قالت وكالة بلومبيرغ الأميركية إن إسرائيل والسعودية لم تعودا في حالة "عداء" إلا أنهما "ليستا صديقتين بشكل تام"، مشيرة إلى الأسباب التي جعلت المملكة لا ترغب في تطبيع رسمي للعلاقات على غرار الدول الأخرى التي دخلت في "اتفاقيات إبراهيم".
وتشير الوكالة إلى أن "الروابط السرية في السابق باتت ظاهرة للعيان بشكل متزايد، حيث تفسح المنافسات بحذر المجال لعلاقات اقتصادية وأمنية براغماتية".
ويسعى ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، إلى تسريع خططه لإصلاح الاقتصاد المعتمد على النفط، بينما تحرص إسرائيل على البناء على الاختراقات الدبلوماسية لعام 2020 (اتفاقيات التطبيع) مع دول الخليج الأصغر.
وتشير الوكالة إلى أحداث "لم يكن من الممكن تصورها منذ وقت ليس ببعيد"، مثل ظهور رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، بنيامين نتانياهو، على قناة سعودية تديرها الدولة، وذهاب أميركي إسرائيلي يقول إنه "الحاخام الأكبر في السعودية" إلى المملكة بتأشيرة سياحية، وقيام عائلة سعودية بارزة بالاستثمار في شركتين إسرائيليتين.
وتوضح بلومبيرغ إلى أن "الدافع الاقتصادي القوي" هو الذي يقود العلاقات بشكل أكثر وضوحا الآن، حيث يحاول الأمير محمد تقليل اعتماد السعودية على النفط وتطوير الصناعات المتقدمة.
وكان ولي العهد قال في مقابلة سابقة: "نحن لا ننظر إلى إسرائيل على أنها عدو، بل كحليف محتمل".
لكن استطلاعات الرأي، حسب ما أوردت بلومبيرغ، تظهر أن الغالبية العظمى في الخليج تعارض قبول إسرائيل كدولة، مما يشير إلى أن التطورات تتعلق بأجندة النخب الحاكمة، أكثر من تغيير جذري في وجهات النظر العربية.
عبد العزيز الغشيان، الباحث الذي يدرس السياسة الخارجية السعودية تجاه إسرائيل قال: "إن الأمر يتعلق أكثر بالذوبان في العلاقات وليس الدفء في العلاقات.. لكن لايزال هذا أمر مهم جدا".
ويسافر الإسرائيليون إلى المملكة بسهولة أكبر باستخدام جوازات سفر دول ثالثة، وهناك عدد منهم يوجهون أعمالهم عبر كيانات خارجية، بل ويناقشون ذلك علنا.
شركة الهندسة والبرمجيات الإسرائيلية "كواليتيست" لا تعمل مباشرة في المملكة، لكنها تبيع منتجاتها إلى شركات أخرى، ثم تستخدم بعد ذلك في المملكة.
والاستثمار يسير في الاتجاه المعاكس أيضا، فشركة "ميثاق كابيتال"، التابعة لعائلة الراجحي السعودية، ومقرها الرئيسي الرياض، هي الآن أكبر مساهم في شركتين إسرائيليتين، هما "أوتونومو "، و"تريمور إنترناشونال".
محمد آصف سيماب، العضو المنتدب للشركة، قال: "نحن نحب الابتكار وثقافة التكنولوجيا التي تمتلكها إسرائيل، ونحاول إيجاد طرق للاستفادة من ذلك".
•لماذا لم يحدث التطبيع؟
ويشير التقرير إلى أنه عندما وقعت الإمارات والبحرين "اتفاقيات إبراهيم"، كانت هناك تكهنات بأن المملكة سوف تنضم إليها.
وبالنسبة للقادة الإسرائيليين، فإن "الحصول على اعتراف من المملكة، صاحبة الوزن الجيوسياسي الثقيل في المنطقة، سيكون بمثابة جائزة"، لكن من غير المرجح أن يحدث ذلك، بغض النظر عن الحكومة التي ستتولى زمام الأمور في إسرائيل بعد الانتخابات المقبلة.
ويرجع ذلك جزئيا إلى أن المكانة البارزة الدينية والإقليمية للمملكة تفرض اعتبارات سياسية مختلفة عن اعتبارات الجيران الأصغر.
ولا يزال صاحب عمل إسرائيلي يزور الرياض غير قادر على إجراء مكالمة هاتفية مباشرة مع تل أبيب، ناهيك عن تحويل الأموال.
ويقول جيسون غرينبلات، الذي كان مبعوثا خاصا للشرق الأوسط في عهد الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، وأحد مهندسي اتفاقيات التطبيع إن القيادة السعودية "تدرك أن إسرائيل يمكن أن تكون ذات فائدة كبيرة للمنطقة" حتى لو لم تكن مستعدة بعد لتوقيع اتفاقية التطبيع.
ويسعى الدبلوماسي السابق إلى تسهيل الاستثمار السعودي في إسرائيل، لكنه يرى أن ذلك سيستغرق بعض الوقت.
ويؤكد المسؤولون السعوديون أن حل الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين يظل في صميم سياستهم.
وكانت الأميرة ريما بنت بندر، سفيرة المملكة في الولايات المتحدة قالت في تصريح سابق إن التطبيع ليس هدفا سياسيا في حد ذاته.
يوئيل جوزانسكي، الباحث البارز في سياسات الخليج في المعهد الإسرائيلي لدراسات الأمن القومي، يقول إنه سيكون من غير المجدي بالنسبة لإسرائيل أن تضغط على السعوديين بشدة، خشية "إلحاق الضرر بالعلاقة".
ويرى الغشيان أن المشهد السياسي الأميركي يمثل عقبة أخرى، إذ لا يعتقد القادة السعوديون أن الرئيس بايدن سيحشد الإرادة لتقديم "التحلية" التي يريدونها بما في ذلك الضمانات الأمنية.
لكن رجل الأعمال اليهودي الأميركي بروس غورفين، الذي قاد مؤخرا سيارة بين دبي وإسرائيل يؤمن بالانفتاح التدريجي الحالي ويقول إنه سيكون مفيدا للأعمال التجارية.
ويعمل رجل الأعمال على مشروع يسمى Future Gig، لربط الشركات الناشئة الإسرائيلية بالسوق السعودي والعكس، مع التركيز على قضايا الطاقة المتجددة وندرة المياه والزراعة.
وتشير بلومبيرغ إلى أن رؤية ولي العهد لاستحداث منطقة عالية التقنية في نيوم على ساحل البحر الأحمر على بعد 40 دقيقة بالسيارة من إسرائيل، يمكن أن تعزز التعاون.
وفي بودكاست عربي شهير، طرح عالم الاجتماع السياسي السعودي، خالد الدخيل، مؤخرا أفكاره لتعزيز قوة المملكة، مشيرا إلى شريك محتمل هو إسرائيل، وقال: "نحن بصراحة بحاجة إلى التعلم من الإسرائيليين".