أدت الاضطرابات الممتدة لأسابيع في منطقة البحر الأحمر مع هجمات جماعة الحوثي اليمنية على سفن تجارية بالقرب من مضيق باب المندب والضربات العسكرية الأميركية والبريطانية لمواقع يمنية ردا على هذه الهجمات، إلى عدد من التداعيات الاقتصادية السلبية والمخاوف من أخرى في الفترة الأخيرة.
كان على رأس هذه التداعيات تحول السفن عن عبور قناة السويس، واللجوء إلى طرق أخرى أكثر كلفة ووقت، بما له انعكاساته الحالية والمحتملة على سلاسل الإمداد، وتوافر السلع، وأسعارها بمختلف بلدان العالم.
وفيما يلي نرصد أبرز التداعيات الاقتصادية الحالية والمحتملة للتوترات في البحر الأحمر، ومن بينها:
ارتفاع تكلفة الشحن البحري
ارتفعت تكاليف الشحن البحري للبضائع بعد اندلاع التوترات في البحر الأحمر والتي أدت إلى تغيير شركات لمسارات سفنها حول رأس الرجاء الصالح.
وقال الرئيس العالمي لاستشارات مرونة الأعمال، بشركة Maersk، زيرا تشنغ، إن الاضطرابات دفعت الشركات إلى تغيير مسارها حول رأس الرجاء الصالح بدلاً من المرور بقناة السويس، ما أدى إلى انكماش فوري في قدرة السوق وارتفاع في أسعار الشحن، مع آثار كبيرة على شبكات التجارة العالمية والاستقرار الاقتصادي، بحسب مقال نشره المنتدى الاقتصادي العالمي في 20 فبراير/ شباط.
كما رفعت شركات التأمين كلفة الضمان ضد مخاطر الحرب على السفن الأميركية والبريطانية والإسرائيلية التي تعبر البحر الأحمر بنسبة تصل إلى 50%، فيما يتجنب بعض مقدمي خدمات التأمين تغطية مثل هذه السفن بسبب استهداف جماعة الحوثي لها.
زيادة أسعار السلع ونقص الإمدادات
يؤدي اتخاذ طرق أخرى بدلا عن قناة السويس إلى زيادة تكلفة الشحن وفترات وصول البضائع، وهو ما ينعكس على أسعار السلع وتوفرها في الأسواق في العديد من البلدان.
وتشير تقديرات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى أن مضاعفة تكاليف الشحن العالمية، إذا استمرت، من شأنها أن تضيف 0.4 نقطة مئوية إلى تضخم أسعار المستهلك في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بعد حوالي عام.
تراجع إيرادات قناة السويس
انعكست التوترات في البحر الأحمر، وقرارات بعض الشركات بالإبحار بعيداً عنه، على عدد السفن المارة بقناة السويس، وبالتالي على إيراداتها بالسلب.
وانخفضت إيرادات مصر من قناة السويس بنسبة بين 40 و50%، بحسب ما قاله الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، خلال مؤتمر ومعرض مصر الدولي السابع للطاقة "إيجبس 2024" بالقاهرة في 19 فبراير/ شباط الماضي.
ويعبر الممر المائي لقناة السويس بين 12 و15% من حجم التجارة العالمية سنويا.
رواج الشحن الجوي؟
تضاربت المؤشرات المتعلقة بمدى رواج الشحن الجوي للبضائع بعد لجوء شركات لطرق أخرى للشحن البحري بعيداً عن البحر الأحمر، مما يزيد مدة وتكلفة الشحن، فكانت هناك محاولات لهذا الرواج تلاشت سريعاً على ما يبدو.
ستؤدي زيادة فترات العبور عبر المحيطات إلى الضغط على المخزونات، وسيكون لها تداعيات فورية على قدرات الشحن الجوي، مع توقع ارتفاع كبير في الأسعار على الصفقات الرئيسية، بحسب ما قالته شركة النقل والخدمات اللوجستية Bolloré Logistics في بيان سابق لها في نهاية 2023.
وفي نهاية يناير/ كانون الثاني، قالت وكالة بيانات الأسعار تي.إيه.سي إنديكس إن مؤشر البلطيق للشحن الجوي، الذي يظهر معدلات المعاملات الأسبوعية للشحن العام عبر عدد من الطرق، ارتفع 6.4% في الأسبوع حتى 29 يناير، لكن السعر عاد للانخفاض بنسبة 8.2% خلال الأسبوع المنتهي في 19 فبراير/ شباط، مع انخفاض أحجام الشحن من الصين بشكل حاد خلال عطلات العام القمري الجديد.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة Kuehne+Nagel السويسرية للخدمات اللوجستية، ستيفان بول، الجمعة 1 مارس/ آذار، إن الهجمات التي يشنها الحوثيون على سفن تجارية في البحر الأحمر لم تدفع الشركات إلى الهرولة للتحول إلى الشحن الجوي، مرجعا ذلك إلى ضعف الطلب الإجمالي وإلى مرونة سلاسل التوريد بعد جائحة فيروس كورونا.
وأضاف أن الطلب على الشحن الجوي قد يرتفع إذا كان هناك نقص في حاويات الشحن البحري، لكن أحجام الشحن البحري عادت إلى طبيعتها في الربع الأخير من العام الماضي، بحسب رويترز.
مخاوف التلوث البيئي وتكلفته
إعلان غرق السفينة "روبيمار" المملوكة لشركة بريطانية السبت 2 مارس/ آذار، والتي تعرضت لهجوم بصاروخ باليستي مضاد من الحوثيين في 18 فبراير/ شباط، أثار المخاوف بشأن مدى الكوارث البيئية التي يمكن أن تنتج عن مثل هذه الهجمات وتداعياتها، والكلفة الاقتصادية لمعالجتها.
وأشارت خلية الأزمة المشكلة من الحكومة اليمنية للتعامل مع السفينة، إلى أن غرقها سيسبب كارثة بيئية في المياه الإقليمية اليمنية والبحر الأحمر، والتي تحمل "ما يقرب من 21 ألف طن متري من سماد كبريتات فوسفات الأمونيوم"، بحسب ما كتبته القيادة المركزية الأميركية على موقع X.
وتجنبت المنطقة كارثة بيئية عندما نجحت الأمم المتحدة في إزالة أكثر من مليون برميل من النفط من ناقلة عملاقة متهالكة كانت راسية قبالة سواحل اليمن. وقال الأستاذ المساعد في قسم علوم الأرض والبيئة في كلية بوسطن، شينغتشن توني وانغ، "إذا تم إنقاذ السفينة قبل حدوث تسرب كبير، فقد يكون من الممكن منع وقوع كارثة بيئية كبرى".
مخاوف تأثر كابلات الإنترنت
بحسب تقرير لصحيفة The Wall Street Journal الأميركية، السبت 2 مارس/ آذار، فإن البحر الأحمر، الذي يشهد التوترات الحالية، يعتبر أحد نقاط الضعف في شبكة الإنترنت عالمياً.
وذكرت الصحيفة أن معظم حركة الإنترنت تمر بين أوروبا وشرق آسيا عبر كابلات تحت البحر تتدفق إلى مضيق باب المندب الضيق في الجزء الجنوبي للبحر الأحمر.
ولطالما شكلت نقطة الاختناق هذه مخاطر على البنية التحتية للاتصالات بسبب حركة السفن المزدحمة، مما يزيد من احتمال السقوط المرساة والاصطدام بالكابلات، وهو ما زاد خطورة مع التوترات الدائرة حالياً.