على أمل أن يصل تنفيذ المشروع إلى وجهته النهائية في الموعد المحدد، أقرّ مجلس الوزراء القطري أخيراً مشروع “الاتفاقية الخاصة بالربط السككي مع السعودية”.
ومن شأن هذه الخطوة أن تمهّد الطريق أمام عجلات القطار لتباشر الدوران ذهاباً وإياباً بين الدوحة والرياض، وهي تندرج في إطار مشروع أكبر هو “قطار الخليج”، الذي يفترض أن ينتهي العمل به عام 2030.
وستتلوّى سكة القطار بين دول مجلس التعاون، لمسافة تتجاوز الـ2000 كيلومتر. ويتوقّع أن ينقل نحو 95 مليون طن من البضائع و8 ملايين مسافر سنوياً بحلول عام 2045.
وسيسهم المشروع، الذي تقدّر كلفته بـ15 مليار دولار، في خفض تكاليف النقل وتنشيط الأسواق وإيجاد فرص استثمارية جديدة.
ويقول الاقتصادي العُماني خلفان الطوقي لموقع “الحرة”: “إن مشروع السكك الحديدية الخليجية المشتركة أكثر من مجرد بنية تحتية للنقل. هو تحوّل استراتيجي شامل يعيد رسم خريطة الترابط الإقليمي بين دول مجلس التعاون”.
ويكتسب المشروع أهمية مضاعفة مع اقتراب إطلاق التأشيرة الخليجية الموحّدة، التي ستفتح آفاقاً أوسع أمام حركة السياحة والسفر بين دول المجلس.
ويصف الاقتصادي السعودي جمال بنون المشروع بـ”الاستراتيجي العابر للقطاعات”، ويؤكد أنه “يمثل النقلة النوعية الأهم نحو الاندماج الاقتصادي والاجتماعي بين دول مجلس التعاون الخليجي منذ عقود”.
ورغم الخطوات العملية باتجاه التنفيذ، فإن ثمة تساؤلات تطرح بشأن فرص إنجاز المشروع وفق المهلة الزمنية المحددة له، وانعكاساته على اقتصادات الدول الخليجية والتكامل الاقتصادي بينها.
•مسار قطار الخليج
ينطلق مسار قطار الخليج من الكويت، حيث سيتم إنشاء المحطة المركزية في منطقة الشدادية على بُعد نحو 25 كيلومتراً جنوب غرب العاصمة.
وستكون الشدادية نقطة البداية لشبكة القطار الخليجي، التي ستمتدّ لمسافة 111 كيلومتراً على طول الساحل الكويتي، وبسرعة تصل إلى 200 كيلومتر في الساعة.
من الكويت يتجه الخطّ جنوباً نحو السعودية، التي تمثل القلب الجغرافي للمشروع.، قبل أن يتفرّع شرقاً نحو قطر عبر منفذ سلوى، وغرباً نحو البحرين عبر جسر الملك حمد.
ويوفّر مشروع “قطار الخليج” اتصالاً مباشراً بين محطتي الدمام في السعودية والملك حمد الدولية في البحرين، علماً أن الأخيرة ستُشكّل عقدة نقل رئيسة، إذ ستتصل بمطار البحرين الدولي وشبكة مترو البحرين المستقبلية.
ومن الدوحة سيمتدّ الخط إلى السعودية عبر منفذ سلوى، ليعزز الربط الإقليمي ويتكامل داخلياً مع مترو الدوحة و”ترام لوسيل”.
وفي الإمارات، يشكّل مشروع ” قطار الاتحاد ” العمود الفقري للربط الإقليمي، وتمتد شبكته بطول 900 كيلومتر عبر 11 مدينة من السلع غرباً إلى الفجيرة شرقاً مروراً بالرويس، والمرفأ، وأبوظبي ، ودبي وغيرها.
ويتواصل المسار جنوباً ليبلغ سلطنة عُمان، حيث يُشكّل مشروع “قطار حفيت” الركيزة الأساسية للربط مع أبوظبي ومدينة صحار. ويمتد هذا الخط لمسافة 303 كيلومترات بسرعة تصل إلى 200 كيلومتر في الساعة، ويخدم أكثر من 12 محطة في الدولتين، وصولاً إلى مسقط، حيث المحطة الختامية لمسار القطار الخليجي.
وكانت أعمال حفر الأنفاق في محافظة البريمي العمانية قد بدأت قبل أيام، في إطار تنفيذ شبكة السكك الحديدية الإماراتية-العمانية المشتركة.
•استثمار في “سكة المستقبل”
إذا ما أبصر مشروع “قطار الخليج” النور في 2023، فإنه سيعزز الاستثمارات والتدفقات التجارية بين الدول الست، وسيمهّد الطريق نحو تنفيذ السوق الخليجية المشتركة، كما يعتقد مراقبون.
“مشروع قطار الخليج يمثل النقلة النوعية الأهم نحو الاندماج الاقتصادي والاجتماعي بين دول مجلس التعاون منذ عقود. تأثيره يتجاوز ربط المدن الكبرى ليحقق تكاملاً لوجستيّا مباشراً؛ حيث سيتيح القطار نقل البضائع بتكلفة أقل وسرعة أكبر، وهذا بدوره يعزز التجارة البينية ويدعم مبدأ صنع في الخليج”، يقول بنون.
ويكتسب المشروع أهميته من كونه ينشّط التجارة البينية عبر ربط الأسواق ببعضها، ويوفّر حوافز لإنشاء مناطق جديدة على طول مسار القطار، وفرصاً استثمارية وتجارية، فضلاً عن دعمه للسياحة.
يعتبر الطريقي أن “المشروع سيعزّز القطاع السياحي ويرفع عوائده، سواء السياحة البينية بين دول المجلس أو من خلال القادمين من الخارج، الباحثين عن تجربة تنقل مريحة وبتكلفة أقل”.
ويتناغم المشروع مع مبادرة التأشيرة الخليجية الموحّدة، التي يفترض أن تسهّل التنقل بين دول مجلس التعاون.
وبحسب الطوقي، فإن “المشروع يمثّل خطوة نوعية نحو رفع جودة الحياة وتعزيز التكامل الإقليمي المستدام”.
أما بنون، فيعتقد أن “القطار سيصبح العمود الفقري لربط سلاسل الإمداد العالمية بالمنطقة، ويعزز مكانة الدول الخليجية كمركز لوجستي عالمي”.
“خلاصة القول هي أن مشروع القطار والتأشيرة الموحّدة يمثلان معاً “قفزة نوعية” في استراتيجية التكامل الخليجي، باعتبار أنهما الأدوات الضرورية لتحويل الخطط والرؤى الاقتصادية إلى واقع ملموس، وتحويل الوحدة الجغرافية إلى وحدة اقتصادية واجتماعية فعالة ومستدامة”، يضيف بنون.