قبل أسابيع من الذكرى الأولى لتوليه مقاليد الحكم، أصدر الرئيس الإماراتي، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حزمة من القرارات، رأى فيها محللون أنها ترسخ الأوضاع الداخلية في الدولة الخليجية.
ومن أبرز المراسيم التي أصدرها الرئيس الإماراتي بصفته حاكما لأبوظبي، الأربعاء، تعيين نجله، الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد إمارة أبوظبي، مما يفتح الباب أمام احتمال انتخابه خلفا لوالده مستقبلا.
وحظيت التعيينات بموجة ترحيب واسعة من قبل حكام الإمارات الأخرى، الذين بادروا بتهنئة خالد بن محمد، بالإضافة إلى أشقاء رئيس الدولة الشيخ منصور والشيخ طحنون والشيخ هزاع بعد أن تم تعيينهم في مناصب قيادية أخرى ضمن نفس المراسيم.
•"تسوية ملفات مختلفة في وقت واحد"
الخبير في شؤون دول الخليج بجامعة الكويت، بدر السيف، كان له سلسلة من التغريدات على تويتر بشأن التعيينات الجديدة في الإمارات.
ورأى أن صدور هذه المراسيم معا كان "مزيجا نفذ بشكل جيد" مما أسهم بـ "تسوية ملفات مختلفة في وقت واحد لإرضاء الأطراف المعنية".
وكان الشيخ محمد بن زايد يتولّى ولاية عهد أبوظبي قبل أن يصبح رئيسا خلفا لأخيه الراحل خليفة بن زايد، وقد أثار تولّيه الرئاسة العام الماضي تكهّنات بشأن من سيخلفه وليا لعهد أبوظبي.
وقال أستاذ العلوم السياسية الإماراتي، عبدالخالق عبدالله، لوكالة فرانس برس إن الشيخ خالد بن محمد مثّل والده بالفعل في رحلات خارجية كجزء من استعداداته لتولي القيادة.
ولمنصب "ولي عهد أبوظبي" أهمية كبيرة في أعراف دولة الإمارات، فحاكم الإمارة كان نفسه حاكم الدولة منذ نشأتها، مما يعني أن من يتولى المنصب، قد يكون رئيسا مستقبليا للبلاد.
وقال عبدالله إنه في حين أن الشيخ خالد سيعمل مباشرة مع والده، البالغ من العمر 62 عاما، الذي لا يزال في المرحلة الأولى من فترة رئاسته، فإنّ أمامه متسع من الوقت للتعلم.
وتابع: "كان يتم إعداده لهذا المنصب. كل من راقبه عن كثب على مر السنين يعرف أنه جاهز لها وهو لائق للوظيفة"، مضيفا: "لقد حصل على ثقة والده. إنه يتعامل بسهولة مع الناس (...) وهو أمر مهم جدا".
وتأسست الإمارات عام 1971، وكان حاكم أبوظبي، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، هو أول رئيس للدولة، في حين كان ابنه خليفة وليا لعهد أبوظبي.
•"حق أصيل لرئيس الدولة"
وقال المحلل السياسي الإماراتي، محمد تقي، إن هذه التعيينات هي حق أصيل لرئيس الدولة بناء على "نظرة الشيخ محمد للأشخاص الأصلح للمصلحة الوطنية".
وأضاف، في حديثه لموقع "الحرة"، أن هذه المراسيم تأتي لتعكس حالة العلاقة المميزة بين رئيس الدولة والشعب الإماراتي "المبنية على عقد اجتماعي قبلي"، أي على احترام الأعراف والموروث الثقافي.
ومنذ مايو الماضي، ظل منصب ولاية العهد في أبوظبي شاغرا بعد تولي محمد بن زايد مقاليد الحكم في الإمارات إثر وفاة أخيه غير الشقيق، الشيخ خليفة بن زايد.
وكان مؤسس دولة الإمارات، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، حدد ترتيب السلطة في أبوظبي قبل عام من وفاته بتعيينه محمد بن زايد نائبا لولي عهد أبوظبي.
وحين رحل الرئيس المؤسس عام 2004، كان الترتيب الذي وضعه هو نفسه ترتيب الرؤساء من بعده، فتولى الرئاسة خليفة بن زايد، في حين تولى محمد بن زايد ولاية العهد في أبوظبي.
