تشترك دول مثل مصر وباكستان والسودان بامتلاكها إمكانيات بشرية كبيرة، ومشاكل اقتصادية أكبر، وأيضا بكونها تلقت مساعدات مالية كبيرة من دول الخليج، خاصة السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة.
وتقول صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، إن الدول الثلاث بالإضافة إلى تركيا تلقت مساعدات بمليارات الدولارات "خلال فترة تاريخية من الضغوط المالية".
والأربعاء، استقبلت الدوحة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في أول زيارة له كرئيس إلى قطر، بعد أزمة علاقات بين الدولتين على خلفية الخلاف الخليجي الذي استمر لسنوات.
ونقلت وكالة الأنباء القطرية الرسمية عن السيسي قوله إن "مجال التعاون الاقتصادي والاستثماري بين الدولتين يعد من أهم المجالات الواعدة للتفاعل بينهما".
ونقلت أيضا عن الرئيس المصري قوله إن هذا "الأمر الذي تم استعراضه بشكل مكثف ومفصل على مدار العام الماضي بين كبار المسؤولين المصريين والقطريين، وذلك في ضوء تعدد الفرص الاستثمارية وتنوعها في مصر في كافة المجالات، في ظل عملية التنمية الشاملة التي تشهدها كافة ربوعها".
وقال المتحدث باسم رئاسة الجمهورية المصرية، السفير بسام راضي، إن القاهرة والدوحة وقعتا، بحضور رئيسي الدولتين، مذكرة تفاهم بين صندوق مصر السيادي للاستثمارات والتنمية وجهاز قطر للاستثمار، ومذكرة تفاهم في مجال الشؤون الاجتماعية بين وزارة التضامن الاجتماعي ووزارة التنمية الاجتماعية القطرية، ومذكرة تفاهم بشأن التعاون في مجال الموانئ بين مصر وقطر.
وحدد السيسي، بحسب الوكالة، "قطاعات الغاز الطبيعي والطاقة المتجددة مثل الهيدروجين الأخضر، وصناعة البتروكيماويات، وكذا تعزيز التعاون المشترك بين صندوق مصر السيادي ونظيره القطري".
وقالت الوكالة أيضا إن السيسي لفت إلى "مجالات أخرى للتعاون الاقتصادي المشترك وهي المشروعات الزراعية التي تأتي في إطار التعامل مع الأزمة العالمية الحالية في إمدادات سلاسل الحبوب والغذاء".
•المساعدات "الدبلوماسية"
وتقول صحيفة "وول ستريت جورنال" إن المساعدات المالية، التي دأبت السعودية ودول الخليج الأخرى على تقديمها تعمل كـ"أداة دبلوماسية" تستخدمها تلك الدول منذ فترة طويلة لبناء النفوذ في جميع أنحاء المنطقة.
وتقول الصحيفة إن الارتفاع في أسعار النفط والغاز مكّن الدول الخليجية من العودة لهذه السياسة.
وتأتي المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى التي تتدفق عليها عائدات النفط لإنقاذ جيرانها الذين يعانون من الأزمات مثل مصر وباكستان وتركيا، مما يضاعف من الأداة الدبلوماسية التي استخدموها منذ فترة طويلة لبناء النفوذ في جميع أنحاء المنطقة.
ومن المتوقع أن يحقق ارتفاع أسعار النفط إيرادات إضافية بقيمة 1.3 تريليون دولار على مدى السنوات الأربع المقبلة لمصدري الطاقة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وفقا لصندوق النقد الدولي.
وقال خبير العلاقات الدولية المصري د. أيمن سلامة إن "من المؤكد أن مصر تعوزها مساهمات قطرية في هذه الحقبة وربما في هذه الفترة الاقتصادية العصيبة التي تمر بها مصر كانت باعثاً بأن يقوم الرئيس المصري بتعضيد وتمتين العلاقات مع دولة مثل قطر فاعلة ومهمة اقتصاديا وسياسيا".
لكن سلامة يقول لموقع "الحرة" إن "المصالح متبادلة بين البلدين"، على الرغم من أنه أشار إلى ما وصفه بـ"تقاطعات" مشتركة مثل موضوع سوريا، ونفوذ قطر في الجامعة العربية، وصحفيي قناة الجزيرة المسجونين في مصر.
وتقول ياسمين فاروق، الباحثة غير المقيمة في مؤسسة كارنيغي الدولية للصحيفة إن "السعوديين هبّوا لمساعدة مصر، لأنهم يعتقدون أن استقرار مصر وبقاء النظام مهم بالنسبة لهم".
وتمتلك مصر أهمية اقتصادية وجيوسياسية كبيرة، حيث تسيطر على قناة السويس ولديها واحد من أكبر الجيوش الدائمة في العالم العربي.
وأضافت فاروق "ينطبق الشيء ذاته على الإمارات العربية المتحدة والقطريين، إنهم بحاجة إلى دعم مصر للسياسة الخارجية".
