[ مسافرون يعانون مشقة عند دخول تعز أو مغادرتها وسط الحصار الذي يفرضه الحوثيون على معابرها (أ.ف.ب) ]
تشهد المنطقة حراك دولي مكثف لتمديد الهدنة الأممية التي تنتهي في مطلع أكتوبر المقبل وتوسيعها لتصبح مدتها ستة أشهر بدلاً من شهرين، لكن ومع اقتراب نهاية التمديد الثاني، ما تزال بعض بنودها محلك سر، ولم يتم التحرك صوب تنفيذها قيد أنملة، لعل أهمها البند المتعلق برفع الحصار عن تعز وفتح المنافذ منها وإليها..
فما الذي حققته الهدنة حتى الآن؟! ومن المستفيد الفعلي منها؟! ومن الطرف المعرقل لتنفيذ بعض بنودها؟! وما هي مسؤولية المجتمع الدولي في إنجاحها؟!
•حصار تعز.. عقدة المنشار
يبدو أن قضية رفع الحصار عن تعز لا تزال تستعصي على الحل رغم أننا في الشهر السادس من الهدنة التي رعتها الأمم المتحدة في اليمن، وبدأت في الثاني من أبريل الماضي، ورغم المقترحات الأولية والمعدلة أو المحسنة إلا أنها لم تجد طريقها للتنفيذ، بسبب رفض الحوثيين كل المقترحات لفتح المنافذ الرئيسية من وإلى المدينة.
ورغم مناشدات ومطالبات المجتمع الدولي بكافة دوله وهيئاته ومنظماته، إلا أنها لم تجد تجاوباً من جماعة الحوثيين الذين رفضوا كل المقترحات الرامية لرفع الحصار عن تعز، وأصروا فقط، على تنفيذ مقترحهم الأحادي الجانب، شاء من شاء وآبى من آبى، ضاربين بعرض الحائط بكل المناشدات والمطالب الدولية، بل والمعاناة الإنسانية التي يعانيها نحو 3 ملايين مدني في تعز.
ويبدو أن مسألة حصار تعز ستظل بمثابة العقدة في المنشار في الهدنة الأممية، ولن تجد طريقها إلى الحل، خاصة في ظل تعنت الحوثيون ورفضهم كل المقترحات والمبادرات المحلية والدولية لفك الحصار عنها، إضافة إلى عدم قيام المجتمع الدولي بأي إجراءات جادة من شأنها فك الحصار عن المدينة.
• فشل دولي
لا شك أن المجتمع الدولي يتحمل مسؤولية كبيرة في إنجاح الهدنة، إذا ما كان فعلاً جاداّ في إنهاء الصراع الذي طال أمده في اليمن، وترجمة تأكيداته المستمرة على أن الهدنة فرصة تمهد للتوصل إلى تسوية سياسية وسلام مستدام في اليمن.
ويمتلك المجتمع الدولي عديد الوسائل لإجبار جميع أطراف الصراع في اليمن على الالتزام بتنفيذ تعهداتها بموجب الهدنة، لكن ما هو حاصل أنه يكتفي بالتصريحات الرنانة عن أهمية الهدنة وضرورة الالتزام بتنفيذها، ولا يتخذ شيء لإجبار الطرف المعرقل على تنفيذ تعهداته والتزاماته.
فهل يمكن القول أن المجتمع الدولي فشل حتى الآن في إنجاح الهدنة على النحو المأمول والمطلوب؟!
نعم، هناك فشل، فلم نجد له أية تحركات جادة أو ضغوطات ضد من يعرقل تنفيذ بنود الهدنة الأممية، حتى مجلس الأمن الدولي، في بيانه الأخير، لم يجرؤ على تسمية الطرف المعرقل للهدنة الموسعة، بل ولم يكلف نفسه حتى مجرد الإشارة إليه، واكتفى بمطالبة "كافة أطراف الصراع في اليمن" بضرورة الدخول في مفاوضات مكثفة للاتفاق على هدنة موسعة، وكذلك الحال مع الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وغيرها والتي اكتفت هي الأخرى، بتوجيه المطالبات والمناشدات، وبصيغة دبلوماسية مؤدبة، لجماعة الحوثي لتنفيذ بنود الهدنة.
وبالتالي، لم نشهد أي موقف جاد من المجتمع الدولي، لا نقول لإجبار الحوثيين على تنفيذ بنود الهدنة، ولكن على الأقل لإلزامهم بتنفيذ تعهداتهم في هذا الجانب. الأمر الذي يؤشر إلى أن المجتمع الدولي ليس بوارد ممارسة الضغوط الكافية، وربما ليست لديه نية للقيام بأي ضغوط أصلاً.
•نجاح منقوص
صحيح أن الهدنة خففت كثيراً من وقوع الضحايا، لكن المدنيين لا يزالون يسقطون بشكل شبه يومي، إما بسبب استمرار الخروقات، خاصة من قبل جماعة الحوثيين، أو بسبب انفجارات الألغام المزروعة في كثير من المناطق اليمنية والقذائف من مخلفات الحرب.