لكن منصب نائب ولي العهد في إمارة أبوظبي ظل شاغرا خلال عهد رئيس الدولة الراحل، فيما لم يعين محمد بن زايد أي شخص لتولي هذا اللقب أيضا.
وقال تقي إن "الإمارات دولة مؤسسات دستورية راسخة تعمل وفق تقاليد حازمة ومتجذرة قانونيا ومنها المجلس الأعلى للاتحاد ومجلس الوزراء والمجالس الوطنية والقضاء وهذه المؤسسات تعمل بشكل منسجم ومتناغم لمواصلة مسيرة البناء والعطاء".
ويرى محللون أن تعيين الشيخ خالد بن محمد وليا للعهد في أبوظبي لم يكن مفاجئا على اعتبار أن تقارير إعلامية عدة نشرت العام الماضي، رجحت أن يتجه محمد بن زايد لإسناد هذا اللقب لنجله.
وكان تقرير لوكالة "بلومبيرغ" نشر العام الماضي، قال إن خالد بن محمد، الذي تلقى تعليمه في الولايات المتحدة، سيكون مرشحا للمنصب بعد أن "نمت مسؤولياته خلال السنوات الأخيرة".
وخالد بن محمد، البالغ من العمر 41 عاما، هو الابن الأكبر من الذكور لرئيس دولة الإمارات، ويشغل منصبين اتحاديين هما: نائب مستشار الأمن الوطني ورئيس جهاز أمن الدولة.
وقال تقي، المحلل الإماراتي، إن خالد بن محمد "رجل يسير على خطى والده" بعد أن تدرج في المناصب الفاعلة.
وأضاف أن "الشيخ خالد رجل عرفته مؤسسات البلاد الأمنية والاقتصادية بأنه أحد أبرز القادة الفاعلين"، مشيرا إلى أن النهضة التي شهدتها أبوظبي خلال السنوات الماضية كان الشيخ خالد جزء أساسيا منها.
•"زواج أكثر شهرة"
ومنذ 2019، أصبح الشيخ خالد رئيس مكتب أبوظبي التنفيذي، وعضو مجلس إدارة شركة بترول أبوظبي الوطنية "أدنوك".
وقال السيف إن "التوازن" في حصول الشيخ منصور على رئاسة صندوق "مبادلة" السيادي التابع لأبوظبي ورئاسة شقيقه الشيخ طحنون جهاز أبوظبي للاستثمار، وهو صندوق سيادي آخر في الإمارة، "مهد الطريق إلى الشيخ خالد" لمنصب ولاية العهد.
وتابع: "عادة ما يكون ولي عهد أبوظبي هو الذي يترأس دولة الإمارات عندما يصبح حاكما للإمارة... وبتسمية الابن بدلا من الأخ لمنصب ولاية عهد أبوظبي، تتبع (الإمارات) النموذج العمودي الموجود في الخليج (باستثناء الكويت)".
ويعتقد السيف أن هذا النموذج يوفر "مزيدا من الاستقرار والتداول الأكثر سلالة للسلطة" على اعتبار أن الشيخ خالد أقرب سنا لأغلبية سكان الدولة.
وضمن المراسم ذاتها، أصدر الرئيس الإماراتي قرارا بتعيين شقيقه الشيخ منصور نائبا لرئيس الدولة ليكون أول عضو من عائلة آل نهيان الحاكمة في هذا المنصب الاتحادي، الذي كان حكرا على إمارة دبي منذ تأسيس الدولة.
وقال السيف إن "أكثر قرارات اليوم إثارة للاهتمام ليس اختيار خالد بن محمد بن زايد كولي عهد أبوظبي، بل تعيين منصور بن زايد نائبا لحاكم الإمارات" إلى جانب حاكم دبي رئيس حكومة الإمارات الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم.
ويعتبر منصور بن زايد أول عضو من أسرة آل نهيان الحاكمة لأبوظبي يعين في منصب نائب رئيس الدولة، الذي كان حكرا على أسرة آل مكتوم الحاكمة لإمارة دبي منذ تأسيس الاتحاد.
