أعلنت الصين والسعودية مؤخرا عن صفقة استثمارات بقيمة 10 مليارات دولار خلال مؤتمر الأعمال العربي الصيني العاشر الذي استمر يومين في الرياض، فيما يعد مؤشرا قويا على تحول خريطة التوازنات والقوى في الشرق الأوسط.
وذكرت وكالة الأنباء السعودية الرسمية "واس" أن 30 اتفاقية تم توقيعها في قطاعات متعددة بما في ذلك التكنولوجيا والطاقة المتجددة والزراعة والعقارات والتعدين والسياحة والرعاية الصحية.
وجرى وصف مؤتمر الأعمال العربي الصيني العاشر بأنه "تجمع ضخم" بمشاركة 3500 من قادة الأعمال والمبتكرين وصناع القرار من أكثر من 26 دولة بما في ذلك أكبر وفد صيني على الإطلاق.
يشار إلى أن السعودية مازالت الشريك الرئيسي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، لكن التقارب بين الرياض وبكين يؤشر على تراجع النفوذ الأمريكي في المنطقة خاصة بعد أن أفضت الوساطة الصينية إلى تطبيع العلاقات بين السعودية وإيران بعد سنوات من القطيعة.
•مجال السيارات الكهربائية
ومن بين الصفقات الكبيرة بين السعودية والصين التوقيع على مذكرة تفاهم بقيمة 5.6 مليار دولار بين وزارة الاستثمار السعودية وشركة تصنيع السيارات الكهربائية الصينية "هيومان هورايزونز" لإنشاء مشروع مشترك للأبحاث في صناعة السيارات وتطويرها وتصنيعها وبيعها.
وقال وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان خلال إبرام الصفقة "ليس علينا أن نتنافس مع الصين بل علينا أن نتعاون مع الصين"، فيما قلل من شأن شكوك الدول الغربية حيال تنامي العلاقات بين بكين والرياض.
وفي ذلك، قال "أتجاهل ذلك بالفعل لأني كرجل أعمال سوف أذهب حيثما تكون الفرصة"، فيما سبق ذلك بثلاثة أيام خروج وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ليبلغ نظيره السعودي بأن واشنطن لن تجبر حليفتها الرياض على الانحياز لأي طرف على حساب آخر في إطار التوترات مع الصين.
•تريد السعودية تجنب الانخراط في "لعبة محصلتها صفر" في إشارة إلى التنافس الصيني الأمريكي، فهل تنجح الرياض في ذلك؟
وقال قادة سعوديون إنهم حريصون على تجنب الانخراط في "لعبة محصلتها صفر" في إشارة ضمنية إلى التنافس الجيوسياسي بين الولايات المتحدة والصين الذي يعتقد بعض المحللين بأنه يمكن أن يصب في صالح أكبر مصدر للنفط في العالم.
وفي مقابلة مع DW، قالت دون ميرفي، الأستاذة المشاركة في دراسات الأمن الدولي في كلية الحرب الجوية الأمريكية، إن نفوذ الصين يمنح دول الشرق الأوسط "مزيدا من القدرة على المناورة في علاقاتها مع الولايات المتحدة".
وأضافت "لكنني لا أعتقد أن هذه الدول لديها أي توقعات بأن الصين سوف تقدم على تقديم نفس الضمانات الأمنية التي توفرها الولايات المتحدة.. هذا الأمر يحمل في طياته تواجدا اقتصاديا وسياسيا."
•رؤية 2030.. مستقبل العلاقات
ولا تعد العلاقات الاقتصادية القوية بين السعودية والصين وليدة اللحظة بل تعود إلى عقود ماضية فيما بلغت قيمة التجارة البينية أكثر من 106 مليارات دولار عام 2022 بزيادة 30 بالمائة عن عام 2021 بفضل شهية الصين الكبيرة للواردات النفطية السعودية.
•شركات صينية تنفذ عشرات المشاريع في السعودية ومن بينها "قطار المشاعر" في مكة
في المقابل، بلغ حجم التجارة بين الولايات المتحدة والسعودية 55 مليار دولار خلال عام 2022 بزيادة نسبتها 39 بالمائة عن عام 2021، وفقا لأرقام سعودية رسمية.
يشار إلى أن الصين تستورد نصف حاجتها من النفط من الشرق الأوسط فيما تعد السعودية وإيران أكبر مصادرها.
