زادت المخاوف في اليمن من تفاقم حاد للأزمة الغذائية بسبب الهجمات على سفن الشحن بالبحر الأحمر والاضطرابات بالمنطقة التي تعرقل الواردات للبلد الذي يعتمد على استيراد 90% من احتياجاته الغذائية الأساسية، حسب بيانات رسمية.
وتوقع تقرير أممي أن ترتفع أسعار السلع الغذائية الأساسية في جميع أنحاء اليمن، اعتباراً من شهر مايو/ أيار 2024، استجابة لزيادة الطلب والآثار غير المباشرة للصراع في البحر الأحمر.
وقال التقرير الصادر مطلع إبريل/ نيسان 2024، عن منظمة الأغذية والزراعة "الفاو" التابعة للأمم المتحدة، اطلع عليه "العربي الجديد"، إن ارتفاع أسعار الاحتياجات الأساسية سيؤدي إلى الحد من إمكانية حصول معظم الأسر الفقيرة في اليمن على كفايتها من الغذاء، وبالتالي زيادة معدل انتشار انعدام الأمن الغذائي الحاد في العديد من المحافظات اليمنية.
من المرجح كذلك أن يتدهور الأمن الغذائي على نطاق واسع إلى مستويات الطوارئ اعتباراً من يونيو/ حزيران 2024، وفق تقارير اقتصادية، خاصة في ظل "غياب أو انخفاض المساعدات الغذائية، واستمرار تقلب أسعار الصرف والصراعات المحلية، وتضخم آثار أزمة البحر الأحمر المستمرة.
كذلك يحذّر البنك الدولي في تقرير صادر منتصف إبريل/ نيسان، اطلع عليه "العربي الجديد"، من أزمة غذائية حادة قد تطاول اليمن، مع تزايد المخاوف بشأن ارتفاع تكاليف الواردات بالنظر إلى الزيادة المحتملة في نفقات الشحن لأسباب لا تتوقف فقط عند ارتفاع علاوة مخاطر الحرب وزيادة تكاليف التأمين الناجمة عن أزمة قناة السويس، ولكنها تتعلق أيضاً بتصنيف اليمن نفسه منطقةً "عالية المخاطر".
الخبير الملاحي اليمني ياسر الكهالي، يُرجع، في حديثه لـ"العربي الجديد"، السبب الرئيسي للأزمة إلى عسكرة البحر الأحمر والممرات المائية وليس فقط هجمات الحوثيين، حيث من المعروف أن موقع اليمن الاستراتيجي وممراته المائية مطمع للكثير من الدول الكبرى التي استغلت الأحداث الأخيرة للكشف علناً عن أطماعها التي تأتي على حساب التجارة الدولية ومعاناة الشعب اليمني.
يشير الكهالي إلى أن الأحداث الأخيرة المتصاعدة الناتجة عن العدوان الإسرائيلي على غزة جاءت واليمن لا يزال تحت تصنيف مخاطر الحرب في الشحن التجاري البحري بسبب الصراع المحلي الدائر منذ عام 2015، إضافة إلى المشكلات العديدة التي تحيط بالموانئ اليمنية، خصوصاً ميناء الحديدة الاستراتيجي، إذ أضافت الأحداث الأخيرة المتصاعدة والمستمرة المزيد من التعقيدات للعمل في الميناء وتأخر عمليات التفريغ لفترات طويلة، مسببةً خسائر فادحة يتكبدها التجار والمستوردون.
وتوقع البنك الدولي أن تؤدي ما سمّاها العمليات العسكرية حول مضيق باب المندب وما يرتبط بها من زيادة في تكاليف الشحن إلى المزيد من الارتفاع في معدلات التضخم في النصف الأول من عام 2024. المحلل الاقتصادي صادق علي يعيد في حديثه لـ"العربي الجديد" طرح أهم مشكلة حالياً في اليمن والتي تتجاوز أزمة الشحن التجاري وتبعاتها المتوقعة في تفاقم المزيد من التدهور الحاصل في الأمن الغذائي وارتفاع الأسعار والتضخم، تتمثل بمشكلة السيولة التي تعاني منها غالبية الأسر اليمنية، إضافة إلى شح السيولة التي تشمل العملة المحلية والعملات الأجنبية.
وعلى الرغم من أن واردات اليمن أظهرت حتى الآن استقراراً نسبياً، مع استمرار الصراع، فهناك مخاطر متزايدة لنقص الإمدادات، كما يمثل تخزين السلع في الموانئ اليمنية علامة واضحة على تزايد المخاوف في السوق. ويتعرض مستوردو السلع الذين يعملون في اليمن عبر ميناء رأس عيسى النفطي أو ميناءي الحديدة والصليف بشكل خاص للصدمات التي تضرب المنطقة، غير أنها في نفس الوقت تواجه صعوبة إضافية تتمثل في عدم قدرتها على تعديل أسعار المستهلكين في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون.
في الفترة بين أكتوبر/ تشرين الأول 2023 وفبراير/ شباط 2024، ظلت واردات الوقود والغذاء إلى اليمن مستقرة كما تشير بيانات ملاحية، بل تجاوزت في يناير/ كانون الثاني 2024 المتوسطات الشهرية للأشهر الاثني عشر السابقة. وتشير هذه التطورات إلى أن التجار الذين يتعاملون مع اليمن مستعدون لتحمل المخاطر المتزايدة واختيار خطوط شحن أقصر وسفن مُغَذية من الموانئ القريبة مثل "جبل علي وصلالة".
وبالرغم من أن معظم الهجمات التي شنها الحوثيون لم تلحق أضراراً جسيمة بكثير من السفن التي استهدفوها، إلا أن العديد من شركات الشحن قررت تحويل المسار نحو رأس الرجاء الصالح. وتشير بيانات حديثة صادرة عن صندوق النقد الدولي إلى انخفاض كبير في حركة مرور السفن اليومية عبر مضيق باب المندب منذ اندلاع الصراع. وظل عدد سفن الشحن والناقلات التي تمرّ عبر باب المندب، وفق صندوق النقد الدولي، ثابتاً حتى نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 قبل أن ينخفض بنسبة 14% في ديسمبر/ كانون الأول 2023 وبنسبة 57.6% في يناير/كانون الثاني 2024، مقارنة بالمتوسط الشهري للعشرة شهور الأولى من عام 2023، قبل التصعيد الذي شهده البحر الأحمر.