يصر البعض على إثارة المخاوف من الذكاء الاصطناعي وما قد يسببه من فقدان ملايين الوظائف وبالتالي زيادة معدلات البطالة، وبالتالي يقولون إنه يشكل خطرا. وبالفعل يوجد خطران حقيقيان؛ لكن ليس من بينهما تهديد الوظائف.
وحتى رغم هذه المخاوف إلا أنه لا يمكن إغفال فوائده الهائلة بما سيحدثه من ثورة في مختلف القطاعات الاقتصادية.
تتوقع وكالة تحليلات الذكاء الاصطناعي "أيه آي إي أيه" التابعة لـ"مجموعة المعرفة المتعمقة" ومقرها لندن، أن يقفز حجم اقتصاد الذكاء الاصطناعي من 20 تريليون دولار في العام الجاري، إلى 34 تريليون دولار بحلول 2027، وهذا قد يكون أحد وليس كل الفوائد المرجوة من تطور الذكاء الاصطناعي وانتشاره.
يقول تقرير لبنك أوف أميركا إن من المرجح أن تنمو الإيرادات العالمية المرتبطة ببرامج الذكاء الاصطناعي والأجهزة والخدمات والمبيعات بنسبة 19% سنويًا، لتصل إلى 900 مليار دولار بحلول عام 2026، مقارنة بـ 318 مليار دولار في عام 2020. ووفقًا لبعض التقديرات، سيساهم الذكاء الاصطناعي بأكثر من 15 تريليون دولار في الاقتصاد العالمي بحلول عام 2030.
سيستفيد الاقتصاد العالمي من الذكاء الاصطناعي عبر زيادة الإنتاجية، من خلال أتمتة المهام، خاصة تلك المهام الروتينية التي يقوم بها البشر حاليًا، مما يسمح لهم بالتركيز على المهام الأكثر إبداعًا وإنتاجية. كما يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين العمليات التجارية عبر تحليل البيانات وتسهيل الوصول لأفضل طرق التحسين.
ويتخوف كثيرون من التهام الذكاء الاصطناعي ملايين الوظائف وبالتالي مفاقمة مستويات البطالة. تقول مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا إن "الذكاء الاصطناعي سيؤثر على ما يقرب من 40% من الوظائف في جميع أنحاء العالم، حيث سيحل محل بعضها ويكمل البعض الآخر. وفي الاقتصادات المتقدمة، قد تتأثر حوالي 60% من الوظائف بالذكاء الاصطناعي".
قد يؤدي بالفعل الذكاء الاصطناعي لخسارة ملايين الوظائف ، ولكنه سيخلق وظائف أخرى جديدة لم تكن موجودة من قبل. مع بداية الثورة الصناعية واختراع الآلة كانت توجد المخاوف ذاتها من أن تأخذ الآلات الجديدة وظائف البشر، وسرعان ما خلقت أضعافا مضاعفة من الوظائف. الخوف طبيعية بشرية، ولكن يجب التفكير في الأمر بشيء من المنطق والحياد.
صحيح على البعض أن يخافوا على وظائفهم، ليس لأن الذكاء الاصطناعي يمثل تهديدا حقيقيا لهم، ولكن لأن هذا الخوف سيدفعهم لمعاداة الذكاء الاصطناعي وتجنبه، وعدم الاستفادة منه، وهذا سيسهل انتقال هذه الوظيفة إلى آخرين، تغلبوا على مخاوفهم، وطوعوا الذكاء الاصطناعي لخدمتهم وتحقيق أهدافهم وتسهيل مهامهم عبر أساليب مبتكرة.
وهذا ما يفعله الذكاء الاصطناعي، إذ يسرع الابتكار من خلال مساعدة الشركات على تطوير منتجات وخدمات جديدة بشكل أسرع. كما سيخفض التكاليف عبر تقليل الهدر في مختلف القطاعات، وتحسين كفاءة العمليات، وأتمتة المهام اليدوية.
وسيخلق الذكاء الاصطناعي فرص عمل جديدة من خلال تطوير قطاعات جديدة، وزيادة الطلب على المهارات المتخصصة مثل هندسة البرمجيات وعلوم البيانات، كما سيعزز ريادة الأعمال ويوفر أدوات جديدة للشركات الناشئة.
وعلى مستوى الأفراد والشركات سيحسن الذكاء الاصطناعي مستوى المعيشة، عبر زيادة الدخل وتحسين مستوى الخدمات وتقديم فرص جديدة للتعلم والتطور المهني. على سبيل المثل سيساعد الذكاء الاصطناعي في أن يكون لكل طالب مُدرسَهٌ الخاص به، وأيضا سيكون لكل شخص طبيبه الخاص، وهذا سيقضي على مشاكل متجذرة في الكثير من المجتمعات وسيحسن مستويات التعليم والصحة.
أما على مستوى الدول سيزيد الذكاء الاصطناعي الناتج المحلي الإجمالي، وسيخلق ملايين الوظائف، ويجذب المليارات للدول التي تستثمر في هذه التكنولوجيا. يقول كريس هيزي، من بنك ميريل لينش: "سيعمل الذكاء الاصطناعي على إحداث تحول في الاقتصاد العالمي، تمامًا كما فعلت الكهرباء والمحرك البخاري في عصرهما".
لتعميق الاستفادة من الذكاء الاصطناعي وفوائده الهائلة يجب الانتباه إلى أمرين اثنين، إذ هما بالفعل قد يكونان مكمن الخطر، بعكس ما يروج البعض لمحاربته الوظائف وتعميق البطالة.
يجب تنسيق السياسات الحكومية، وعلى مستوى العالم لضمان عدم استغلال الأشرار لهذه التكنولوجيا الجبارة فيما يضر البشرية، الأمر الثاني هو أن الذكاء الاصطناعي للآن ينفذ ما يطلب منه بجودة تفوق قدرة الأفراد، وهو ليس لديه رغبة (Desire)، مثل الحب والكراهية أو الرغبة في إلحاق الأضرار أو الأذى، ويجب ضمان عدم حدوث ذلك حتى لا تسيطر الآلة على البشر وحينها سيكون الخطر الحقيقي.