يتزامن هذا مع مساعي الرياض إلى تنويع اقتصادها بعيدا عن الاعتماد بشكل منفرد على النفط وذلك في إطار "رؤية 2030" التي أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، فيما تستعد الشركات الصينية للاستفادة من هذا التوجه.
ويعد "قطار المشاعر المقدسة" أحد ثمار التعاون بين السعودية والصين إذ شاركت في تنفيذه شركات صينية فيما يعد الخط الحديدي الذي يبلغ طوله 18 كيلومتراً أول خط سكة حديد كهربائي مزدوج وعالي السرعة في السعودية.
كذلك، فازت شركة إنشاءات صينية بعقود لبناء نفق للسكك الحديدية عالي السرعة بطول 28 كيلومترا إلى مدينة "نيوم " السعودية على البحر الأحمر فيما اشتركت عدة دول من الشرق الأوسط في مشروعات البنية التحتية المرتبطة في إطار مبادرة "الحزام والطريق" الصينية الرامية إلى تعزيز التجارة بين آسيا وبقية العالم.
•الوساطة بين السعودية وإيران.. نقطة تحول
وكان مارس / آذار الماضي موعدا لإظهار قوة النفوذ الصيني في الشرق الأوسط بعد أن ساعدت الوساطة الصينية في تطبيع العلاقات بين السعودية وإيران بعد قطيعة دامت سبع سنوات وهو الأمر الذي أفضى إلى إعادة العلاقات بين الرياض ودمشق ما أثار انتقادات أمريكية. يضاف إلى ذلك قيام رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بزيارة إلى بكين بعد أن أبدى عدد من الساسة الصينيين عن استعدادهم للمساعدة في تسهيل استئناف محادثات السلام المتوقفة بين إسرائيل والفلسطينيين.
تزامن هذا مع استمرار توتر العلاقات الأمريكية السعودية منذ مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في اسطنبول عام 2018، لكن الأمر تفاقم بعد قدوم الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض مطلع عام 2021 وإصدار الاستخبارات الأمريكية تقرير جاء فيه أن محمد بن سلمان "وافق على عملية اعتقال أو قتل" خاشقجي وهو ما نفاه ولي العهد السعودي. واتسمت العلاقات بتوتر آخر على وقع التدخل السعودي في الحرب اليمنية وسوق النفط وأيضا اتهامات حقوقية ضد الرياض.
•استعداد سعودي لاستبدال الدولار باليوان في المبيعات النفطية بين بكين والرياض، هل يقوم البلدان بهذه الخطوة؟
بريكس ومستقبل الدولار
وتواجه الولايات المتحدة دخول لاعبين جدد لمنافسة نفوذها القوي في الشرق الأوسط خاصة مع ما أبدته مصر والسعودية والإمارات والجزائر والبحرين عن رغبتها في الانضمام إلى "دول مجموعة بريكس" التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا.
وقالت موسكو إن اللقاء المقبل للتحالف في يونيو/ حزيران سوف يناقش إنشاء منظومة عملة جديدة لإتمام المعاملات التجارية بين الدول الأعضاء. وقد دفعت العقوبات الغربية على روسيا بما في ذلك تجميد حوالي 300 مليار دولار من احتياطي الذهب والنقد الأجنبي للبنك المركزى الروسى فى الخارج، العديد من الدول الغنية خارج المنظومة الغربية إلى العمل باتجاه أن تصبح أقل اعتمادا على الدولار الأمريكي والنظام المصرفي الأمريكي.
وقد أنشأت بريكس نظام مدفوعات مصرفي على غرار منظومة "سويفت" فضلا عن دراستها إنشاء عملة بديلة، فيما أعرب قادة سعوديون عن استعدادهم لاستبدال الدولار باليوان في المبيعات النفطية بين الصين والسعودية.
ورغم أن العديد من المحللين يعتقدون أن مثل هذه الخطوة ستقوض الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط، إلا أن دون ميرفي، الأستاذة المشاركة في دراسات الأمن الدولي في كلية الحرب الجوية الأمريكية، قللت من شأنها في ضوء أن العملة الصينية مازلت غير قابلة للتحويل بحرية تاجه العملات الدولية وغير متوفرة بشكل واسع.