌ.
ومثلما تأمل الكثير من العوائل عودة مجندين من أبنائها وقعوا في الأسر، أو يُعتقد أنهم وقعوا أسرى ولا يستبعد أنهم قتلوا خلال المعارك وتعذر تأكيد أو نفي مقتلهم في ظروف ضراوة الحرب؛ سُجلت في المقابل حالات نادرة كشفتها عمليات تبادل الأسرى، التي جرت في العامين الأخيرين بعودة أسرى، كانت أسرهم قد أبُلغت بمقتلهم منذ سنوات، ورُفعت صورهم على الجدران في برواز "الشهداء".
•اتفاق طال انتظاره
ويمثل الاتفاق الذي أعُلن أخيراً برعاية الأمم المتحدة، بين ممثلين عن الأطراف المعنية، بما في ذلك التحالف بقيادة السعودية، تحولاً هو الأهم منذ دخول الهدنة حيز التنفيذ قبل نحو عام، إذ جرى الاتفاق على إطلاق سراح 887 أسيراً ومعتقلاً، أكثر من 700 منهم من الحوثيين. وهذا التفاوت مرده إلى وجود عدد من السعوديين والسودانيين، إلى جانب شخصيات بارزة بالحكومة، أهمها وزير الدفاع الأسبق اللواء محمود الصبيحي في سجون الحوثيين.
وعلى الرغم من أن الصفقة لم تفرج عن ألوف ما زالوا في غياهب السجون، إلا أن التطور لاقى ترحيباً واسعاً، بوصفه خطوة إيجابية في معاناة طال أمدها، إذ إن الاتفاق يمثل امتداداً لاجتماعات وجولات مفاوضات، بدأت عملياً في ديسمبر/ كانون الأول 2018، وواجه تنفيذها العديد من العقبات، على أنها لا تتصل بأسرى الحرب فقط، بل تشمل المعتقلين السياسيين، الذين يتم تبادلهم في هذه الصفقات.
وتقول لـDW عربية رئيسة "رابطة أمهات المختطفين"، أمة السلام الحاج: "نحن مع أي حل لخروج أبنائنا من داخل السجون دون شرط أو قيد، ولذلك رغما عنا واستجابة لنداء الأمهات وضغطهن، قبلنا أن يكون أبناؤنا في صفقه التبادل"، وتشدد على أنه بـ"النسبة للمختطفين المدنيين فنحن كرابطة نطالب بأن يخرجوا دون شرط أو قيد لأنهم مدنيون".
وعلى ذات الصعيد، يشدد الناشط الحقوقي المهتم بملف الأسرى والمختطفين، محمد الصبري في حديثه لـDW عربية، على أن "ملف الأسرى مهم جداً في إطار عملية السلام"، وفي وقتٍ يعانى فيه "الأسرى والمختطفون في السجون، كما أن أُسرهم تعاني مرارات الجوع والفقر والتشرد". ويرى أن عمليات التبادل، وفي مقابل كونها تصنع فرحة للعديد من العوائل، إلا أنها مُجحفة، وذلك فيما يتعلق بمبادلة أسرى من الحوثيين مع مدنيين اعتقلوا على ذمة رأي.
•حاجة إنسانية بغض النظر أي اعتبارات
وفيما تثار التساؤلات بشأن الجوانب القانونية المرتبطة بمفاوضات تبادل الأسرى، يقول لـDW عربية المحامي والخبير القانوني جمال محمد الجعبي إنها تنطبق على اتفاقية جنيف بشأن الأسرى في حالة الحرب المعلنة أو أي اشتباك مسلح آخر ينشب بين طرفين أو أكثر من الأطراف السامية المتعاقدة، حتى لو لم يعترف أحدها بحالة الحرب.
ويشير الجعبي إلى العناصر المتداخلة بالاتفاق بين أطراف محلية ودولية، مثل السعودية والسودان، اللتين تتضمن الصفقة إفراج الحوثيين عن أسرى من جنودهما. ويشدد على أنه "رغم أي اعتبارات تدعو للأسف لما حدث لكن يمكن الإشارة إلى أن إتمام الاتفاق يمثل حاجة إنسانية للأسرى وعائلاتهم التي تنتظر بلهفة عودتهم".