وبينما قال الأستاذ المساعد بقسم الدراسات الأمنية في كلية كينغز لندن والزميل بمعهد كينغز لدراسات الشرق الأوسط، أندرياس كريغ، عبر تويتر إن قرار تعيين منصور بن زايد نائبا لرئيس الدولة، يعد "احتكارا رسميا للسلطة في يد آل نهيان على حساب العائلات الحاكمة الأخرى"، ذهب السيف في اتجاه معاكس.
وقال السيف إن تعيين منصور بن زايد إلى جانب محمد بن راشد كنائبين لرئيس الدولة هو قرار "يرضي دبي" تحديدا على اعتبار أن الشيخ منصور متزوج من ابنه حاكم دبي.
وتابع: "يرمز الزواج إلى الاتحاد الأكثر شهرة في الإمارات: دبي وأبوظبي"، مستبعدا أن تكون مشاركة الشيخ منصور لوالد زوجته في المنصب الاتحاد إبعاد السلطة عن دبي.
وقال إن التعيينات الجديدة "لن تأتي بشيء موجود بالفعل" في إشارة للسلطة التي تتمتع فيها أبوظبي كأحد أبرز أركان الاتحاد والعاصمة السياسية للدولة.
وأضاف: "الشيخ محمد بن راشد يملك منصبا اتحاديا أعلى هو رئيس مجلس الوزراء، فيما يشغل الشيخ منصور بن زايد منصب نائب رئيس مجلس الوزراء".
ويتمتع الشيخ منصور بمسيرة سياسية حافلة، حيث يشغل منصب نائب رئيس مجلس الوزراء في دولة الإمارات ووزير شؤون الرئاسة.
ومنصور بن زايد البالغ من العمر 52 عاما، يترأس شركة مبادلة للاستثمار التي تشرف على صندوق الثروة السيادي لدولة الإمارات، كما يشغل عضوية مجلس إدارة شركة بترول أبوظبي الوطنية "أدنوك"، بالإضافة إلى كونه رئيسا لمجلس إدارة مؤسسة الإمارات للطاقة النووية وبنك أبوظبي التجاري والإمارات العالمية للألمنيوم.
وقال السيف إن المنصب الذي حظي به "يوفق بين أبناء زايد ويعكس أقدمية منصور ويعالج طموحه وعمله الجاد".
ويملك منصور بن زايد شهرة عالمية في المجال الرياضي على اعتبار أنه مالك نادي مانشستر سيتي الإنكليزي. وخلال عهده منذ عام 2008، بدأ صعود مانشستر سيتي السريع إلى النخبة في كرة القدم الأوروبية.
•"نموذج عمودي"
في الإطار ذاته، أصدر محمد بن زايد، بصفته حاكما لأبوظبي، قرارا بتعيين شقيقيه، الشيخ طحنون بن زايد والشيخ هزاع بن زايد، نائبين لحاكم إمارة أبوظبي.
بالنسبة للشيخ طحنون بن زايد الذي عين نائبا لحاكم أبوظبي، الأربعاء، فهو يشغل منصب مستشار الأمن الوطني ورئيسا للمجلس الأعلى للأمن الوطني في الإمارات ويملك دورا مهما في نسج العلاقات الخارجية للدولة، حيث لقت زياراته العام الماضي إلى تركيا وإيران وقطر ردود فعل واسعة.
أما الشيخ هزاع بن زايد (58 عاما) الذي حصل على المنصب نفسه، فيشغل أيضا منصب نائب رئيس المجلس التنفيذي للإمارة أبوظبي – أعلى سلطة محلية بالإمارة – كما يملك عددا من المناصب الرياضية المحلية منها رئاسة نادي العين.
وسبق لهزاع بن زايد أن كان مستشارا للأمن الوطني في الدولة لعقد من الزمان خلال الفترة ما بين عامي 2006 وحتى 2016.
واعتبر السيف أن "توطيد السلطة بين أشقاء محمد بن زايد ليس سرا"، مردفا: "المراسيم تؤكد ذلك".
وأضاف أن التعييات "تعزز حكم آل نهيان وتدعم استقرار وقوة حكمهم الجماعي وفقا للنموذج العمودي" في ظل أبناء المؤسس الشيخ زايد بن سلطان.
ولفت السيف إلى أن وجود الشيخ محمد بن زايد على رأس الدولة وهو يتمتع بالصحة الجيدة، يمنح ولي العهد الجديد متسعا من الوقت للتحضير لدوره المستقبلي.