وقال وزير المالية القطري، علي بن أحمد الكواري، في مقابلة الشهر الماضي إن المنطقة توفر فرصا كبيرة. وقال "يجب أن يكون وضعا مربحا لكل الأطراف".
وقالت وول ستريت جورنال إن السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة تعهدت بتقديم أكثر من 22 مليار دولار هذا العام لمصر في الوقت الذي تسعى فيه البلاد لدرء التخلف عن السداد.
كما نقلت عن مسؤولين لم تسمهم قولهم إن الدول الثلاث الغنية بالنفط وعدت بأكثر من 10 مليارات دولار في أغسطس لدعم باكستان في الوقت الذي ضاعفت فيه الفيضانات المدمرة من المتاعب الاقتصادية في البلاد.
كما تلقت تركيا، التي تواجه واحدا من أعلى معدلات التضخم في العالم، مليارات الدولارات من التعهدات الاستثمارية ومساعدات النقد الأجنبي من منافستها السابقة الإمارات العربية المتحدة.
وتقول الصحيفة إن المساعدات تمثل تحولا عما كان عليه الوضع قبل بضع سنوات، عندما أجبر انخفاض أسعار النفط في ظل جائحة كورونا دول الخليج على إعادة التفكير في دعمها المالي للدول الأكثر فقرا في المنطقة.
وتتزامن المكاسب غير المتوقعة لمنتجي النفط مع فترة من الضغوط التاريخية للبلدان منخفضة الدخل.
وأدت الحرب في أوكرانيا إلى ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية بالفعل وتأجيج التضخم على مستوى العالم، مما أدى إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض.
وتعد باكستان ومصر وتونس من بين الدول التي لجأت إلى صندوق النقد الدولي للحصول على حزم إنقاذ.
وقال باتريك كوران، كبير الاقتصاديين في شركة تيليمر للأبحاث للصحيفة إن "البلدان التي كانت ضعيفة بالفعل بسبب الزيادة البطيئة في الديون، تواجه فجأة صدمات خارجية لم نر مثلها منذ فترة طويلة"، مضيفا أن تلك البلدان مضطرة "إلى التدافع لإيجاد طرق بديلة لتلبية احتياجاتهم التمويلية".
•المال مقابل النفوذ السياسي
وتسد التعهدات المالية الخليجية الفجوة بين ما تحتاجه الدول والمبلغ الذي يمكن أن يقدمه صندوق النقد الدولي، وفقا لجهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، الذي تحدث لصحيفة وول ستريت جورنال.
وساهمت حزمة من الأموال الخليجية في حصول باكستان على قرض بقيمة 4 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، الشهر الماضي، وستكون أيضا حاسمة في خطة إنقاذ مصر التي لا تزال قيد التفاوض.
وقد ساعد الدعم المقدم من الخليج، إلى جانب تخفيف عبء الديون من الصين وبرامج صندوق النقد الدولي، في جذب المستثمرين مرة أخرى إلى الأسواق في تلك الدول.
وارتفعت العملة الباكستانية، الروبية، بنحو 10 في المئة في أغسطس مقابل الدولار الأميركي بعد أن سجلت أسوأ خسارة شهرية لها في 50 عاما في الشهر السابق.
كما تراجعت سندات مصر المدعومة بالدولار الأميركي، وانخفض العائد على السندات المقومة بالدولار المستحقة في عام 2024 إلى أقل من 10 في المئة، وفقا لـ Tradeweb، مقارنة بأكثر من 16 في المئة في أواخر يوليو عندما بلغت المخاوف من تخلف البلاد عن سداد ديونها الخارجية ذروتها.
•شراء الأصول
وتقول كارين يونغ، الباحثة في جامعة كولومبيا للصحيفة، إن المساعدات الخليجية "مختلفة" الآن، حيث أن "الأمر يتعلق في الواقع بشراء الأصول، وهو ليس نفس النوع من الإنقاذ" كما كان في السابق.
وفي الآونة الأخيرة، وجهت دول الخليج المساعدات إلى البلدان من خلال الاستثمارات التي تقوم بها صناديق الثروة السيادية الضخمة التابعة لها.
واشترى صندوق الثروة السيادية في أبو ظبي "إيه دي كيو" في الأشهر الأخيرة شركة أدوية تركية واستحوذ على حصص في شركات الأسمدة المصرية وأحد أكبر البنوك في البلاد وشركة شحن، وفقا للصحيفة.
كما أودعت دول الخليج نحو 28 مليار دولار في خزائن البنك المركزي المصري، حسبما تظهر بيانات البنك المركزي. وساعد التمويل في سد الفجوة التي خلفها المستثمرون الأجانب الذين سحبوا مليارات الدولارات من الأصول المصرية بعد بدء الحرب في أوكرانيا.