المفترض بالهدنة أن تنهي تماماً أية أعمال عسكرية، وأن ينعدم فيها سقوط ضحايا مدنيين، بل وحتى عسكريين أيضاً، وذلك بأن تعمل على نزع فتيل كل ما من شأنه إحداث مواجهات عسكرية وأيضا كل ما من شأنه أن يؤدي إلى سقوط ضحايا مدنيين.
إضافة إلى ضرورة التخفيف من حدة الأوضاع الإنسانية السيئة في البلد والتي تعد أكبر أزمة إنسانية في العالم، بحسب تصنيف الأمم المتحدة، بينما ما هو حاصل في الواقع، هو أن الاحتياجات الإنسانية تتزايد، ويزداد كل يوم أعداد اليمنيين الذين يقفون على حافة المجاعة، وفي المقابل هناك نقص كبير في تمويل البرامج الإنسانية المنقذة للحياة في اليمن، حيث لم تتلق منظمات الإغاثة للعام 2022، ونحن في الشهر التاسع منه، سوى ما نسبته 29% من إجمالي حجم التمويل المطلوب هذا العام.. ورغم أن استدامة الهدنة يتطلب أن يصاحبها عمل موازي في توفير التمويلات الإنسانية في اليمن، وهذا ما لم يحدث حتى الآن.
•مع الطرف المعرقل!
قبل التمديد الأخير للهدنة، في الثاني من أغسطس الماضي، كانت الجهود الدولية تضغط باتجاه الموافقة على مقترح المبعوث الأممي إلى اليمن هانز غروندبرغ والقاضي بالاتفاق على هدنة موسعة مدتها 6 أشهر، وكل الأطراف الدولية الفاعلة أيدت المقترح، وأعلنت بأنها باشرت جهوداً دبلوماسية من أجل أن يحظى بالقبول، كجولتي المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن تيم ليندركينغ في دول المنطقة، والتي قيل أنها لدعم مقترح الهدنة الموسعة.
وقد أيدت الحكومة اليمنية المعترف بها، هذا المقترح، بل وحظي بموافقة كل الأطراف الدولية الفاعلة، لكنه لم يكن على هوى الحوثيين، فكانوا الطرف الوحيد الذي رفضه، وفي النهاية تم تمديد الهدنة لشهرين فقط، وهو ما أراده الحوثيين، بحيث أن قصر الفترة يسمح لهم في بين كل تمديد وتمديد وضع شروط جديدة مع كل تمديد جديد.
•من المستفيد من الهدنة؟
حتى الآن يكاد يكون الحوثيين هم الأكثر استفادة من الهدنة، فقد تحقق لهم ما أرادوه من فتح مطار صنعاء أمام الرحلات وإن كان لوجهتين فقط، إلا أن هناك في الكواليس مساع لإضافة وجهات جديدة، وبما يلبي مطالب الجماعة وشروطهم للقبول بهدنة موسعة.
أما الفائدة الثانية، فهي التسهيلات الكبيرة بدخول الوقود عبر موانئ الحديدة الخاضعة لسيطرة الجماعة، ووفق تقديرات أممية فإن كميات الوقود في مناطق الحوثيين ارتفعت بنسبة 445% خلال فترة الهدنة، ومع ذلك تواصل الجماعة بين كل فترة وأخرى الإعلان عن احتجاز التحالف لسفن وقود وافتعال أزمة تموينية في هذه المادة، من أجل ابتزاز المجتمع الدولي.
ولعل أزمة الوقود الأخيرة التي افتعلتها الجماعة في العاصمة صنعاء وبقية مناطق سيطرتها خير دليل على ذلك، خاصة إذا ما عرفنا بأن سفن الوقود التي دخلت موانئ الحديدة منذ بدء الهدنة الأممية زودت مناطق سيطرة الحوثيين ما يفوق المليون طن متري من الوقود.
هذه الكميات المهولة من الوقود أغدقت على الجماعة إيرادات مالية ضخمة تقدر بعشرات المليارات من الريالات، خاصة وأن ما دخل من وقود خلال الأشهر الأولى من الهدنة يفوق ما دخل خلال الأعوام الأخيرة بالكامل، وفي نفس الوقت تنصلهم من أي التزامات فيما يخص دفع مرتبات موظفي الدولة.
وفي ضوء كل ذلك فإن هذا يعتبر انتصار للحوثيين، بينما الحكومة المعترف بها، لا تزال في خضم المولد ولكن بلا حمص، ولم تجني أي شيء من هذه الهدنة، بل إن أهم بنودها كمطلب للحكومة وهو رفع الحصار عن تعز لم يتحقق منه أي شيء ولو في حدوده الدنيا.
أما اليمنيين فلا أحد مستفيد من هذه الهدنة، سواء كانوا في مناطق نفوذ الحكومة المعترف بها أو في مناطق سيطرة الحوثيين، فالكل سواء، ارتفاع أسعار جنونية في كل المواد الغذائية والإيجارات والمواصلات وكل شيء يمس حياة المواطنين.